حمى البحر الأبيض المتوسط: الأسباب والعلاج

حمى البحر الأبيض المتوسط: التعريف، الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

مقدمة

حمى البحر الأبيض المتوسط (FMF) هي مرض وراثي نادر يتميز بنوبات متكررة من الحمى والألم في البطن والصدر والمفاصل. وتعتبر هذه الحالة واحدة من أكثر الأمراض الوراثية شيوعاً في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعكس تسميتها، لكنها قد تصيب أفراداً من عرقيات متنوعة حول العالم. على الرغم من أن حمى البحر الأبيض المتوسط مرض مزمن، فإن هناك طرقاً فعالة لإدارته وتخفيف الأعراض بشكل ملحوظ.

سنتناول في هذا المقال تفاصيل شاملة عن حمى البحر الأبيض المتوسط بدءًا من أسبابها وعوامل خطرها، مرورًا بأعراضها وكيفية تشخيصها، وصولاً إلى أحدث طرق العلاج المتاحة.

ما هي حمى البحر الأبيض المتوسط؟

حمى البحر الأبيض المتوسط هي مرض وراثي من مجموعة الأمراض الالتهابية الموروثة، ويحدث بسبب طفرة في جين يسمى MEFV. هذا الجين هو المسؤول عن إنتاج البروتين المسمى “البيرين”، والذي يلعب دورًا مهمًا في تنظيم الاستجابة الالتهابية داخل الجسم. عندما يحدث خلل في هذا الجين، تتسبب هذه الطفرة في زيادة نشاط الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى نشوء التهاب غير طبيعي.

تتميز حمى البحر الأبيض المتوسط بنوبات من الالتهابات التي تصيب الأنسجة الداخلية للجسم، مثل الأغشية المحيطة بالأعضاء (مثل غشاء البطن)، مما يؤدي إلى الألم والحمى. هذه النوبات يمكن أن تكون شديدة ولكنها تختفي غالباً بعد أيام قليلة. ولكن في بعض الحالات، قد تصبح النوبات أكثر تكرارًا وتسبب مشاكل صحية طويلة الأمد.

أسباب حمى البحر الأبيض المتوسط

كما تم ذكره سابقًا، فإن حمى البحر الأبيض المتوسط تحدث بسبب الطفرات الوراثية في الجين MEFV، الذي يقع على الكروموسوم 16. يعمل هذا الجين على تحديد إنتاج البروتين البيرين الذي يساعد على تنظيم استجابة الجسم للالتهاب. وعندما يحدث خلل في هذا الجين، يصبح الجسم غير قادر على التحكم بشكل جيد في الاستجابة الالتهابية، مما يؤدي إلى ظهور أعراض حمى البحر الأبيض المتوسط.

تُعد هذه الطفرة الوراثية موروثة من كلا الوالدين. إذا كان أحد الوالدين فقط يحمل الجين المعيب، فإن الشخص قد يكون حاملاً للمرض ولا تظهر عليه الأعراض. أما إذا ورث الشخص الجين المعيب من كلا الوالدين، فسيكون عرضة للإصابة بالمرض.

الأعراض والعلامات السريرية

تظهر الأعراض عادة في مرحلة الطفولة أو المراهقة، لكن يمكن أن تحدث في أي عمر. وتشمل الأعراض الرئيسية لحمة البحر الأبيض المتوسط ما يلي:

1. الحمى المتكررة

واحدة من أكثر الأعراض وضوحاً في حمى البحر الأبيض المتوسط هي الحمى التي تظهر بشكل مفاجئ وتستمر لعدة أيام. تتراوح درجات الحرارة في معظم الحالات بين 39 إلى 40 درجة مئوية، وتُلاحظ في نوبات تستمر من 1 إلى 4 أيام.

2. ألم البطن

يترافق مع الحمى ألم حاد في البطن، ويكون في معظم الأحيان ناتجاً عن التهاب الغشاء المبطن للبطن. هذا الألم قد يكون شديدًا جدًا ويستمر لأيام، وقد يتم تحريكه بواسطة الأطعمة أو التوترات الجسدية.

3. ألم المفاصل

ألم المفاصل هو عرض آخر شائع في حمى البحر الأبيض المتوسط، وغالبًا ما يُصيب المفاصل الكبيرة مثل الركبتين والكاحلين. قد يكون الألم حاداً ويؤدي إلى تورم واحمرار في المفاصل.

4. ألم الصدر

قد يحدث التهاب في الأغشية المحيطة بالقلب والرئتين، مما يؤدي إلى ألم في الصدر وصعوبة في التنفس. يزداد الألم عادةً عند التنفس العميق أو السعال.

5. تورم في الأطراف أو الغدد اللمفاوية

من الممكن أن تترافق النوبات مع تورم في الغدد اللمفاوية في مناطق مثل الرقبة والإبطين والفخذ. التورم قد يكون مؤلمًا ويختفي بعد زوال النوبة.

6. الإرهاق العام

يشعر العديد من المرضى بالتعب الشديد والضعف العام بعد النوبات، وقد يستمر هذا الشعور لفترة بعد زوال النوبة.

عوامل الخطر

أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بحمى البحر الأبيض المتوسط هم أولئك الذين ينتمون إلى العائلات التي تحمل التاريخ الوراثي للمرض. كما أن بعض المجتمعات العرقية تكون أكثر عرضة للإصابة، مثل:

• اليهود السفارديم (من أصول إسبانية أو مغربية).

• الأتراك.

• العرب.

• الأرمن.

• اليونانيين.

• الإيطاليين.

عادةً ما تكون النوبات أكثر تكرارًا وأشد في الأطفال والمراهقين، وقد تتناقص مع تقدم السن.

التشخيص

تحديد ما إذا كان الشخص مصابًا بحمى البحر الأبيض المتوسط يتطلب التشخيص السريري بالإضافة إلى بعض الاختبارات الطبية. تشمل طرق التشخيص:

1. الفحص البدني

يجب على الطبيب تقييم الأعراض والعلامات الظاهرة على المريض، مثل الحمى وألم المفاصل وألم البطن. يمكن أن تساعد هذه الفحوصات في تقديم فكرة أولية عن المرض.

2. الفحوصات الجينية

يُعد اختبار الحمض النووي من أساليب التشخيص الأكثر دقة. إذا كانت الطفرات في جين MEFV موجودة، يتم تأكيد التشخيص.

3. اختبارات الدم

يمكن أن تُظهر اختبارات الدم مستوى عالٍ من الالتهابات، مثل البروتين المتفاعل C (CRP) والمستوى المرتفع من سرعة ترسيب الدم (ESR). كما قد تشير المستويات المرتفعة من الأجسام المضادة إلى وجود التهاب نشط.

العلاج

لا يوجد علاج شافٍ لحمة البحر الأبيض المتوسط حتى الآن، لكن يمكن السيطرة على الأعراض والحد من تكرار النوبات باستخدام الأدوية والعلاج المناسب. أهم العلاجات تشمل:

1. الكولشيسين

يعد الكولشيسين الدواء الأساسي في علاج حمى البحر الأبيض المتوسط. يعمل الكولشيسين على تقليل الالتهاب ويمنع تكرار النوبات. يعتبر هذا الدواء فعالًا في تقليل تكرار النوبات وتخفيف شدتها، ويمكن أن يُعطى بشكل يومي.

2. الأدوية المضادة للالتهابات

في الحالات الشديدة، قد يتم استخدام الأدوية المضادة للالتهابات مثل الستيرويدات القشرية أو الأدوية المناعية الأخرى لتخفيف الالتهاب.

3. العلاج البيولوجي

في حالات معينة، يمكن استخدام الأدوية البيولوجية التي تستهدف التفاعل المناعي الزائد. تشمل هذه الأدوية مثبطات الإنترلوكين 1 (IL-1)، مثل “كاناكينوماب” و “أناكينرا”، والتي يمكن أن تخفف بشكل كبير من الأعراض لدى المرضى الذين لا يستجيبون للأدوية الأخرى.

4. المراقبة المستمرة

نظرًا لأن حمى البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تتسبب في تلف الأعضاء بمرور الوقت، فإن المراقبة المستمرة لحالة المرض مهمة لتقليل المضاعفات. قد يتطلب الأمر اختبارات دائمة للأعضاء المختلفة مثل الكلى والقلب.

المضاعفات

إذا لم يتم علاج حمى البحر الأبيض المتوسط بشكل صحيح، فقد تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة. يمكن أن تشمل هذه المضاعفات:

• التأثير على الكلى: يمكن أن تؤدي النوبات المتكررة إلى مرض الكلى المزمن وفشل الكلى.

• التأثير على القلب: قد تتسبب النوبات المتكررة في مشاكل في القلب مثل التهاب التامور (الغشاء المحيط بالقلب).

• العقم: بعض الدراسات تشير إلى أن النساء المصابات بحمى البحر الأبيض المتوسط قد يكن أكثر عرضة للعقم بسبب التهابات الحوض المستمرة.

الخاتمة

حمى البحر الأبيض المتوسط هي مرض وراثي مزمن يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى إذا لم يتم تشخيصه ومعالجته بشكل صحيح. مع العلاجات المتاحة اليوم، مثل الكولشيسين والعلاج البيولوجي، يمكن للعديد من المرضى إدارة المرض بشكل جيد وتقليل تأثيره على حياتهم اليومية. ينبغي أن يواصل الأطباء والباحثون البحث عن طرق جديدة لتحسين العلاجات والحد من المضاعفات المحتملة للمرض.