الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية: دورها في صون التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة في المملكة العربية السعودية

تُعَدُّ الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في المملكة العربية السعودية من أبرز الهيئات البيئية التي أُسِّست لحماية النظم البيئية والتنوع البيولوجي، والعمل على استدامة الموارد الطبيعية، والحفاظ على الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني. وجاء إنشاء الهيئة كاستجابة ضرورية لحجم التحديات التي تواجه البيئة السعودية، خاصةً في ظل النمو السكاني، والتوسع العمراني، والرعي الجائر، والصيد غير المشروع، وغيرها من التهديدات التي أضعفت التوازن البيئي وأثرت على الكثير من الأنواع الفطرية.

تأسست الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بموجب مرسوم ملكي في عام 1986م (1406هـ)، لتكون الجهة المعنية بوضع السياسات والإجراءات لحماية الحياة الفطرية في المملكة، من خلال برامج محكمة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وإنشاء المحميات الطبيعية، وتنفيذ البحوث العلمية، ونشر التوعية البيئية بين المواطنين والمقيمين.

خلفية تاريخية وأهداف الهيئة

تأسيس الهيئة جاء في سياق بيئي واقتصادي واجتماعي يتطلب تدخلًا رسميًا منظمًا لحماية ما تبقى من الحياة الفطرية في المملكة. فالمملكة تمتاز بتنوع بيولوجي فريد، نظراً لتنوع تضاريسها ومناخها، من سواحل البحر الأحمر والخليج العربي إلى الجبال والصحارى الشاسعة، مما أدى إلى وجود أنماط بيئية متعددة تسكنها أنواع فطرية نادرة.

من أبرز أهداف الهيئة:

• حماية الأنواع الفطرية النادرة والمهددة بالانقراض.

• إعادة توطين الأنواع المنقرضة محليًا ضمن مواطنها الأصلية.

• إنشاء وإدارة المحميات الطبيعية.

• تعزيز الوعي البيئي لدى المجتمع.

• تنظيم عمليات الصيد والترخيص بها.

• إجراء البحوث والدراسات البيئية المرتبطة بالحياة الفطرية.

التنظيم الإداري للهيئة وأدوارها المؤسسية

تعمل الهيئة تحت إشراف الدولة، وكان لها مجلس إدارة يترأسه أحد الوزراء المعنيين بالشؤون البيئية، وتتفرع منها إدارات مختلفة تختص بمجالات الحماية، التوعية، البحث العلمي، والمراقبة البيئية. وقد تطور هذا الهيكل الإداري لاحقًا بعد دمج الهيئة ضمن المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بقرار حكومي في إطار رؤية المملكة 2030 لإعادة هيكلة القطاع البيئي.

ويستمر المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في أداء المهام نفسها التي كانت تضطلع بها الهيئة، مع تحديث الاستراتيجيات وتطوير الأطر التنظيمية، ورفع كفاءة الأداء المؤسسي في إدارة الحياة الفطرية، بما يتناسب مع المعايير الدولية لحماية التنوع البيولوجي.

المحميات الطبيعية ودورها في حماية الحياة الفطرية

تُعد المحميات الطبيعية من أبرز أدوات الهيئة في حماية الحياة الفطرية، إذ تمثل مناطق مغلقة أو شبه مغلقة تُمنع فيها الأنشطة البشرية التي قد تضر بالتوازن البيئي، وتُستخدم لإعادة تأهيل الأنواع الفطرية التي انقرضت أو تعرضت لانخفاض حاد في أعدادها.

من أبرز المحميات التي أنشأتها الهيئة:

تتميز هذه المحميات بأنها مناطق ذات إدارة بيئية متكاملة، تُطبق فيها أنظمة المراقبة، والتكاثر في الأسر، وإعادة الإطلاق في البرية. كما يتم التعاون فيها مع هيئات دولية متخصصة لضمان التوازن البيئي واستدامة الأنواع.

برامج إكثار الأنواع المهددة بالانقراض

أحد أهم إنجازات الهيئة يتمثل في برامج إكثار الأنواع المهددة بالانقراض. فعلى سبيل المثال، ساهمت الهيئة في إعادة المها العربي إلى البرية بعد أن كان منقرضًا في معظم مناطق المملكة، من خلال برنامج متكامل شمل التكاثر في مراكز الإكثار، ومن ثم إطلاق الأفراد في المحميات المحمية والمسيجة. وقد تكررت التجربة نفسها مع أنواع أخرى مثل غزال الريم والنعام أحمر الرقبة.

هذه البرامج لم تكن مقتصرة فقط على التربية والإطلاق، بل شملت أيضًا الدراسات الوراثية، ومراقبة السلوك في البرية، واستخدام تقنيات التتبع بالأقمار الصناعية، وتدريب فرق ميدانية مختصة بمتابعة حياة الأنواع بعد إطلاقها.

حماية الحياة البحرية

لم تغفل الهيئة أهمية حماية البيئة البحرية ضمن جهودها الشاملة، خاصة مع تعرض السواحل السعودية على البحر الأحمر والخليج العربي لتهديدات متعددة، مثل التلوث، الصيد الجائر، وتدمير الموائل البحرية مثل الشعاب المرجانية وأعشاب البحر. ولهذا ركزت الهيئة على حماية الأنواع البحرية، خصوصًا السلاحف البحرية، والأطوم، والأسماك الكبيرة، من خلال حملات التوعية، وحظر الصيد في مواسم التزاوج، وإنشاء محميات بحرية مثل محمية جزر فرسان.

برامج التوعية والتعليم البيئي

أدركت الهيئة منذ تأسيسها أن حماية الحياة الفطرية لا يمكن أن تتحقق دون وعي مجتمعي راسخ. ولهذا أطلقت العديد من الحملات التوعوية في المدارس والجامعات، وشاركت في المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية، وأصدرت الكتيبات والمنشورات العلمية باللغة العربية والإنجليزية.

كما أنشأت الهيئة مركزاً إعلامياً متخصصاً لنشر المواد التوعوية، وإنتاج الأفلام الوثائقية عن الحياة الفطرية، بالإضافة إلى إطلاق حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بأهمية البيئة الطبيعية.

جهود مكافحة الصيد الجائر

يُعَدُّ الصيد الجائر من أكبر التهديدات التي تواجه الحياة الفطرية في المملكة. ولذلك قامت الهيئة بسن الأنظمة والقوانين التي تمنع الصيد دون ترخيص، وفرضت عقوبات صارمة على المخالفين، كما أنشأت فرقًا ميدانية لمراقبة المحميات وضبط المخالفات، مزودة بسيارات دفع رباعي وأجهزة مراقبة متطورة.

وتعاونت الهيئة أيضًا مع وزارة الداخلية وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك لمنع تهريب الحيوانات الفطرية والطيور الجارحة إلى خارج المملكة أو العكس.

التعاون الدولي والاتفاقيات البيئية

انضمت المملكة العربية السعودية إلى عدة اتفاقيات بيئية دولية بجهود من الهيئة، مثل:

• اتفاقية سايتس (CITES) الخاصة بتنظيم التجارة الدولية بالأنواع المهددة بالانقراض.

• اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) لحماية الأنظمة البيئية والموارد الوراثية.

• برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (MAB) التابع لليونسكو.

كما عقدت الهيئة شراكات مع منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) والصندوق العالمي للطبيعة (WWF).

تحديثات في إطار رؤية المملكة 2030

مع انطلاق رؤية المملكة 2030، تم دمج الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية ضمن هيكل تنظيمي جديد أكثر شمولاً تحت مظلة المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وهو ما أعطى بعدًا استراتيجيًا أوسع لأعمال الحماية، وزاد من الكفاءة المؤسسية، وربط حماية البيئة بأهداف التنمية المستدامة.

وتضمنت هذه الخطوات إطلاق مبادرات وطنية مثل:

• مبادرة السعودية الخضراء.

• مبادرة الشرق الأوسط الأخضر.

• مبادرة إعادة تأهيل الموائل الطبيعية.

هذه المبادرات تؤكد التزام المملكة بحماية البيئة ومكافحة التصحر، وزراعة ملايين الأشجار، وإعادة إحياء الأنظمة البيئية الطبيعية التي تعرضت للتدهور.

التحديات المستقبلية

رغم النجاحات التي تحققت، إلا أن حماية الحياة الفطرية في المملكة لا تزال تواجه تحديات جمة، منها:

• التوسع العمراني والزراعي غير المنضبط.

• التغير المناخي وتأثيراته على البيئات الجافة.

• شح الموارد المائية وتأثيره على الموائل الطبيعية.

• الضغوط السياحية على المواقع البيئية الحساسة.

• ضعف الالتزام المجتمعي بالقوانين البيئية.

ولذلك تبقى الحاجة ملحة إلى استمرار تطوير الأطر التنظيمية، وزيادة التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة، وتوسيع دائرة الوعي البيئي، والعمل على إشراك المجتمع المدني في مشاريع الحماية، وتحفيز البحث العلمي البيئي المحلي.

الخلاصة

الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في المملكة العربية السعودية شكلت على مدار عقود الذراع التنفيذي الرئيسي في حماية التنوع البيولوجي، من خلال جهود شاملة في إنشاء المحميات، إكثار الأنواع المهددة، توعية المجتمع، وتنظيم الصيد. وقد أسست قاعدة متينة لاستمرار العمل البيئي تحت مظلة المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. ومع تطلعات رؤية 2030، يتعزز هذا الدور ليكون أكثر شمولاً وتكاملاً مع التنمية المستدامة، لضمان بيئة طبيعية مزدهرة للأجيال الحالية والمستقبلية.

المراجع

1. الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، التقارير السنوية، الرياض.

2. وزارة البيئة والمياه والزراعة – المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، منشورات رسمية، 2023.