الحلويات التونسية التقليدية، التراث الذهبي للمذاق والمناسبة

تعدّ الحلويات التونسية التقليدية جزءاً لا يتجزأ من المطبخ التونسي العريق، وهي تعكس عمق الثقافة والتاريخ والهوية الغذائية التي تراكمت عبر قرون طويلة من التفاعل بين الحضارات، من الأمازيغية إلى الرومانية ثم العربية والعثمانية، وصولاً إلى التأثيرات الأندلسية والمغاربية. وقد شكّلت هذه الحلويات طقوساً اجتماعية ودينية واقتصادية، وأصبحت مرآة للذاكرة الجماعية تتوارثها الأجيال. تتميز الحلويات التونسية بمكوناتها الطبيعية وتعدد تقنياتها وتنوّعها الجغرافي، حيث نجد وصفات فريدة في الشمال تختلف عن مثيلاتها في الجنوب أو الوسط، إلا أن الرابط المشترك بينها يبقى دائماً في حضورها القوي في الأعياد والمناسبات والأفراح.

القيم الثقافية والاجتماعية للحلويات التونسية

ترتبط الحلويات التقليدية في تونس ارتباطاً وثيقاً بالمناسبات الدينية كعيد الفطر، وعيد الأضحى، والمولد النبوي الشريف، وشهر رمضان، وكذلك المناسبات الاجتماعية كحفلات الزفاف والختان والخطوبة. في كل مناسبة، تُحضّر أنواع معينة من الحلويات تعبّر عن الخصوصية الثقافية لتلك اللحظة. ولا يقتصر الأمر على الأكل فحسب، بل يمتد إلى طقس التحضير الجماعي الذي غالباً ما تشارك فيه العائلات والجارات، وهو ما يعزز التلاحم الاجتماعي وينقل المهارات من جيل إلى جيل.

المكونات الأساسية وتقنيات التحضير

تعتمد الحلويات التونسية التقليدية على مكونات بسيطة لكنها عالية الجودة، مثل:

• السميد والدقيق

• العسل الطبيعي

• زيت الزيتون أو السمن

• اللوز والجوز والفستق

• التمر

• ماء الزهر وماء الورد

• الزبدة

• البيض

• الحليب

وغالباً ما تتطلب الحلويات التقليدية مهارات دقيقة في تشكيل العجين، وتوزيع الحشوة، والتحمير في الفرن أو القلي، وتهيئة الشراب السكري أو العسل الذي يغمر به المنتج النهائي.

أشهر الحلويات التونسية التقليدية

1. البقلاوة التونسية

البقلاوة من أعرق وأشهر الحلويات التونسية، وتُحضَّر عبر طبقات متعددة من رقائق العجين الرقيق جداً تُحشى بمزيج من المكسرات المطحونة (اللوز، الفستق، الجوز) وتُروى بشراب العسل المعطر بماء الزهر. تحتاج البقلاوة إلى دقة كبيرة في العمل، وتعتبر طبقاً راقياً يُقدم غالباً في المناسبات الكبرى.

2. المقروض

يُعتبر المقروض من أشهر الحلويات في الجنوب التونسي، وخصوصاً في القيروان. يتكون من عجين السميد المحشو بعجينة التمر المعطرة بالقرفة والقرنفل، ويُقلى ثم يُغمر في العسل. يتميز بشكله المربع أو المعين، ويُقدَّم في الأعياد والمناسبات الخاصة.

3. كعك الورقة

هو أحد الحلويات الفاخرة الخاصة بمدينة زغوان، ويُحشى غالباً باللوز المعطر بماء الورد ويُلف بورقة رقيقة من العجين تُشبه الورق الشفاف. يُعد كعك الورقة من أرقى الحلويات التونسية وأكثرها تميزاً، وغالباً ما يُقدَّم في حفلات الزفاف والخطوبة.

4. الزلابية

الزلابية التونسية تختلف قليلاً عن مثيلاتها في المشرق. تُحضَّر من عجين يُقلى في الزيت حتى يتخذ شكلاً حلزونياً، ثم يُغمر في العسل الساخن. وتُعد من الحلويات الرمضانية المفضلة، وتُرافق غالباً طبق “المخارق” في العديد من المدن التونسية.

5. المخارق

هي حلوى رمضانية تشبه الزلابية في طريقة التحضير، لكنها تختلف في الشكل والحجم وتُعد أكثر هشاشة. تُغمس المخارق في شراب العسل وتُرشّ غالباً بالسمسم أو الجلجلان.

6. الغريبة

هناك عدة أنواع من الغريبة في تونس، أشهرها غريبة الدرع (المصنوعة من دقيق الذرة)، وغريبة الحمص، وغريبة اللوز. وتتميّز هذه الحلويات بطراوتها من الداخل وملمسها المقرمش من الخارج، وتُعتبر من الأطباق الأساسية في الأعياد.

7. البشكوطو (البسكويت التونسي)

يُعد من الحلويات التي تحضر على مدار السنة وترافق القهوة أو الشاي. ويُحضّر من البيض والسكر والدقيق، ويمكن إضافة نكهات مختلفة مثل قشر الليمون أو الفانيليا.

8. كعك التمر

عبارة عن أقراص صغيرة من العجين المحشو بعجوة التمر، تُحمّص في الفرن وتُقدّم مع الشاي أو القهوة. يُقدَّم في المناسبات الدينية وخصوصاً في عيد الفطر.

9. كعك العنبر

يُعرف أيضاً بكعك العنبر القيرواني، وهو من الحلويات الشهيرة في القيروان، يُحشى بعجينة من السكر المعجون وماء الورد ويُعطَّر بمادة العنبر الرمادي الطبيعي. وله طابع خاص من حيث الشكل والذوق.

جدول مقارنة بين أشهر الحلويات التونسية التقليدية

التحولات الحديثة في الحلويات التونسية

مع تطور الصناعات الغذائية ودخول نمط الحياة المعاصر، بدأت بعض الوصفات التقليدية تتأقلم مع المتغيرات الحديثة. على سبيل المثال، أصبحت بعض الحلويات تُحضَّر بطرق أسرع، أو تُستخدم فيها أدوات كهربائية لتقليل الوقت والجهد. كما ظهرت نسخ خفيفة أو “دايت” من الحلويات التقليدية، مثل البقلاوة بدون سكر، والمقروض بزيت أقل. ورغم هذا التحديث، لا تزال النسخ التقليدية تحتفظ بمكانتها الرمزية، خاصة في المناطق الداخلية وفي المناسبات الدينية.

الحلويات التونسية كتراث لا مادي

أدرجت بعض الجمعيات الثقافية الحلويات التونسية ضمن التراث الغذائي غير المادي، وسعت إلى توثيق وصفاتها التقليدية من خلال الكتب والمهرجانات وورشات الطبخ. وتُقام مهرجانات سنوية للحلويات مثل مهرجان المقروض في القيروان، ومهرجان كعك الورقة في زغوان، والتي تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث وتعريف الأجيال الجديدة به.

التأثيرات الإقليمية والمحلية

رغم وحدة الهوية التونسية، إلا أن الحلويات تختلف من منطقة لأخرى:

• الشمال يشتهر بالغريبة وكعك الورقة.

• الوسط، خصوصاً القيروان، معروف بالمقروض وكعك العنبر.

• الجنوب يتميز بالحلويات المعتمدة على التمر مثل كعك التمر والمقروض.

• الساحل يقدم البقلاوة والفطائر المحشوة بالفواكه الجافة.

هذا التنوع الجغرافي في وصفات الحلويات يعكس الثراء الثقافي ويُعد جزءاً من الهوية الغذائية للمناطق.

الختام

إن الحلويات التونسية التقليدية ليست مجرد وصفات لذيذة تُحضّر في المناسبات، بل هي جزء حي من الذاكرة الجمعية والتراث الوطني، وتمثل انعكاساً لهوية المجتمع التونسي وتاريخه العريق. فهي تجمع بين البساطة والإبداع، بين الأصالة والتجدد، وتُعد سفيراً للمطبخ التونسي في الداخل والخارج. وفي عصر العولمة، تظل هذه الحلويات عنصراً محورياً في الحفاظ على الهوية وتعزيز الانتماء، بفضل قدرتها على الجمع بين الماضي والحاضر في نكهة واحدة أصيلة.

المراجع:

• المعهد الوطني للتراث، تونس

• كتاب “فن الطبخ التونسي التقليدي”، إصدار دار سراس للنشر