لماذا خلق الله الخير والشر
خلق الله سبحانه وتعالى الكون بكل ما فيه من مظاهر متعددة ومتنوعة، ومنها الخير والشر. وهذا التباين في وجود الخير والشر ليس عبثًا، بل له حكمة بالغة وعميقة في نظام الكون والحياة البشرية. فالخير والشر من أوجه التكوين الإلهي التي أوجدها الله تعالى لتحقيق حكمة جليلة تبرز قدرة الله المطلقة، وتحقق الغاية من خلق الإنسان واختباره في هذه الحياة.
مفهوم الخير والشر في الإسلام
في الفهم الإسلامي، الخير هو كل ما يؤدي إلى رضى الله، ويحقق صلاح الإنسان في دنياه وآخرته، ويتفق مع أوامر الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما الشر فهو كل ما يؤدي إلى فساد النفس، وإلحاق الضرر بالناس، ويخالف أوامر الله، ويجلب العقاب في الدنيا والآخرة.
الخير مرتبط بالفضائل مثل الصدق، والعدل، والإحسان، والتقوى، فيما أن الشر يشمل المعاصي، والظلم، والفساد، والكذب، وغيرها من الأعمال التي تنهى عنها الشريعة الإسلامية.
الحكمة من خلق الخير والشر
إن خلق الخير والشر معًا إنما هو جزء من حكمة الله في ابتلاء الإنسان وامتحانه، كما يقول الله في كتابه العزيز:
{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35).
فالخير والشر هما اختباران يمر بهما الإنسان ليُمتحن في إخلاصه، واتباعه للحق، وصبره على البلاء، وحسن تصرفه في مواجهة المشاكل. هذا الامتحان هو الذي يفرّق بين المؤمنين الصادقين والكافرين أو المنافقين.
توازن الكون بين الخير والشر
الكون قائم على مبدأ التوازن، حيث يتواجد الخير والشر بشكل متوازن لتحقيق حكمة شاملة. وجود الشر لا يعني وجود خلل في الخلق، بل هو شرط لوجود الخير كي يظهر ويتجلى معناه. فبدون الشر، لا يمكن للإنسان أن يدرك قيمة الخير، ولا يختبر معنى الفضيلة.
وقد أشار الفلاسفة والمفسرون إلى أن الشر في ذاته ليس له وجود مستقل كلي، بل هو غياب الخير أو نقص فيه. فالشر من الناحية الفلسفية هو نقص في الكمال، مثل الظلام الذي هو غياب النور.
دور الحرية والإرادة في وجود الخير والشر
أحد الأسباب العميقة في وجود الخير والشر هو ما منح الله الإنسان من حرية الإرادة والاختيار. فالله سبحانه خلق الإنسان حراً في أفعاله، قادرًا على التمييز بين الخير والشر، والاختيار بينهما.
قال تعالى:
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 62).
وهذه الحرية في الاختيار هي التي تجعل من الإنسان مسؤولًا عن أفعاله، ويُجازى عليها يوم القيامة، إما بالثواب أو العقاب. فلو لم يكن هناك شر، لما كانت هناك حاجة للاختيار، ولا معنى للحرية، ولا مجال للعدل الإلهي في الجزاء.
الشر ابتلاء ورفع درجات
الشر الذي يصيب الإنسان هو في الغالب ابتلاء من الله تعالى، به يُختبر الإنسان، ويرتفع في درجاته، ويتقوى إيمانه وصبره. قال تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155).
كما أن الشر يدفع الإنسان إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، وهذا بدوره خير عظيم، لأن الإنسان حين يذنب ويتوب يكون في مقام أقرب إلى الله.
وجود الشر كجزء من حكمة الابتلاء الكوني
في نظرة أوسع، وجود الشر على مستوى الكون يعبر عن التحديات والصراعات الطبيعية والإنسانية التي تسمح بتطور العقل والفكر والأخلاق. فمثلاً وجود الألم والمرض والمصائب كلها تخلق بيئة يتم فيها اختبار الصبر والتضحية والرحمة.
والكون ككل قائم على سنن الله التي تجمع بين التوازن، والتغير، والصراع بين القوى المختلفة، وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى استقرار النظام الكوني الذي يسير وفق حكمة الله.
أثر الخير والشر في تكوين الشخصية الإنسانية
وجود الخير والشر يساهمان في صقل شخصية الإنسان، فهو يمر بمرحلة تعلم واكتساب خبرات عملية وأخلاقية. فالإنسان الذي يختبر الشر، سواء داخلياً من خلال نزعاته أو خارجياً من خلال البيئة المحيطة به، يكون أمام فرصة لإثبات قوته النفسية، ولتطوير قيمه ومبادئه.
فالخير يولد الشعور بالراحة والطمأنينة، ويعزز الروح الإنسانية، أما الشر فيعمل كعامل محفز نحو التجديد والتحسين، خصوصاً إذا استجاب الإنسان له بالحكمة والتوبة والعمل الصالح.
دور الأنبياء والرسل في توجيه الإنسان بين الخير والشر
بعث الله الأنبياء والرسل لتعليم البشر الفرق بين الخير والشر، ولينيروا لهم الطريق نحو الخير. جاءت الرسالات السماوية لتحدد معالم الخير، وتنهى عن الشر، وتحث على اتباع الفضائل والتمسك بالأخلاق الحسنة.
وبهذه الرسائل، يُمنح الإنسان الأدوات والمعايير التي يستطيع من خلالها تمييز الخير من الشر، ويستطيع اتخاذ القرارات السليمة التي تقوده إلى السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
الجدول التالي يوضح الفرق بين الخير والشر من منظور إسلامي
| الجانب | الخير | الشر |
|---|---|---|
| التعريف | ما يرضي الله ويحقق صلاح الإنسان | ما يغضب الله ويؤدي إلى فساد الإنسان |
| الأمثلة | الصدق، العدل، الرحمة، الصبر | الكذب، الظلم، العدوان، الفساد |
| النتيجة | راحة النفس، السعادة، رضا الله | تعاسة، عقاب، فساد العلاقات |
| العلاقة بالإنسان | يرفع درجات الإنسان ويقربه من الله | يضعف الإنسان ويبعده عن الله |
| الهدف | تحقيق الخير في الدنيا والآخرة | اختبار الإنسان وابتلاؤه |
العلاقة بين الخير والشر في الفلسفة الإسلامية
الفلاسفة المسلمون مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد ناقشوا موضوع الخير والشر بشكل فلسفي عميق. فهم رأوا أن الخير هو أصل الوجود، والشر هو عدم أو نقص في الخير. وهذا يعني أن الشر ليس كيانًا مستقلاً بذاته، بل هو نتيجة لغياب الخير أو نقصه.
كما اعتبروا أن الله خلق الخير مطلقاً، وأن الشر جاء كجزء من النظام الذي يسمح بالاختيار والحرية، حتى يظهر الخير الحقيقي بجهود الإنسان.
الخلاصة في رؤية شمولية
خلق الله الخير والشر جزء من النظام الكوني الذي يحكمه القانون الإلهي بالحكمة والعدل، وهذا النظام يهدف إلى تحقيق الغاية الأسمى من خلق الإنسان: وهي عبادة الله وحده، وتحقيق الكمال الروحي والأخلاقي، والنجاة في الآخرة.
الخير والشر يختبران الإنسان ويصقلان شخصيته، ويرسمان له الطريق إلى السعادة الأبدية أو الشقاء الدائم. ومن خلالهما يظهر فضل الله ورحمته في الهداية والعدل، ويظهر جمال الدين الإسلامي الذي جمع بين التوازن والرحمة والحكمة في كل جانب من جوانب الحياة.
المراجع:
-
القرآن الكريم
-
تفسير الطبري، جلال الدين السيوطي، ومصادر التفسير الإسلامية المعاصرة
