حكم وأقوال عن اللسان

أقوال وحكم عن اللسان: قوة الكلمة بين الفائدة والضرر

اللسان هو الأداة التي يمتلكها الإنسان ليعبّر عن أفكاره وأحاسيسه. هو مصدر الفعل والكلام، وقد يرفع صاحب الكلمة إلى أعلى مراتب الجمال والحكمة، أو ينحدر به إلى دركات الأسى والندم. لا تقتصر أهمية اللسان على كونه وسيلة للتواصل فقط، بل يمتد تأثيره إلى أبعاد نفسية واجتماعية ودينية، حيث يملك قدرة هائلة على بناء أو هدم العلاقات، وإيصال الرسائل المؤثرة. ومن هنا جاءت الكثير من الأقوال والحكم التي تناولت اللسان، مبرزًة تلك القوة المزدوجة، ومدفوعة في كثير من الأحيان إلى الانضباط والاتزان في استخدامه.

1. اللسان بين البراءة والضرر

اللسان هو العضو الذي يمكن أن يكون سببًا في الفتن والآلام، كما يمكن أن يكون مصدرًا للراحة والطمأنينة. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «إن من أعظم الجهاد جهاد اللسان»، ما يشير إلى أهمية التحكم بالكلمة في الإسلام. ومن الأمثلة المشهورة في هذا الصدد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»، في دلالة على قوة اللسان وتأثيره العميق في تحديد مصير الإنسان.

اللسان قد يكون سلاحًا ذا حدين؛ فبكلمة واحدة قد تفتح أبواب الخير وتساهم في رفع المعنويات، وفي المقابل قد تُستخدم نفس الكلمة لإحداث جرح عميق في القلب، وتهدم العلاقات وتسبب الأذى النفسي. وفي هذا الإطار يبرز قول الفيلسوف اليوناني سقراط: “الكلمات هي أدوات قوية، استخدمها بحذر.” هذه الحكمة تجسد كيف يمكن لكلمة صغيرة أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الحياة.

2. اللسان في مرآة الفلاسفة

أغلب الفلاسفة العظام أدركوا أهمية اللسان وضرورة التحكم فيه. يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “الكلمات تخلق الواقع، فإذا كنت تتحدث عن الأشياء السلبية باستمرار، ستجذب السلبيات إلى حياتك.” في هذا التصور، لا يُنظر إلى الكلمة كوسيلة للتواصل فقط، بل كعنصر فاعل في تشكيل واقعنا. وفي نفس السياق، نجد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت الذي أكد على أهمية التفكير قبل الكلام، حيث قال: “أفضل أن أكون صامتًا مما أقول شيئًا خاطئًا.”

من بين الحكم التي تطرقت إلى اللسان أيضًا، ما قاله الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون: “الكلمات كالسهام، كلما أسرعت في إطلاقها، كلما كان خطرها أكبر.” قد تكون هذه المقولة تحذيرًا من التسرع في الكلام دون تفكير مسبق في العواقب.

3. اللسان في الحكمة الإسلامية

في الإسلام، يعد اللسان من أهم الأعضاء التي يجب على الإنسان أن يراقبها ويهذبها. ويظهر ذلك جليًا في العديد من الأحاديث التي تحث على ضبط اللسان، من بينها الحديث الشريف: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.” وهذا الحديث يعكس فكرة جوهرية مفادها أن الإنسان يجب أن يتجنب الكلام الذي يضر ولا ينفع.

يعتبر التحدث بالحكمة والموعظة الحسنة من أبرز أشكال استخدام اللسان في الإسلام، كما في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. ويبرز هنا دور اللسان في نشر الخير والتوجيه إلى الصواب.

ومن أشهر الأقوال الإسلامية التي تتعلق باللسان، ما قاله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك.” هذه الحكمة تركز على أهمية الحفاظ على اللسان والاعتناء به، ففيه يكمن قوة كبيرة يمكن أن تكون لصالح الإنسان أو ضده.

4. اللسان والآداب الاجتماعية

في الحياة اليومية، يتعين على الشخص أن يلتزم بآداب معينة في استخدام لسانه كي يحظى باحترام الآخرين. يقول الفيلسوف العربي أبو حامد الغزالي: “من صمت نجا، ومن تكلم هلك.” هذه المقولة تعكس ما يعانيه الكثيرون من آثار الكلام الزائد أو غير المدروس، من خلال تعزيز فكرة أن السكوت أحيانًا يكون أفضل من الكلام.

وفي المواقف الاجتماعية، تُعد الكلمات المناسبة والقادرة على خلق بيئة من التعاون والفهم المتبادل سمة من سمات الشخص الحكيم. فالكلام في مثل هذه المواقف لا ينبغي أن يكون هدفه التفوق على الآخرين، بل التواصل البناء معهم. ولعل ذلك هو ما يُشير إليه الشاعر العربي معروف الرصافي بقوله: “الكلمة الطيبة صدقة.”

5. اللسان في عصر التواصل الرقمي

في العصر الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة جديدة للتعبير عن الآراء والمشاعر باستخدام اللسان، وفيها يبرز التحدي الأكبر. فقد أضحى الحديث على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى، ومن هنا تتجلى ضرورة التفكير مليًا قبل كتابة أي تعليق أو منشور. في هذا الصدد، يقول الكاتب الأمريكي مارك توين: “إن الكلمة هي الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تلتقطه ولا يمكنك أن تعيده.”

أدى التوسع في وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعزيز فكرة أن اللسان يمكن أن يكون سلاحًا لتدمير الحياة الشخصية، كما يمكن أن يكون أداة للارتقاء بالمجتمع. فالأشخاص الذين يوجهون كلماتهم بعناية، ويمارسون الحكمة في تعبيراتهم، يكون لهم تأثير إيجابي، بينما من يتسرعون في نشر الكلمات المسيئة قد يتسببون في مشاكل ضخمة قد يصعب إصلاحها.

6. اللسان والمجتمع

تلعب الكلمات دورًا كبيرًا في تشكيل الثقافة المجتمعية، ففي المجتمعات التي تحترم الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، يكون اللسان وسيلة للوحدة والسلام. بينما في المجتمعات التي تروج للكلام الجارح والفتن، قد يؤدي اللسان إلى تدمير العلاقات وخلق الانقسامات.

في هذا السياق، قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين: “من لا يتحكم في لسانه، لا يستطيع أن يتحكم في حياته.” هذه المقولة تعكس أن التحكم في اللسان ليس مجرد مسألة شخصية، بل له تأثيرات واسعة النطاق على الحياة الاجتماعية والإنسانية بشكل عام.

7. اللسان في ضوء علم النفس

علم النفس الحديث يعترف بأهمية اللسان في تشكيل الواقع الداخلي والخارجي للإنسان. يمكن للكلمة أن تكون مصدرًا للقوة الداخلية، كما يمكن أن تكون دافعًا للخوف والقلق. وتُظهر الدراسات النفسية كيف أن الحديث الإيجابي مع الذات يساعد في بناء صورة ذاتية قوية، بينما قد تؤدي الكلمات السلبية إلى تدمير هذه الصورة.

يعتبر علماء النفس أن “الكلمات التي نقولها لأنفسنا هي التي تحدد مشاعرنا وأفعالنا”. ولذلك، يشدد الخبراء في هذا المجال على ضرورة تغيير الأنماط السلبية من التفكير والتحدث، وتحويلها إلى كلمات تعزز الثقة بالنفس والقدرة على التأثير الإيجابي في الآخرين.

الختام

إن اللسان، بما له من قدرة على التأثير، يتطلب مراقبة وحذرًا دائمين. قد يكون اللسان مصدرًا للخير والنفع، وقد يكون سببًا في الشر والضرر. وبناءً على ذلك، يجب أن ندرك أن الكلمة لا تقتصر على كونها مجرد صوت صادر عن الفم، بل هي أداة فاعلة في تشكيل واقعنا الشخصي والاجتماعي. وكلما تعلمنا كيف نتحكم في لساننا، واستخدامه بحكمة، كانت حياتنا أكثر استقرارًا ونجاحًا.