حكم وأقوال عن الدنيا

عنوان المقال: أقوال مأثورة عن الدنيا

تُعدّ الدنيا من أكثر المواضيع التي استوقفت العقول والحكماء على مرّ العصور، إذ لم تخلُ كتب التراث والفكر من تأملات وعبارات جسدت العلاقة المعقدة بين الإنسان والحياة، بين الوجود والتقلبات التي تفرضها الأيام. فهي ساحة للابتلاء، وميدان للعمل، وممرّ للآخرة، كما أنها مصدر للفرح والحزن، والغنى والفقر، والانتصار والانكسار. وعليه، فقد أُشبعت الدنيا بالوصف في أقوال الحكماء، الفلاسفة، الشعراء، والأنبياء، الذين تكلموا عنها بعيون متأملة في حقيقتها الزائلة، وجوهرها العابر.

الدنيا بين المتغير والثابت

يصف الكثيرون الدنيا بأنها دار متغيرة، لا تستقر على حال، وهذا التقلّب المستمر هو ما يجعلها محورًا للتأمل والحذر في أقوال الأوائل. فقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “الدنيا دارُ ممرّ لا دارُ مقرّ، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجلٌ ابتاع نفسه فأعتقها.” هذا القول يعكس الوعي التام بطبيعة الدنيا كمرحلة انتقالية لا ينبغي الركون إليها، بل يُفترض أن تُستثمر لبلوغ غاية أسمى.

وفي ذات السياق، قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يومٌ ذهب بعضك.” وهي عبارة تلخّص مأساة الزمن، وتؤكد أن الأيام التي تمر لا تعود، وأن الوعي بقيمة الوقت هو وعي بقيمة الحياة كلها.

أقوال نثرية عن الدنيا

جاءت كثير من الأقوال لتُجسّد الدنيا كمعركة من التوازن بين الرغبة والزهد، وبين الاستمتاع والحذر:

• “الدنيا كالحلم، واليقظة بعدها الموت.” وهي عبارة تكرّرت بصيغ مختلفة في كتب الزهد والتصوف، تعبيرًا عن أن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها، فهي أقصر من أن تُقارن بالخلود.

• “من جعل الدنيا أكبر همه، شتّت الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له.” – مأثور عن النبي محمد ﷺ، يعكس فلسفة التوازن بين الطموح والتوكل.

• “الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.” – مقولة اختزلت جوهر الحكمة الدينية في التعامل مع قصر المدة، وتركيز الجهد فيما ينفع.

أقوال الفلاسفة عن الدنيا

على مر العصور، نظر الفلاسفة إلى الدنيا بعيون ناقدة وراصدة. فرأوا فيها موضوعًا مركزيًا للتفكر في معنى الوجود، وقيمة الإنسان، ومآلات الحياة:

• أفلاطون كان يرى أن الدنيا مجرد ظل للعالم المثالي، وأن الحقائق الحقيقية لا توجد في هذا العالم المحسوس بل في عالم المثل.

• أرسطو نظر إلى الدنيا بوصفها مجالًا لفعل الفضيلة وتحقيق الكمال البشري، وقال: “سعادة الإنسان تكمن في تحقيق الفضيلة، وهي لا تتحقق إلا في الحياة العامة والدنيا.”

• سقراط ركّز على ضرورة التأمل في النفس، وقال: “الحياة التي لا يُراجع فيها الإنسان نفسه لا تستحق أن تُعاش.”، وهي مقولة تدعو إلى جعل الحياة الدنيا وسيلة للارتقاء بالنفس، وليس للغرق في الشهوات.

• جان جاك روسو قال: “الطبيعة لم تخلق الإنسان عبدًا، ولكن الإنسان هو من استعبد نفسه في الدنيا.”، مما يُبرز الطابع الاجتماعي والاقتصادي للحياة الدنيا كمصدر للقيود والاستغلال حين تغيب القيم.

أقوال السلف عن الدنيا

أولى السلف الصالح اهتمامًا كبيرًا بالدنيا باعتبارها دار ابتلاء. فجاءت أقوالهم حافلة بالموعظة والوعظ، محذّرين من الانشغال بها عن الآخرة:

• ابن القيم الجوزية قال: “الدنيا كامرأة بَغِيّ لا تثبت مع زوج، إنما تخطب الأزواج، فكن من أزهد الناس فيها تكن من أعز الناس عليها.”

• سفيان الثوري قال: “الزهد في الدنيا هو قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباءة.”

• عبد الله بن مسعود قال: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.”

أقوال في الشعر عن الدنيا

الشعراء لم يتركوا بابًا من أبواب الحديث عن الدنيا إلا وطرقوه، فبين من مدحها، ومن ذمّها، ومن بكى عليها، ومن ضحك على تقلباتها. نذكر من أبرز ما قيل:

• قال الإمام الشافعي:

تموت الأسد في الغابات جوعًا

ولحم الضأن تأكله الكلابُ

وعبدٌ قد ينام على حريرٍ

وذو نسبٍ مفارشه الترابُ

هذه الأبيات تلخّص ظلم الحياة وتناقضها بين من يستحق ومن لا يستحق، وهو ملمح شائع في وصف الدنيا وتقلباتها.

• قال المتنبي:

إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ

فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ

رغم ما في الدنيا من آلام، إلا أن المتنبي يرى أنها ميدان للارتقاء والمجد، شرط أن يكون السعي نبيلًا.

أقوال غربية مترجمة عن الدنيا

في الفكر الغربي كذلك، صدرت تأملات غنية عن طبيعة الحياة الدنيا:

• قال ويليام شكسبير: “العالم كله مسرح، والناس جميعًا ما هم إلا لاعبون.”، في إشارة إلى أن الحياة تمثيلية كبرى، تتبدّل أدوارها ومساراتها.

• قال ستيفن هوكينغ: “علينا أن نتذكر أن الحياة لا تستحق أن نضيعها في الكراهية أو الندم، فالدنيا أقصر من ذلك.”

• وقال ألبرت أينشتاين: “ليست الدنيا مكانًا للراحة، بل ساحة للعلم والعمل.”

الدنيا في القرآن الكريم

القرآن الكريم جاء بمئات الآيات التي تصف الدنيا، وتُبين حقيقتها، نورد منها:

• ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ [آل عمران: 185]، وهي من أشهر الآيات التي تصف الدنيا بأنها زائلة ومخادعة.

• ﴿إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد﴾ [الحديد: 20]، وقد جاءت هذه الآية لتعكس الجانب الزائل من الدنيا حين يغيب عنها البُعد الأخروي.

• ﴿اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم﴾ [الحديد: 20]، جاءت لتضع الحياة في حجمها الحقيقي.

تأملات في أقوال الدنيا: بين الزهد والتوازن

ليس الغرض من ذم الدنيا الحثّ على تركها مطلقًا، بل المقصود التحذير من التعلّق بها ونسيان الغاية منها. فالدنيا وُجدت لتكون طريقًا للآخرة، ومجالًا للعمل، وليست مستقرًا نهائيًا. ولذلك، نُقل عن النبي محمد ﷺ أنه قال: “كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.” – وهو المبدأ الذي تبنّاه الزهّاد والمصلحون على مر التاريخ.

لكن من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أن الدنيا هي مجال للنجاح والبناء والإعمار، وقد قال تعالى: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾ [هود: 61]، أي طلب منكم إعمارها، وهي دعوة للعمل والتفوق دون انشغال بالمظاهر أو الغرور.

جدول يوضح تباين الرؤى حول الدنيا

خاتمة تحليلية

لقد تضافرت الرؤى الفكرية والدينية والفلسفية في رسم صورة متكاملة للدنيا، تؤكد على طابعها المؤقت والمتغيّر، وتحثّ الإنسان على إدراك موقعه فيها. فليست الدنيا شرًّا مطلقًا، لكنها إن لم تُضبط بالبصيرة، قد تكون مصدرًا للضياع والانغماس في الزائف. أما من وعى حقيقتها، وتعامل معها كوسيلة لا غاية، فقد استقام له الطريق بين التوازن الروحي والعمل الدنيوي، بين الاستمتاع المشروع والزهد الحكيم.

المراجع:

• القرآن الكريم

• “مدارج السالكين” لابن القيم