حكم نشر الفتنة بين المسلمين

تعتبر الفتنة من أعظم المحرمات التي حذر منها الإسلام بشدة، لما لها من آثار مدمرة على وحدة المسلمين وتماسك أمتهم. وهي سبب في تفكك المجتمع المسلم وزعزعة استقراره، وسبب في وقوع العديد من المآسي والخلافات التي لا تنتهي. في هذا المقال سنعرض بحوثاً مستفيضة حول حكم نشر الفتنة بين المسلمين، مبينين معناها، أسبابها، آثارها، موقف الشريعة منها، وأهمية الوحدة والتمسك بأواصر المحبة والأخوة الإسلامية.

مفهوم الفتنة في الإسلام

الفتنة في اللغة تعني الابتلاء والامتحان، لكنها في الاصطلاح الشرعي تتوسع لتشمل كل ما يسبب اضطرابًا في وحدة المسلمين ويؤدي إلى النزاع، الشقاق، والفرقة بينهم. قال تعالى في كتابه الكريم:

﴿وَاحْذَرْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25].

وفي الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها.” (رواه أحمد والترمذي).

وهذا يدل على مدى خطورة الفتنة في إحداث الفساد في الأرض، وانتشار الظلم، وتحطيم الروابط الاجتماعية.

حكم نشر الفتنة في الشريعة الإسلامية

نشر الفتنة بين المسلمين هو من الكبائر التي حذر الله ورسوله منها، لما فيها من تقسيم المجتمع الإسلامي إلى فرق متناحرة، وهذا يخالف قاعدة الإسلام الكبرى التي تدعو إلى وحدة المسلمين والتآخي بينهم. في الإسلام، أمر بالاجتماع على كلمة سواء، ونهى عن التفرق والاختلاف الذي يؤدي إلى النزاعات والاقتتال.

يقول الله تعالى:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التفرق والاختلاف، فقال:

“إياكم ومُحَقِّرَاتِ الذنوبِ، فإنَّ القَطرَةَ القطرةَ تُنْفِقُ الجَبَلَ.” (رواه الترمذي).

ونشر الفتنة يؤدي إلى نزاعات قد توصل إلى القتل والاقتتال، وهو من الكبائر التي توجب غضب الله والعقاب الشديد.

الأسباب التي تؤدي إلى نشر الفتنة

هناك عدة أسباب تؤدي إلى ظهور ونشر الفتنة بين المسلمين، منها:

1. الجهل بالدين: ضعف الفهم الشرعي يجعل الإنسان عرضة للاستدلال الخاطئ، مما يؤدي إلى الخلافات والفتن.

2. الهوى الشخصي: التمسك بالرأي بغض النظر عن الحق، والسعي وراء المصالح الشخصية أو الجماعية على حساب وحدة الأمة.

3. التعصب القبلي أو الطائفي: ولاء الإنسان لفريقه على حساب الحق، مما يولد النزاعات والفرقة.

4. الغيرة والحسد: أحيانًا يسبب الحسد نزاعات بين المسلمين ونشر الفتنة بينهم.

5. التدخل الأجنبي: استغلال بعض القوى الخارجية الخلافات لإشعال الفتن بين المسلمين بهدف إضعافهم.

آثار الفتنة على المجتمع الإسلامي

الفتنة تنشر الفساد بين الناس، وتؤدي إلى نتائج كارثية على كل المستويات، منها:

• تدمير وحدة المسلمين: يؤدي الانقسام والاختلاف إلى ضعف المسلمين أمام أعدائهم.

• إراقة الدماء: غالبًا ما تتسبب الفتن في حروب أهلية ودموية بين المسلمين، كما حدث في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي.

• هدم القيم الأخلاقية والاجتماعية: حيث ينتشر الكذب والخيانة والظلم في ظل الفتنة.

• ضعف القوة الاقتصادية والسياسية: فالمجتمعات المنقسمة تعاني من ضعف في التنمية والتقدم.

• إضعاف الدين الإسلامي: لأن الفتنة تشوه صورة الإسلام وتعطي انطباعًا سلبيًا عنه في أعين الآخرين.

الموقف الشرعي من الداعي للفتنة

من يقوم بنشر الفتنة أو التحريض عليها، يكون قد وقع في محظور شرعي خطير. إذ أن الدعوة إلى الفتنة من أكبر الكبائر التي تؤدي بصاحبها إلى غضب الله. وقد وصف الله تعالى هؤلاء بأنهم من أشد الناس عداوة للمؤمنين. قال تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُنَافِقُونَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: 145].

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.” (متفق عليه).

ونشر الفتنة يُعد من الأمور التي تخرج الإنسان من ملة الإسلام إذا شملت التحريض على القتال والقتال في سبيل الهوى.

الطرق الشرعية لمنع انتشار الفتنة

• التثقيف الديني الصحيح: رفع مستوى الوعي الشرعي بين المسلمين عبر التعليم والوعظ.

• التزام الوسطية والاعتدال: تجنب التطرف والغلو في الرأي أو الفكر.

• الحرص على وحدة الصف: تفعيل روح المحبة والتسامح والتعاون بين أفراد المجتمع.

• الاعتصام بحبل الله: التشبث بالقرآن والسنة وعدم الانجرار وراء الفتن.

• إشاعة ثقافة الحوار البناء: معالجة الخلافات بالحكمة والموعظة الحسنة.

دور العلماء والقادة في مواجهة الفتنة

يقع على عاتق العلماء والقادة المسلمون مسؤولية كبرى في التصدي لنشر الفتنة، وذلك عبر توجيه الأمة إلى الحق، وتوحيد الكلمة، والفتوى بما يحفظ وحدة المسلمين. كما يجب عليهم تحكيم العقل والنظر بموضوعية في القضايا المختلفة، وعدم الانحياز إلى العواطف أو المصالح الضيقة.

أمثلة من التاريخ الإسلامي في الفتنة

شهد التاريخ الإسلامي العديد من الفتن التي أثرت على الأمة، منها فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، وفتنة الخوارج، وغيرها من الأحداث التي عكست مدى خطورة الفتنة على المجتمع. وفي كل مرة كانت الدعوة إلى الوحدة والرجوع إلى القرآن والسنة هي الحل الناجع.

أهمية الوحدة في الإسلام

الإسلام دين الوحدة والتآلف، فالأمة الإسلامية جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.” (متفق عليه).

والوحدة تعزز القوة، وتزيد من فرص النجاح في كل المجالات، وتعطي الأمة مكانة عظيمة بين الأمم.

جدول يوضح مقارنة بين الفتنة والوحدة في الإسلام

خاتمة

يُعد نشر الفتنة بين المسلمين من أبشع الجرائم التي تهدد وحدة الأمة وتفقدها أمنها واستقرارها، وهو أمر مذموم بشدة في الإسلام سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. يدعو الإسلام إلى التمسك بالحق والعدل، والحذر من كل ما يسبب الفرقة والشتات، لأنه لا خير في فرقة تضعف الأمة وتضعف دينها. الحفاظ على وحدة المسلمين هو من أعظم مقاصد الشريعة، ويتطلب من الجميع وعيًا ومسؤولية للحفاظ على هذا التماسك، والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة والفرقة.

المراجع:

1. تفسير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،

2. صحيح البخاري ومسلم، كتب الحديث الشريف.