حكم الصيام في السفر

شرح حديث “ليس من البر الصيام في السفر”

حديث “ليس من البر الصيام في السفر” هو حديث نبوي شريف ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعلق بمسألة الصيام في السفر. جاء هذا الحديث في سياق توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بشأن كيفية التعامل مع بعض الشعائر الإسلامية في حالات معينة، مثل السفر، حيث قد تنشأ مشقة أو تعب قد تؤثر على صحة الإنسان أو قدرته على أداء عباداته.

هذا الحديث يعكس مرونة الإسلام وسعيه لتخفيف المشقة عن المؤمنين، ويؤكد على أهمية مراعاة الظروف الفردية والواقعية في تطبيق الشعائر الدينية. من خلال هذا الحديث، يظهر الإسلام كدين يُعنى برفاهية الإنسان ويحاول توفير الراحة له في مواقف قد تتطلب تيسيرًا.

في هذا المقال، سنتناول شرح الحديث في عدة جوانب، بدءًا من شرحه اللغوي والنحوي، ثم نتناول دلالاته الفقهية، وأثره في الفقه الإسلامي، وأسباب تضعيف أو إبطال الصيام أثناء السفر، بالإضافة إلى تقديم أمثلة من السنة النبوية والواقع لتوضيح كيف يمكن تطبيق هذا الحديث بشكل عملي في حياة المسلمين اليومية.

1. شرح الحديث لغة واصطلاحًا

الحديث الشريف: “ليس من البر الصيام في السفر” هو حديث نبوي صحيح، ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار إلى أن الصيام في السفر ليس من الأعمال البرّية التي يثاب عليها الإنسان، بل على العكس قد تكون مشقة قد تضر بالصائم في سفره.

• البر: كلمة “البر” في اللغة العربية تحمل معاني عديدة، منها الطاعة والخير والإحسان. في سياق الحديث، تعني البر التزام الإنسان بما هو صحيح ومناسب من عبادات وأعمال، وتجنب ما قد يكون فيه مشقة أو ضرر عليه.

• الصيام في السفر: يشير الحديث إلى الامتناع عن الطعام والشراب في حالة السفر. وقد كان بعض الصحابة يظنون أن الصيام في السفر من الأمور التي تدل على قوة الإيمان، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن المشقة التي قد يواجهها الصائم في السفر تجعله غير مطلوب في هذه الظروف.

2. التفسير الفقهي للحديث

في تفسير هذا الحديث، نجد أن الفقهاء قد اجتهدوا في فهم المراد منه وتطبيقه في الواقع الحياتي للمسلمين. الشرح الفقهي لهذا الحديث يتناول عدة نقاط أساسية:

• التيسير على المسلم: يدل الحديث على أن الإسلام يراعي ظروف المسلمين في أداء عباداتهم، فلا يُحملهم ما لا طاقة لهم به. فالصيام في السفر قد يكون مرهقًا للصائم ويؤثر على صحته أو قدرته على استكمال سفره.

• السفر ومرحلته: السفر في الإسلام له أحكام خاصة، ومنها رخصة الإفطار في رمضان لمن كان مسافرًا، لأن السفر يُعد من المشقات التي قد تعيق المسلم عن إتمام صيامه بشكل صحيح.

• البر ليس الصيام في السفر: هذا الجزء من الحديث يشير إلى أن البر ليس في مجرد إتمام الصيام، بل في مراعاة الظروف التي قد تضر بالشخص. فبدلًا من الإصرار على الصيام في السفر، يجب على المسلم أن يحرص على الالتزام بما هو أفضل له في هذه الحالة، مثل الإفطار والقيام بالأعمال الصالحة الأخرى.

3. أسباب تخفيف الشريعة للصيام في السفر

هناك عدة أسباب جعلت الشريعة الإسلامية تتسامح مع المسافر وتخفف عنه عبء الصيام، ومنها:

• المشقة: السفر في العصور السابقة كان يتسم بالشدّة والمشقة، سواء كان بالجو أو البحر أو البر. السفر لم يكن كما هو اليوم، حيث تتوفر وسائل النقل الحديثة التي تسهل التنقل، بل كان رحلة شاقة قد تمتد لأيام أو أسابيع. ولهذا، كان الفقهاء يصرحون بأن الصيام في مثل هذه الرحلات قد يكون عبئًا على الشخص.

• الحاجة للطاقة: أثناء السفر، قد يحتاج الشخص إلى الطاقة والقدرة على التحمل. فالصيام يقلل من قدرة الفرد على أداء الأنشطة البدنية ويضعف من طاقته، وهو ما يتنافى مع الحاجة إلى الطاقة أثناء السفر.

• النقل عن الصحابة: نجد في سير الصحابة والتابعين العديد من الأمثلة التي تبين أنهم كانوا يتركون الصيام أثناء السفر ويحرصون على الإفطار دون تردد. وهذا يعكس فقه الشريعة ورغبتها في التخفيف على المسلمين.

4. الفرق بين الصيام في السفر والصيام في الإقامة

يختلف الصيام في السفر عن الصيام في الإقامة في عدة جوانب مهمة، وهذا التمايز يعكس طبيعة التيسير التي يوفرها الإسلام في الحالات المختلفة. أبرز هذه الفروق:

• المشقة: كما ذكرنا، أن السفر يتسبب في مشقة قد تؤثر على القدرة على الصيام، بينما في حالة الإقامة في المنزل أو المكان المعتاد، لا يوجد هذا النوع من التعب الجسدي الذي قد يعيق الشخص.

• النصوص الدينية: هناك نصوص صريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية تُجيز الإفطار في السفر، مثل قوله تعالى في القرآن: “وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة: 184) في إشارة إلى أن الصيام في السفر ليس مفروضًا.

• الإفطار عند الضرورة: في حالة السفر، قد يتم تحديد الوقت أو المسافة التي يجوز فيها الإفطار. في السابق كان السفر يعني صعوبة في توفير الطعام والشراب، وفي مثل هذه الحالات كان من الضروري أن يفطر المسلم لتفادي الأضرار الصحية.

5. هل يعارض الحديث مفهوم الطاعة في الصيام؟

قد يظن البعض أن الحديث يتعارض مع مبدأ الطاعة والإصرار على أداء العبادة مهما كانت الظروف، ولكن في الحقيقة، يوضح الحديث أن الطاعة الحقيقية هي في اتباع ما هو الأفضل للصحة والمصلحة العامة للفرد. الله تعالى يريد الخير للإنسان، فلا يُريد له أن يُرهق نفسه بما قد يضر به. وهذا يتماشى مع مفهوم الرحمة في الشريعة الإسلامية، حيث أن الشريعة جاءت لتخفيف المشقة عن الإنسان.

6. أمثلة من حياة الصحابة والتابعين

في السيرة النبوية وسير الصحابة، نجد أن بعض الصحابة قد أفطروا في السفر، ولم يعتبروا ذلك منقصة لهم. على سبيل المثال، نجد أن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يفطر في السفر دون أي تردد أو قلق. وقد نقل العديد من الصحابة هذا الفقه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

7. التطبيقات العملية للحديث في العصر الحديث

في العصر الحديث، مع تطور وسائل النقل وتيسير السفر، يظل الحديث ذا قيمة كبيرة في تذكير المسلمين بعدم التعسف في العبادة. حيث يمكن للمسافر اليوم أن يتخذ قرارًا بأن يواصل صيامه إذا كانت الظروف تسمح بذلك، ولكن في حالات السفر التي قد تتطلب مشقة، يظل هذا الحديث إشارة إلى ضرورة التيسير.

كما أن بعض الحالات التي قد يتطلب فيها السفر عملًا شاقًا أو الظروف الجوية الصعبة تجعل من الصيام غير عملي أو مضر بالصحة. في هذه الحالات، يستطيع المسلم أن يُفطر ويعوض الصيام في وقت لاحق.

8. خاتمة

في الختام، نرى أن الحديث الشريف “ليس من البر الصيام في السفر” يعكس عناية الإسلام بظروف المسلمين، ويؤكد على ضرورة أن يكون أداء العبادات مرتبطًا بالحالة الصحية والظروف الفردية. الصيام في السفر ليس عبادة مفروضة ولا يعتبر من البر إذا تسببت في مشقة أو ضرر، ما يتيح للمسلمين حرية اتخاذ القرار المناسب في مثل هذه الحالات.