معنى الرشوة لغة وشرعاً

تُعد الرشوة من الظواهر الاجتماعية والأخلاقية الخطيرة التي تُهدد استقرار المجتمعات وتُقوض دعائم العدالة والمساواة، وهي من الآفات التي حاربتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على مر العصور. وقد اهتم العلماء والمفكرون بدراسة الرشوة من جوانبها المتعددة، سواء من حيث مفهومها اللغوي والشرعي، أو من حيث آثارها وأحكامها وعقوباتها، لما لها من تأثير عميق على النسيج الاجتماعي والنظام القانوني والاقتصادي للدول.

أولاً: معنى الرشوة لغةً

الرشوة في أصل اللغة مأخوذة من الفعل “رَشَا”، وهو ما يُعطى لتيسير أمرٍ ما أو لتجاوز قاعدةٍ أو نظامٍ أو لطمس الحق أو الوصول إلى باطل. وتدل الكلمة على معنى الإعطاء أو الإهداء لتحقيق مصلحةٍ غير مشروعة. وقد ورد في المعاجم العربية مثل “لسان العرب” لابن منظور أن:

“الرشوة ما يعطيه الإنسان للحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد.”

وفي “القاموس المحيط” للفيروزآبادي، جاء تعريف الرشوة بأنها:

“ما يعطى للحاكم ليحكم له، أو ليفعل له ما يريد.”

إذن فالرشوة في اللغة تدل على نوع من المعاملة القائمة على الدفع الخفي والمصلحي، وغالباً ما تكون مرتبطة بكتمان الحقيقة أو التلاعب بها لتحقيق مكاسب غير مستحقة.

ثانياً: معنى الرشوة شرعاً

في الفقه الإسلامي، تُعرف الرشوة بأنها:

ما يُعطى لإبطال حقٍ أو إحقاق باطلٍ.

وهي من المحرمات الكبرى التي ورد النهي عنها في النصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، لما فيها من فساد في الدين والدنيا، وتضيييع للحقوق، وتبديلٍ للعدل بالهوى، وتفريقٍ بين الناس في الحقوق والواجبات.

وقد صنف العلماء الرشوة ضمن الكبائر، واعتبروها من صور أكل المال بالباطل، حيث قال الله تعالى في محكم كتابه:

﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون﴾ [البقرة: 188].

وهذا النص صريح في تحريم الرشوة، لا سيما حينما تكون وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، عن طريق استخدام نفوذ الحاكم أو القاضي أو المسؤول.

أقسام الرشوة في الشريعة الإسلامية:

يقسم العلماء الرشوة إلى ثلاثة أنواع رئيسية، تختلف في الحكم الشرعي باختلاف المقاصد والأطراف:

1. رشوة الراشي والمرتشي (الحاكم): وهي أن يُعطي شخص مالاً أو هديةً لحاكمٍ أو قاضٍ ليحكم له بغير الحق، أو ليتغاضى عن أمرٍ معين. وهذه أشد أنواع الرشوة حرمةً، وقد ورد فيها حديث صريح عن النبي ﷺ حيث قال:

   “لعن الله الراشي والمرتشي.”
   
   وفي رواية:
   
   “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما.” [رواه أحمد وأبو داود].

2. الرشوة التي تُعطى لدفع ظلم أو للحصول على حق لا يُمكن الوصول إليه إلا بها: اختلف العلماء في حكم هذا النوع، فبعضهم أجازها للراشي وأثم المرتشي، لأنها أُعطيت لدفع ظلم أو تحصيل حقٍ مشروع تعذر الوصول إليه بغيرها. ويدل على هذا قول بعض الصحابة:

   “إذا أعطيت مالاً لتأخذ حقك فالإثم على من أخذ.”

3. الرشوة في صورة هدية: وهي أكثر الأنواع انتشاراً وخفاءً، وتتمثل في أن يُهدي أحدهم للمسؤول هديةً بعد قضاء مصلحة، أو قبلها تمهيداً لاستمالته. وقد ورد النهي عن قبول الهدايا للمسؤولين، فعن النبي ﷺ أنه قال:

   “هدايا العمال غلول.” [رواه أحمد].

وهذا النوع خطير لأنه يُغلف الرشوة بغلافٍ اجتماعي ظاهره البر والإكرام، وباطنه استغلال المنصب والوظيفة.

ثالثاً: الآثار السلبية للرشوة على الفرد والمجتمع

1. انهيار العدالة وتعطيل القانون

الرشوة تؤدي إلى تمييع القوانين وتغيير الأحكام، حيث يُفضل صاحب المال أو النفوذ على من لا يملك، فتضيع الحقوق، ويُظلم الأبرياء، وتُنتزع المراتب والمواقع من أصحاب الكفاءة وتُمنح لغير أهلها، ما يؤدي إلى شعور المجتمع بالظلم وعدم المساواة.

2. تدمير الأخلاق ونشر الفساد

تُعد الرشوة سبباً مباشراً في تفشي الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، حيث يُربى الناس على الانتهازية والتحايل بدلاً من الالتزام والنزاهة. كما تزرع الرشوة بذور الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، لأنها تخلق تفاوتاً واضحاً في الفرص والمعاملة.

3. تقويض الثقة في الدولة ومؤسساتها

حين تصبح الرشوة وسيلة للحصول على الحقوق أو تجاوز القوانين، يفقد المواطن الثقة في العدالة والقانون، ويشعر بأن النظام لا يحمي الضعفاء، بل يمنح الأقوياء أدوات إضافية للسيطرة. وهذا من أخطر ما يصيب الدول، لأنه يؤدي إلى التفكك والتمرد.

4. إضعاف الاقتصاد وتهريب الثروات

الرشوة تُشجع التهرب الضريبي، وتعطيل الاستثمارات، وتهريب الأموال خارج البلد، لأنها تُفضل المشاريع الفاسدة على النزيهة، وتخلق بيئة طاردة للمستثمرين، ما يؤدي إلى شلل في حركة النمو الاقتصادي وتراجع التنمية.

رابعاً: موقف الشريعة من جميع أطراف الرشوة

1. الراشي

هو الطرف الذي يُقدم المال أو الخدمة مقابل تحقيق مصلحة شخصية أو جماعية غير مشروعة، ويُعد آثماً بمجرد القصد والعرض، ولو لم يتم الفعل، لأن نيته تتجه نحو الإفساد. إلا إذا كان مضطراً لدفع ظلم أو استرداد حق، ففي هذه الحالة قد لا يُؤثم، مع بقاء الإثم على الآخذ.

2. المرتشي

هو الطرف الذي يتلقى الرشوة ويستغل منصبه أو سلطته لتحقيق مآرب من قدمها، وهذا الطرف هو الأشد إثماً، لأنه خان الأمانة، وغدر بموقعه، واستغل وظيفته في غير ما شُرعت له. وقد وردت اللعنة في حقه نصاً، لما له من دور محوري في ترسيخ الفساد.

3. الرائش (الوسيط)

وهو من يسعى بين الراشي والمرتشي لإتمام العملية، سواء بالنصح أو التوصية أو السعي المباشر، وقد ورد ذكره في الحديث النبوي:

“لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما.”

وهذا يدل على أن الشريعة لا تتهاون مع أي طرف يساهم في دعم هذا السلوك المنحرف.

خامساً: سبل الوقاية من الرشوة في الإسلام

للحد من ظاهرة الرشوة، شرع الإسلام وسائل متعددة تشمل:

• تعزيز الوازع الديني: من خلال غرس قيم التقوى والمراقبة لله، وتربية الضمير الحي، وتحذير النفس من مغبة أكل الحرام.

• العدالة في توزيع الوظائف والفرص: عندما يشعر المواطن أن القانون يُطبق على الجميع، وأن الحقوق تُمنح باستحقاق، تقل فرص اللجوء إلى الرشوة.

• المحاسبة والشفافية: عبر مراقبة المال العام، وتفعيل الرقابة الإدارية والقضائية، وتشجيع الإبلاغ عن الفساد.

• القدوة الحسنة في المناصب العليا: لأن الفساد غالباً ما يبدأ من الأعلى، فإن استقامة الكبار تجعل الصغار يقتدون بهم، والعكس صحيح.

• تحسين الرواتب والظروف المعيشية للموظفين: كثير من حالات الرشوة تبدأ من الحاجة والضيق، وتوفير الحد الأدنى من الكفاية يقلل من الدوافع السلبية.

سادساً: الفرق بين الرشوة والهدية والجعالة

سابعاً: عقوبة الرشوة في الفقه الإسلامي

الرشوة لا تندرج تحت العقوبات المحددة (الحدود)، ولكنها تدخل في باب التعزير، أي أن القاضي يملك السلطة التقديرية في تحديد العقوبة المناسبة بناءً على حجم الجريمة وخطورتها. وقد تشمل العقوبات:

• السجن: لردع الجاني ومنع تكرار الفعل.

• الجلد: خاصة في المجتمعات التي تعتمد العقوبات البدنية.

• العزل من الوظيفة: وهو من أهم العقوبات الردعية، لأنه يُنهي سبب الفساد.

• الغرامات المالية: بهدف استرداد المال الحرام ومعاقبة الجاني.

المصادر والمراجع

• ابن منظور، لسان العرب، دار صادر – بيروت.

• أبو داود، السنن، تحقيق الألباني.

• القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر.