حكم الحجامة في رمضان
الحجامة هي إحدى طرق العلاج التقليدية التي استخدمها البشر منذ آلاف السنين. وهي تعتمد على استخراج الدم الفاسد من الجسم باستخدام أكواب هوائية توضع على الجلد في أماكن معينة. ومن المعروف أن الحجامة كانت تستخدم لعلاج العديد من الأمراض والمشاكل الصحية، بالإضافة إلى أنها كانت سُنّة نبوية صحيّة.
لكن عندما يتعلق الأمر بشهر رمضان المبارك، يتساءل العديد من المسلمين عن حكم ممارسة الحجامة أثناء الصيام، وهل تؤثر على صحة الصيام أو تبطله؟ هذا السؤال قد يكون محيرًا للكثيرين، نظرا لأن الحجامة تتطلب سحب دم من الجسم، وهو ما قد يُفهم على أنه يفطر. في هذا المقال، سنتناول حكم الحجامة في رمضان من جميع الجوانب الشرعية والعملية.
مفهوم الحجامة وأسباب استخدامها
الحجامة هي علاج يعتمد على سحب الدم من الجسم باستخدام أكواب خاصة توضع على الجلد، ويتم إحداث فراغ داخل هذه الأكواب مما يساعد على امتصاص الدم الفاسد أو الشوائب من الجسم. هناك نوعان رئيسيان من الحجامة:
-
الحجامة الجافة: حيث يتم وضع الأكواب على الجلد دون أن يتم شق الجلد أو سحب الدم.
-
الحجامة الرطبة: حيث يتم إجراء شق صغير في الجلد لاستخراج الدم الفاسد.
تستخدم الحجامة لعلاج مجموعة واسعة من المشاكل الصحية مثل آلام الظهر، والصداع، ومشاكل الدورة الدموية، والتسمم، والعديد من الأمراض الأخرى. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف ما يُشجع على الحجامة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ فِي الحَجَمَةِ شِفَاءً” (رواه البخاري).
الحجامة في رمضان: حكمها وآثارها على الصيام
عند الحديث عن حكم الحجامة في رمضان، نجد أن العلماء قد تناولوا هذا الموضوع من خلال دراسة تأثير الحجامة على الصيام. أساس السؤال هنا هو: هل سحب الدم من الجسم أثناء الصيام يبطّل الصوم أم لا؟
1. الرأي القائل بعدم تأثير الحجامة على الصيام
العديد من العلماء والفقهاء يعتقدون أن الحجامة لا تفسد الصوم. وذلك بناءً على عدة أوجه:
-
عدم وجود دليل قاطع يربط بين الحجامة والإفطار: لا يوجد في الكتاب والسنة ما يشير إلى أن الحجامة تؤثر على الصيام بشكل مباشر، حيث أن النصوص الشرعية التي تحدد مفطرات الصوم تشمل تناول الطعام والشراب والجماع، بينما لم تذكر الحجامة من بين هذه المفطرات.
-
الدم الذي يتم سحبه في الحجامة ليس مثل الطعام أو الشراب: في الحجامة، يتم سحب الدم الفاسد أو الشوائب من الجسم، ولكن هذا لا يُعتبر طعامًا أو شرابًا يمكن أن يؤدي إلى الإفطار. على العكس، يعتبر بعض العلماء أن الحجامة قد تكون مفيدة للصحة العامة، ولا تسبب بأي حال من الأحوال نقضًا للصوم.
-
الحديث النبوي الشريف: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الحجامة كأحد المفطرات. بل إن النبي نفسه قد قام بالحجامة أثناء صيامه، كما ورد في الحديث الصحيح الذي يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ” (رواه البخاري). وهذا الحديث يُظهر أن الحجامة يمكن أن تتم أثناء الصيام دون أن تؤثر عليه.
2. الرأي القائل بتأثير الحجامة على الصيام
في المقابل، هناك بعض العلماء الذين يرون أن الحجامة تؤدي إلى إفطار الصائم. ويرجعون هذا الرأي إلى النقاط التالية:
-
سحب الدم من الجسم قد يُعتبر تفريغًا لجسم الإنسان: بعض الفقهاء يرون أن سحب الدم من الجسم يُعد من المفطرات لأنه يُشبه إخراج شيء من جسم الصائم قد يؤدي إلى إضعافه، مثل القيء أو الحيض. هذه الأوجه تعتمد على فقه البعض الذي يرى أن كل ما يؤدي إلى فقدان جزء من الجسم يفسد الصيام.
-
ممارسة الحجامة قد تؤدي إلى الضعف والإرهاق: يعتقد البعض أن الحجامة قد تؤدي إلى شعور الصائم بالإرهاق أو التعب، وهو أمر يتعارض مع حالة النشاط والتركيز التي يُفترض أن يتحلى بها الصائم. ولذلك، يرون أن الإفطار يكون مشروعًا في هذه الحالة حفاظًا على صحة الصائم.
3. الرأي الوسط: الحجامة لا تفسد الصوم إذا كانت دون شق الجلد
هناك أيضًا رأي وسطي بين الرأيين السابقين، وهو أن الحجامة لا تفسد الصوم إذا كانت جافة (أي لا يتم شق الجلد). أما إذا كانت الحجامة رطبة، فقد يُنصح بتجنبها في نهار رمضان تفاديًا لأي احتمال قد يؤثر على صحة الصوم. ويرتكز هذا الرأي على المبدأ الذي ينص على أن الدم لا يُعتبر مما يفطر الصائم إذا لم يكن بديلاً عن الطعام أو الشراب.
الحجامة في حال المرض أو الحاجة الطبية
في حال كان الشخص يعاني من مرض أو حالة صحية تحتاج إلى إجراء حجامة، يُفضل استشارة الطبيب أو متخصص في الطب البديل. وبالطبع، من المهم أن يتأكد الشخص في هذه الحالة من عدم تأثير الحجامة على صحته أو قدرته على إتمام الصيام بشكل طبيعي.
يُنصح أيضًا أن تتم الحجامة بعد الإفطار أو في الساعات التي لا يكون فيها الصائم في حالة صيام، وذلك لتجنب أي نوع من التأثيرات السلبية المحتملة.
ما يجب على المسلم فعله إذا قرر إجراء الحجامة في رمضان
إذا قرر المسلم أن يُجري الحجامة في شهر رمضان، يجب عليه مراعاة النقاط التالية:
-
الاختيار بين الحجامة الجافة أو الرطبة: في حال كان هناك شك في تأثير الحجامة على الصيام، يمكن أن يختار الشخص إجراء الحجامة الجافة، لأنها لا تشمل شق الجلد وبالتالي لا تؤثر على الصيام من منظور بعض العلماء.
-
إجراء الحجامة بعد الإفطار أو قبل السحور: أفضل وقت لإجراء الحجامة في رمضان هو بعد الإفطار أو قبل السحور لتجنب التأثير على عملية الصيام.
-
استشارة الطبيب: إذا كانت هناك ضرورة طبية لإجراء الحجامة، يجب استشارة الطبيب أو المختص في هذا المجال لتحديد أفضل وقت وأسلوب مناسب للحجامة.
خلاصة القول
الآراء الشرعية حول حكم الحجامة في رمضان تختلف، ولكن معظم العلماء يجمعون على أن الحجامة لا تبطل الصيام إذا كانت جافة. إذا كان الشخص بحاجة لإجراء الحجامة لأسباب صحية، فيُفضل أن يتم ذلك بعد الإفطار أو في ساعات الليل. وإذا كانت الحجامة رطبة، فقد يُفضل بعض العلماء أن يتم تأجيلها إلى ما بعد رمضان لتجنب أي شكوك حول تأثيرها على الصيام.
في النهاية، يبقى على المسلم أن يتبع ما يراه مناسبًا بناءً على فتاوى العلماء الموثوقين وفقًا لمذهبه الفقهي الخاص.
