حكم الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع في الحج

يُعتبر الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة عظيمة فرضها الله تعالى على المسلمين القادرين مرة في العمر. يتضمن الحج مناسك متعددة، من بينها الطواف بأنواعه المختلفة، ومنها طواف الإفاضة وطواف الوداع. لكل من هذين الطوافين حكمه ومكانته في مناسك الحج، ويثار حول إمكانية الجمع بينهما جدل فقهي مستمر بين العلماء، لذلك يحتاج المسلم إلى فهم صحيح لحكم الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع، ليتجنب الوقوع في الخطأ ويؤدي فريضته على الوجه الأكمل.

تعريف طواف الإفاضة وطواف الوداع

طواف الإفاضة

هو الطواف الذي يؤديه الحاج بعد وقوفه بعرفة ورمي الجمرات، ويُعد من أهم أركان الحج. يسمى أيضاً “طواف الحج” ويُشرع في أيام التشريق (11، 12، 13 من ذي الحجة). وبهذا الطواف يكون الحاج قد أكمل ركنًا أساسياً من أركان الحج، ولا يصح الحج بدونه.

طواف الوداع

هو الطواف الذي يؤديه الحاج عند انتهاء مناسك الحج وقبل مغادرته مكة المكرمة، ويدل على وداع بيت الله الحرام. ويُشترط في هذا الطواف أن يكون الحاج قد أدى كافة أركان الحج الأخرى، وهو آخر الأعمال التي يختتم بها الحاج مناسكه قبل الخروج من مكة.

هل يمكن الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع؟

في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، هناك تفسيرات مختلفة لحكم الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع، والتي تعتمد على توقيت أداء الطواف والمكان الشرعي لكل منهما.

الرأي الأول: لا يجوز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع

ذهب كثير من الفقهاء إلى عدم جواز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع في طواف واحد، لأن لكل طواف زمانه وشرطه الخاص، ولا يمكن دمجهما معاً في طواف واحد.

• طواف الإفاضة شرط لصحة الحج، ويؤدى بعد الوقوف بعرفة ورمي الجمرات في أيام التشريق، وهو طواف فرضي لا يمكن تفويته.

• طواف الوداع طواف سنّة مستحبّة يقوم به الحاج قبل مغادرته مكة، ولا يجوز تأجيله حتى ما بعد طواف الإفاضة.

يؤكد هؤلاء العلماء على أن الجمع بين الطوافين يعد تقصيراً في أداء الفروض والسنن، إذ لا يجوز الاستعاضة بطواف واحد عن طوافين مختلفين الأوقات والمقاصد.

الرأي الثاني: يجوز الجمع بين الطوافين في بعض الحالات

بعض العلماء أجازوا الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع في حالة الضيق أو المرض أو الموانع التي تحول دون أداء الطوافين منفصلين، مع التأكيد على أن هذا استثناء وليس قاعدة عامة.

• يُجمع الطوافان في طواف واحد بشرط أن يؤديه الحاج في وقت طواف الإفاضة، ثم يعتبر طواف الوداع قد تم في نفس الوقت.

• هذا الرأي يُراعى في حالة وجود ظروف قاهرة، مثل ضيق الوقت أو ظروف صحية أو أمنيّة.

الرأي الثالث: الجمع إذا أُدّي طواف الوداع أولاً ثم الإفاضة

يرى بعض الفقهاء أن طواف الوداع يمكن أن يُؤدى قبل طواف الإفاضة، وذلك في حالة تهيئة الحاج للمغادرة سريعاً بعد انتهاء مناسكه، ولكن هذه الحالة أقل شيوعاً ويُنصح بأداء طواف الإفاضة أولاً.

الأدلة الشرعية المتعلقة بطواف الإفاضة وطواف الوداع

• حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “حَجُّوا وعُمِّرُوا، فإن عُمرة في رمضان تعدل حجة” (رواه البخاري ومسلم)، يوضح أهمية إتمام مناسك الحج والطواف بعد الوقوف بعرفة.

• عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “من طاف بالبيت ودعاً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” (رواه البخاري ومسلم) وهذا يدل على أهمية طواف الوداع.

حكم الطوافين من الناحية الشرعية والعملية

طواف الإفاضة فرض من أركان الحج

إن طواف الإفاضة ركن أساسي من أركان الحج، فلا يتم الحج بدونه. ويجب أداؤه في الوقت المحدد بعد وقوف عرفة ومزدلفة ورمي جمرة العقبة الكبرى. وهو الطواف الذي يربط كل مناسك الحج بعد الوقوف، ويخرج الحاج من حالة الإحرام في أغلب الحالات.

طواف الوداع سنة مؤكدة

طواف الوداع ليس فرضاً لكنه سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تركه عمداً كان ذلك نقصاً في إتمام مناسك الحج. وطواف الوداع يختتم به الحاج مناسكه، ويُعتبر توديعاً لبيت الله، وله فضل عظيم.

موقف العلماء من الجمع بين الطوافين

الحنفيّة

يرون أن طواف الإفاضة لا يجوز أن يُجمع مع طواف الوداع لأن لكل منهما وقت ومكان معين، ولا يجوز تقديم الوداع على الإفاضة، كما لا يجوز تأخير الإفاضة إلى ما بعد الوداع.

المالكية

يجوز عندهم الجمع في حال وجود عذر، لكن الأفضل الأداء منفصلين لأن كل منهما له حكمه الشرعي والزمان الخاص به.

الشافعية

يشددون على عدم الجمع ويؤكدون أن طواف الإفاضة يجب أن يكون في أيام التشريق، وطواف الوداع في آخر يوم قبل مغادرة مكة.

الحنابلة

يؤكدون على عدم جواز الجمع، ويشددون على ضرورة أداء كل طواف في وقته الشرعي.

توضيح الجدول الزمني للطوافين

نصائح للحجاج في شأن الطوافين

• يُفضل عدم الجمع بين الطوافين لتجنب الإشكالات الفقهية.

• يجب التخطيط لأداء طواف الإفاضة في أيام التشريق حتى لا يتأخر.

• طواف الوداع يجب أن يُؤدى قبل المغادرة حتى يكون الحاج قد أكمل مناسكه بالكامل.

• عند وجود ظروف طارئة يمكن الجمع مع أخذ الحيطة والحذر.

خلاصة

الحج ركن عظيم يتطلب أداءه بدقة والتزام بأركانه وشروطه، وطواف الإفاضة وطواف الوداع هما من أهم الأعمال التي يجب تأديتها بدقة ووفق المواعيد الشرعية. لا يجوز الجمع بينهما إلا في حالات الضرورة مع وجود عذر شرعي. ومن الأفضل أداء كل طواف في وقته المحدد لتحقيق صحة الحج وإتمام مناسكه على الوجه الصحيح، وهذا يعكس روح الطاعة والحرص على أداء الفريضة بأفضل صورة.

المراجع:

1. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي

2. مجموع الفتاوى، الشيخ ابن باز