حكم الاغتسال من الحيض

حكم الاغتسال من الحيض

يُعدّ الاغتسال من الحيض من الأحكام الشرعية التي حظيت بعناية خاصة في الفقه الإسلامي، نظرًا لما يترتب عليه من آثار تتعلّق بصحة العبادات ورفع الحدث الأكبر الذي يمنع المرأة من أداء بعض الفرائض كالصلاة والصيام والطواف بالبيت. والحيض هو دمٌ طبيعي يخرج من الرحم في أوقاتٍ معلومة، ويُعدّ من مظاهر الفطرة التي خلق الله المرأة عليها، وله أحكام دقيقة بيّنها القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع علماء الأمة، وكان من جملتها حكم الطهارة بعد انقطاع الدم، وهو الاغتسال الواجب الذي تعود به المرأة إلى حال الطهارة الكاملة.

تعريف الحيض وحقيقته

الحيض لغةً هو السيلان، وشرعًا هو دمٌ طبيعي جبلي يخرج من رحم المرأة بعد بلوغها في أوقاتٍ معينة من الشهر، وليس بسبب مرض أو ولادة. وقد جعله الله سبحانه وتعالى علامةً على البلوغ، ودليلاً على الخصوبة والاستعداد للحمل. يختلف الحيض من امرأة لأخرى في مدته وكميته، وتتراوح أيامه غالبًا بين يوم وليلة كحدٍّ أدنى وخمسة عشر يومًا كحدٍّ أعلى، على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

حكم الحيض وآثاره الشرعية

جعل الله الحيض مانعًا من جملةٍ من العبادات التي تشترط الطهارة، منها الصلاة، والصيام، والطواف، ومس المصحف، ودخول المساجد. كما حرّم على الزوج جماع زوجته في حال الحيض حتى تطهر وتغتسل، لقوله تعالى في سورة البقرة:

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ﴾ [البقرة: 222].

وقد بيّنت الآية أن التحريم لا يرتفع لمجرد انقطاع الدم، بل لا بد من الطهارة، وهي الاغتسال، ولذلك كان للاغتسال من الحيض حكمٌ مستقل له تفاصيله الدقيقة.

حكم الاغتسال من الحيض

أجمع الفقهاء على أن الاغتسال من الحيض واجبٌ شرعًا، فلا يجوز للمرأة أن تؤدي العبادات الموقوفة على الطهارة الكبرى من غير أن تغتسل بعد انقطاع دم الحيض. ويُعدّ الاغتسال من الحيض من الغُسل الواجب، لا يجوز تركه، ويترتب على تركه عدم صحة العبادات التي تتطلب الطهارة.

وقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال:

“لا، إنما ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة أيام أقرائك، ثم اغتسلي وصلي”.

وفي رواية أخرى قال:

“ثم اغتسلي وصومي وصلي”.

وهذا نصٌّ صريح في اشتراط الغسل بعد انقضاء مدة الحيض للعودة إلى الصلاة وسائر العبادات، مما يدل على وجوبه.

متى يجب الغسل من الحيض؟

يجب الغسل من الحيض عند انقطاع الدم، بحيث تُصبح المرأة طاهرة، ويتحقق ذلك برؤية علامة الطهر، وهي إما:

1. القَصَّة البيضاء: وهي سائل أبيض نقي يخرج من المرأة في نهاية الحيض.

2. الجفاف التام: وهو أن تضع المرأة قطنًا أو منديلًا فلا ترى عليه أثرًا للدم أو الصفرة أو الكدرة.

فإذا رأت المرأة إحدى هاتين العلامتين، فقد طهرت ووجب عليها الغسل، لتتمكن من أداء الفرائض.

صفة الغسل من الحيض

الغسل من الحيض له صفتان: صفة مجزئة وصفة كاملة.

أولًا: الصفة المجزئة (الواجبة)

ويتحقق بها رفع الحدث الأكبر، وهي أن تعمّ جميع بدنها بالماء بنية رفع الحدث. فلو نوت الطهارة من الحيض وعمّ بدنها بالماء، ارتفع عنها الحدث، وصحّ منها ما يُشترط له الطهارة.

ثانيًا: الصفة الكاملة (المستحبة)

وقد جاءت في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين حين سألت امرأة النبي ﷺ عن الغُسل من الحيض، فقال:

“تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى يبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها”.

وتُستحب هذه الهيئة اتباعًا لهدي النبي ﷺ، وهي تشمل:

• غسل اليدين.

• غسل الفرج وتنظيفه.

• الوضوء الكامل.

• إفاضة الماء على الرأس مع تدليك الأصول.

• إفاضة الماء على سائر الجسد بدءًا بالشق الأيمن ثم الأيسر.

• استعمال الطيب في الموضع لإزالة أثر الدم، إن لم تكن محرمة أو صائمة.

ما يترتب على الغسل من الحيض

بعد أن تغتسل المرأة من الحيض تصبح طاهرة، ويجوز لها مباشرة كل العبادات التي كانت محرمة عليها في حال الحيض، ومنها:

• الصلاة: يجوز لها أداء الصلاة المفروضة والنوافل.

• الصيام: يحل لها صيام الفرض والنفل.

• الطواف بالبيت: يُشترط فيه الطهارة الكبرى.

• الجماع: يحل للزوجين المعاشرة الزوجية بعد الغسل.

• مس المصحف: يحل لها قراءة ومسّ المصحف.

• دخول المساجد: تصبح الطهارة متحققة لجواز دخولها المسجد.

مسائل فقهية متعلقة بالغسل من الحيض

أولًا: تأخير الغسل بعد الطهر

إذا طهرت المرأة من الحيض ولم تغتسل مباشرة، فلا يجوز لها أن تصلي أو تصوم حتى تغتسل، ولكن يجوز لها تأخير الغسل إلى دخول وقت الصلاة، بشرط عدم تفويت الصلاة أو الصيام إن كانت في نهار رمضان.

ثانيًا: إذا رأت المرأة الطهر ليلًا ولم تغتسل

إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر في رمضان، ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فصيامها صحيح، لأنه لا يُشترط لصحة الصوم الطهارة من الحيض، وإنما يُشترط أن تكون قد طهرت قبل الفجر.

ثالثًا: الشك في الطهارة

إذا شكت المرأة هل طهرت أم لا، فإنها تبقى على حكم الحيض، ولا تترتب عليها أحكام الطاهرات حتى تتيقن من الطهر برؤية القَصّة البيضاء أو الجفاف التام.

رابعًا: الغسل من الحيض في وجود الكدرة أو الصفرة

الصفرة والكدرة لا تُعدّ حيضًا إلا إذا كانت متصلة بأيام الحيض، أما إذا كانت بعد الطهر، فلا تُمنع بها العبادات، ولا توجب الغسل.

خامسًا: الجمع بين نيتين في الغسل

إذا اجتمع على المرأة حدث أكبر كالحيض، وحدث أصغر كالبول، فأرادت الاغتسال، فإنها إذا نوت الغسل من الحيض ارتفع عنها الحدثان، ولا يلزمها وضوء بعد الغسل، إلا إذا أحدثت بعده.

أهمية الطهارة والاغتسال في الإسلام

الطهارة شرطٌ أساسي في الإسلام لصحة كثير من العبادات، وقد اهتم الشرع الحنيف بها أيّما اهتمام، وقرن الطهارة بالإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح:

“الطهور شطر الإيمان”.

وجعلها الله مدخلاً للقبول في حضرته، فقال تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

ولذلك كان الغسل من الحيض من الشعائر التي تُظهر تعظيم المرأة لدينها، وحرصها على الطهارة الظاهرة والباطنة، واستعدادها للوقوف بين يدي الله.

جدول يوضح أهم أحكام الغسل من الحيض:

خاتمة

الغسل من الحيض ركنٌ أساسي في حياة المسلمة، به تتطهّر من الحدث الأكبر، وتُقبل على العبادة بطهارة ظاهرية وباطنية. وقد فصّل الإسلام هذا الحكم بما يُراعي كرامة المرأة وطبيعتها، ويُيسّر عليها أمر دينها. فالالتزام بهذا الحكم تعبّد لله تعالى واتباع لسنة نبيّه ﷺ، وتحقيق لمعاني الطهارة التي هي مفتاح كل عبادة.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر، كتاب الطهارة.

2. النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.