حقوق الزوج على زوجته: منظور شامل في ضوء الشريعة الإسلامية

تُعَدُّ الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، والزواج هو الأساس الذي تقوم عليه هذه الأسرة، ولذلك حظي بعناية كبيرة في الشريعة الإسلامية التي أولته اهتمامًا بالغًا، فأحاطته بالتشريعات والآداب التي تضمن استمراريته واستقراره. ولمّا كان الزواج علاقة قائمة على المودة والرحمة والتكامل، فقد جعل الله لكل من الزوجين حقوقًا وواجبات، تكفل التوازن في الحياة الزوجية، وتمنع الظلم أو التجاوز.

ومن بين هذه الحقوق، تبرز حقوق الزوج على زوجته كركيزة أساسية للحفاظ على كيان الأسرة ووحدة بنيانها. ولم تكن هذه الحقوق تفريقًا أو انتقاصًا، بل هي جزء من منظومة متكاملة تضمن لكل طرف أن يؤدي دوره الطبيعي ضمن معادلة العدل والرحمة، وفقًا لما أقرّته النصوص الشرعية وبيّنه العلماء.

الطاعة في المعروف

يُعَدُّ الركن الأول من حقوق الزوج على زوجته هو الطاعة في المعروف، أي أن تلتزم الزوجة بطاعة زوجها ما دام يأمرها بما لا يخالف الشرع ولا يخرج عن حدود العقل والكرامة. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ:

“إذا صلَّتِ المرأةُ خمسَها، وصامتْ شهرَها، وحفظتْ فرجَها، وأطاعتْ زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ.” (رواه أحمد).

ولا تشمل هذه الطاعة الأمور المخالفة لأوامر الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما تكون الطاعة في إطار القوامة الشرعية القائمة على التوجيه والتكليف، وليس الاستبداد أو التحكم.

التهيئة النفسية والجسدية

الزوجة الصالحة تُعدّ مصدرًا للسكن والراحة النفسية لزوجها، كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21].

وهذا يفرض على الزوجة أن تُحسن التعامل مع زوجها، وتعامله بالكلمة الطيبة والوجه البشوش، وأن تبتعد عن كل ما يُكدّر صفو العلاقة، كالخصومة الدائمة أو سوء الظن أو المعاندة.

ويشمل ذلك أيضًا الحفاظ على النظافة الشخصية والتجمّل لزوجها في حدود ما أباحه الشرع، مما يعزّز من مشاعر المودة والتقارب العاطفي.

حفظ العرض والمال والبيت

من أهم حقوق الزوج على زوجته أن تصون عرضه وتحفظ شرفها، فلا تخونه في نفسها، ولا تُدخل بيته من لا يرضى، ولا تُحدث الفتنة أو الريبة في سلوكها، مصداقًا لقوله ﷺ:

“خيرُ النساءِ التي إذا نظرتَ إليها سَرَّتْكَ، وإذا أمرتَها أطاعتْكَ، وإذا غِبتَ عنها حفِظتْكَ في نفسها ومالِكَ.” (رواه النسائي).

وتُعتبر خيانة الزوجة لزوجها في عرضه أو ماله أو أسرار بيته من كبائر الذنوب، وهي أمر يؤدي إلى فساد الحياة الزوجية وانهيار البناء الأسري.

التفرغ لرعاية الأسرة

يُعتبر تفرّغ الزوجة لشؤون البيت وتربية الأبناء من أعظم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، إذ يُهيّئ لها الزواج بيئة مستقرة تؤدي فيها هذا الدور النبيل.

فعلى الزوجة أن تقوم بما يلزم من رعاية المنزل، وتنظيم شؤونه، والاهتمام بأولادها وزوجها، وهي مسؤولية تؤدي إلى بناء أجيال مستقرة نفسيًا وأخلاقيًا.

وقد نص الفقهاء على أن للزوج أن يُطالب زوجته بالبقاء في البيت إذا كان ذلك يحقق مصلحة الأسرة ويضمن استقرارها، ما لم يكن هنالك ما يُبرّر خروجها بضوابط شرعية واضحة.

تمكين الزوج من الاستمتاع

من الحقوق الأساسية للزوج على زوجته أن تُمكّنه من نفسها متى طلب ذلك، ما لم يكن لها عذر شرعي كالحَيْض أو المرض، فإن امتناعها عنه دون عذر يُعدّ معصية، كما جاء في الحديث الصحيح:

“إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبانَ عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح.” (متفق عليه).

وهذا لا يعني إجبار المرأة أو إهانتها، وإنما هو تعبير عن أهمية العلاقة الزوجية في تحقيق العفة للطرفين، وحماية المجتمع من الفواحش والانحرافات.

احترام الزوج وتقديره

من مظاهر طاعة الزوجة لزوجها أيضًا احترامه وتوقيره، سواء في حضوره أو غيابه، فالاحترام المتبادل بين الزوجين يُضفي على العلاقة جوًّا من السكينة والتفاهم.

ومن مظاهر هذا الاحترام مخاطبته بأسلوب لائق، وتجنّب رفع الصوت عليه أو إهانته أمام الآخرين، كما يُعدّ احترام أسرته وأقاربه من احترامه.

كما يجب على الزوجة ألا تُقلّل من قيمة زوجها أو تنكر فضله، فقد قال النبي ﷺ:

“أُريتُ النارَ، فإذا أكثرُ أهلِها النساءُ، يكفُرنَ. قيل: يكفُرنَ باللهِ؟ قال: يكفُرنَ العشيرَ، ويكفُرنَ الإحسانَ.” (متفق عليه).

استئذان الزوج قبل الخروج

من الحقوق التي أكّد عليها الفقهاء أن تستأذن المرأة زوجها قبل أن تخرج من بيته، لأنه مسؤول عن حماية البيت وتنظيم شؤونه، ويجب أن يكون على علم بتحركات زوجته.

ولا يجوز لها أن تخرج دون علمه، خاصة إذا كان في خروجها مفسدة أو ريبة، وهو حق شرعي لا يُنتقص إلا إذا تعسّف الزوج في منعه بلا مبرر شرعي واضح.

عدم إدخال أحد بيته دون إذنه

من الحقوق الثابتة شرعًا أن تمتنع الزوجة عن إدخال أحد إلى بيت الزوجية دون علمه أو رضاه، حتى ولو كان من أقاربها، لقوله ﷺ:

“ولا تُدخل بيتَه أحدًا يكرهُه.” (رواه البخاري ومسلم).

ويهدف هذا الحق إلى صيانة خصوصية البيت وحماية الحياة الزوجية من التطفل والتدخل، فلا يجوز أن يتحول بيت الزوجية إلى مكان يخضع لإرادة الآخرين دون رضى الزوج.

عدم الصوم التطوعي إلا بإذنه

من الحقوق التي حفظها الشرع للزوج أن تمتنع زوجته عن صيام النوافل إذا كان حاضرًا إلا بإذنه، كما جاء في الحديث:

“لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه.” (رواه البخاري ومسلم).

ويعود هذا إلى أن حق الزوج في المعاشرة مقدم على النوافل، فليست هناك طاعة تطوعية تُقدّم على حق واجب إلا بإذن صاحب الحق.

عدم الإنفاق من ماله دون إذنه

من القواعد التي نصّ عليها الفقهاء ألا تتصرف الزوجة في مال زوجها دون إذنه، ولو كان ذلك في إنفاق حسن، لأن المال هو ملك له، وله الحق في أن يعرف كيف يُصرف، إلا إذا أذن لها بشكل عام.

وقد ورد في الحديث:

“لا تنفق المرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذنه.” (رواه الترمذي).

لكن إذا كان الزوج قد فوّضها بالتصرف أو كان العرف السائد في البيت يسمح بذلك، فلا حرج عليها.

المحافظة على أسرار الزوج والحياة الزوجية

أحد أهم حقوق الزوج على زوجته هو كتمان أسرار العلاقة الزوجية، خصوصًا ما يتعلق بالحياة الخاصة والحميمية، فقد حذر النبي ﷺ من إفشاء هذه الأسرار، وعدّ ذلك من أعظم الخيانات.

قال ﷺ:

“إن من أشرّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه.” (رواه مسلم).

كما يدخل في هذا الباب عدم كشف ما يجري في البيت من خصوصيات أو مشكلات أمام الآخرين، وخاصة ما يضر بصورة الزوج أو يُهين كرامته.

المساهمة في تربية الأبناء

رغم أن الأب هو المسؤول الأول عن النفقة والتعليم، إلا أن الزوجة تشارك بدور أساسي في تنشئة الأولاد ورعايتهم، وهذا من الحقوق غير المباشرة التي تنتفع بها الأسرة بأكملها.

فالزوجة مسؤولة عن تأديب أولادها، وتعليمهم القيم والمبادئ الإسلامية، وهي بذلك تعين زوجها على أداء هذا الدور، وتُسهم في بناء جيل صالح.

دعم الزوج ومساندته نفسيًا

يُعد الدعم النفسي من أعظم ما يُقدَّم في العلاقة الزوجية، وعلى الزوجة أن تكون سندًا لزوجها في أوقات الضيق، وتشدّ من أزره عند الشدائد، وتُظهر له الثقة بقدراته.

وهذا الدعم هو ما قامت به خديجة رضي الله عنها للنبي ﷺ عندما نزل عليه الوحي لأول مرة، فكانت أول من آمن به، وأول من واساه، وأول من دعم رسالته، فقالت له:

“كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق.”

الجدول التالي يلخّص أهم حقوق الزوج على زوجته:

خاتمة

إن حقوق الزوج على زوجته في الشريعة الإسلامية ليست قائمة على الاستبداد أو التحكم، بل هي جزء من نظام تكاملي هدفه حفظ الأسرة وبناء علاقة قائمة على المودة والرحمة والعدل. وقد بيّنت النصوص الشرعية تلك الحقوق بوضوح، وأكد عليها العلماء لما لها من أثر بالغ في الاستقرار الأسري والتوازن النفسي والاجتماعي.

المراجع:

• “الحقوق الزوجية”، عبد الرحمن بن عبد الله السحيم، موقع الإسلام سؤال وجواب

• “الفقه الإسلامي وأدلته”، وهبة الزحيلي، دار الفكر