إطلاق خدمة حفظ مبلغ الضمان عن طريق “إيجار” في السعودية: نقلة نوعية في تنظيم العلاقة الإيجارية

شهدت المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في منظومة الإسكان والإيجارات السكنية والتجارية، ضمن جهود وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لتنظيم العلاقة التعاقدية بين أطراف العملية الإيجارية، وتحقيق أعلى درجات الشفافية والعدالة. ومن بين أبرز المبادرات التي تعزز هذا التوجه، جاء إطلاق خدمة “حفظ مبلغ الضمان” عبر شبكة “إيجار”، وهي خدمة جديدة تم الإعلان عنها في الربع الثاني من عام 2025، وتُمثل مرحلة متقدمة في تنظيم القطاع العقاري الإيجاري وضمان حقوق جميع الأطراف المعنية.

تُعد شبكة “إيجار” أحد أهم المشاريع التقنية الحكومية التي طورتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، بهدف توحيد العقود الإيجارية إلكترونياً، وضمان حقوق المؤجر والمستأجر والوسيط العقاري. ومع إطلاق خدمة حفظ مبلغ الضمان، تنتقل الشبكة إلى مستوى جديد من النضج والتكامل، بما يعزز الثقة بين المتعاملين ويحد من النزاعات المتعلقة بالمبالغ المالية المرتبطة بالعقود الإيجارية.

مفهوم خدمة حفظ مبلغ الضمان

خدمة حفظ مبلغ الضمان هي آلية إلكترونية تتيح للمستأجر إيداع مبلغ الضمان المتفق عليه في العقد الإيجاري ضمن نظام شبكة “إيجار”، ليتم الاحتفاظ به لدى جهة مالية مرخصة، بدلاً من تسليمه بشكل مباشر إلى المؤجر. وعند انتهاء العلاقة التعاقدية، يُعاد المبلغ إلى المستأجر أو يُخصم منه ما يستحقه المؤجر وفقاً لحالة العقار وشروط العقد، وذلك بناءً على تقييم موضوعي وموثق.

تمثل هذه الخدمة حلاً عملياً لمشكلة شائعة في سوق الإيجارات، وهي الخلافات التي تنشأ حول استرجاع مبلغ الضمان بعد انتهاء العقد. إذ غالباً ما يشكو المستأجرون من تعنت بعض المؤجرين في إعادة المبلغ كاملاً، في حين يرى بعض المؤجرين أن المستأجرين يخلّون بشروط الاستخدام دون تغطية الأضرار. ومع غياب جهة محايدة للفصل في هذه الأمور، كانت العلاقة الإيجارية عرضة للتوتر والشكوى. ومع هذه الخدمة، يتمتع الطرفان بحماية قانونية وإجرائية تقلص من فرص التعسف أو التلاعب.

الجهة المشرفة على الخدمة

تم تطوير الخدمة بالتعاون بين وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وشبكة إيجار، ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وبمشاركة الجهات المالية المرخصة مثل البنوك السعودية، بهدف توفير بيئة آمنة تحفظ أموال المستأجرين وتضمن التزام المؤجرين بشروط العقود. وتخضع الخدمة لإشراف مباشر من الجهات التنظيمية، وتعمل وفق أنظمة مالية وتشريعية تضمن النزاهة والشفافية.

أهداف إطلاق خدمة حفظ مبلغ الضمان

إطلاق هذه الخدمة لم يكن إجراءً معزولاً، بل يندرج ضمن رؤية شاملة تسعى الحكومة السعودية من خلالها إلى تطوير قطاع الإسكان ورفع كفاءة السوق العقاري، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030. وتتلخص أبرز أهداف الخدمة في النقاط التالية:

1. حماية حقوق الأطراف: من خلال ضمان الاحتفاظ بمبلغ الضمان في جهة محايدة، يتم الحفاظ على حقوق المستأجر والمؤجر على حد سواء.

2. تقليل النزاعات: توفر الخدمة مرجعية واضحة في حالة وجود خلاف بشأن قيمة المبلغ المسترد، مما يقلل الحاجة للجوء إلى المحاكم.

3. تعزيز الشفافية: حيث تتيح الخدمة توثيقاً كاملاً لجميع العمليات المالية المرتبطة بمبلغ الضمان.

4. تحفيز الاستثمار العقاري: من خلال تعزيز الثقة بين الأطراف، تُشجع الخدمة على المزيد من النشاط في سوق الإيجارات، خاصة من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسسات.

5. تحقيق الاستدامة المالية: عبر توظيف مبالغ الضمان ضمن إطار مصرفي منظم، تساهم الخدمة في تحسين الكفاءة الاقتصادية العامة للقطاع.

آلية عمل خدمة حفظ مبلغ الضمان

يعتمد تنفيذ خدمة حفظ مبلغ الضمان على خطوات واضحة تبدأ من توقيع العقد وحتى إنهائه، وهي كالتالي:

1. تحديد مبلغ الضمان في العقد الإيجاري الإلكتروني عبر منصة “إيجار”، بالتوافق بين المؤجر والمستأجر.

2. قيام المستأجر بإيداع مبلغ الضمان إلكترونياً في حساب الضمان الخاص بالعقد، والذي تديره جهة مالية معتمدة.

3. توثيق عملية الإيداع وتحديث العقد تلقائياً بما يثبت أن الضمان تم حفظه.

4. الاحتفاظ بالمبلغ حتى نهاية العقد دون أن يكون متاحاً للسحب من قبل أي طرف إلا بعد انتهاء العقد أو بقرار مشترك أو قانوني.

5. تقييم حالة العقار عند الإخلاء من قبل وسيط عقاري معتمد، يتم رفعه عبر منصة “إيجار”.

6. تحديد المبلغ المستحق للاسترداد أو الخصم بناءً على حالة العقار وبنود العقد.

7. إعادة المبلغ أو جزء منه إلى المستأجر في حسابه البنكي بعد انتهاء العقد وفقاً للتقييم.

فوائد الخدمة لجميع الأطراف

للمستأجر:

• حماية المبلغ من سوء الاستخدام أو الامتناع عن إعادته.

• وجود جهة محايدة تحفظ حقوقه وتضمن استرجاع المبلغ وفق التزامات الطرف الآخر.

• مرونة أكبر في الإبلاغ عن التجاوزات والمخالفات من دون ضغط مباشر من المؤجر.

للمؤجر:

• الاطمئنان على وجود مبلغ الضمان في جهة موثوقة.

• إمكانية الحصول على تعويض مناسب في حال الإضرار بالعقار أو الإخلال بشروط العقد.

• الحد من حالات الإخلال من طرف المستأجر نتيجة وجود نظام منظم لحفظ الحقوق.

للوسيط العقاري:

• تسهيل وتسريع عمليات توثيق العقود.

• تقديم خدمات ذات قيمة مضافة تعزز من موقع الوسيط ضمن سوق الإيجارات.

• الحد من النزاعات التي قد تؤثر على سمعة الوسيط ودوره المهني.

التحديات المحتملة وكيفية التغلب عليها

رغم الإيجابيات العديدة للخدمة، إلا أن نجاحها يتطلب التغلب على بعض التحديات، مثل:

• رفع الوعي المجتمعي: تحتاج الخدمة إلى حملات توعوية لتعريف الجمهور العام والملاك والمستأجرين بأهميتها وآلياتها.

• توفير الدعم الفني والتقني: ضمان عمل النظام الإلكتروني بسلاسة يتطلب دعم تقني دائم ومستجيب.

• التعاون بين الجهات المالية: توحيد المعايير والإجراءات بين البنوك والجهات المرخصة يسهم في سلاسة تنفيذ الخدمة.

• ضمان الحياد في التقييم: يجب أن يكون تقييم حالة العقار موضوعياً، ويتم عبر خبراء محايدين ومعتمدين.

وقد بدأت الوزارة بالفعل بالتعاون مع الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين لتدريب كوادر مؤهلة لتنفيذ هذه التقييمات وضمان الشفافية والمهنية.

مقارنة مع النماذج العالمية

تُعد خدمة حفظ مبلغ الضمان ممارسة شائعة في العديد من الدول ذات الأسواق العقارية المتقدمة. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، يُطلب من المؤجرين حفظ مبلغ التأمين لدى أحد أنظمة حفظ الإيجارات الحكومية، ولا يحق لهم استخدام المبلغ إلا بإثبات الأضرار بعد انتهاء العقد. كذلك في أستراليا وكندا، تخضع هذه المبالغ لتنظيم دقيق يحفظ حقوق الطرفين ويشجع على الاستقرار السكني.

وما قدمته السعودية من خلال شبكة “إيجار” يتماشى مع هذه النماذج العالمية، بل ويتميز بدمجه في منظومة إلكترونية موحدة تشمل توثيق العقود، السداد الإلكتروني، حفظ الضمان، وتقييم الأضرار، في تجربة رقمية متكاملة.

الجدول التالي يوضح الفرق بين النظام التقليدي والنظام الحديث بعد إطلاق خدمة حفظ مبلغ الضمان:

الأثر الاقتصادي والتنظيمي على قطاع الإيجارات

يمتد أثر هذه الخدمة ليشمل الجوانب الاقتصادية والتنظيمية بشكل واسع. فمن الناحية الاقتصادية، يسهم النظام في إعادة توجيه مبالغ ضخمة كانت تُدار بشكل غير منظم نحو النظام المصرفي الرسمي، مما يعزز السيولة المصرفية والشفافية. كما يُتوقع أن تُسهم هذه الخدمة في تقليص عدد القضايا العقارية التي تُرفع للمحاكم سنوياً، عبر توفير آلية بديلة لتسوية النزاعات.

أما من الناحية التنظيمية، فإن خدمة حفظ مبلغ الضمان تمثل جزءاً من مسيرة التحول الرقمي الشامل الذي تتبناه وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والذي يشمل تطوير تصنيفات العقارات، توثيق العقود، تنظيم التقييم العقاري، وتحديث السجلات العقارية إلكترونياً.

مستقبل خدمات شبكة إيجار

مع استمرار تطوير شبكة “إيجار”، تُشير المؤشرات إلى نية الوزارة إطلاق المزيد من الخدمات المرتبطة بقطاع الإيجارات، مثل:

• الربط المباشر مع أنظمة تقييم الائتمان.

• إصدار شهادات الالتزام العقاري للمؤجرين والمستأجرين.

• التوسع في دمج العقود التجارية إلى جانب السكنية.

• إطلاق مؤشرات سعرية لمتابعة متوسطات الإيجار في الأحياء والمناطق.

كل هذه الخدمات ستُكمل خدمة حفظ مبلغ الضمان، وتُسهم في بناء منظومة إسكانية قوية، عادلة، وشفافة في المملكة.

الخاتمة

إطلاق خدمة حفظ مبلغ الضمان عبر شبكة “إيجار” ليس مجرد تطوير تقني، بل هو نقلة نوعية في بنية العلاقة التعاقدية في سوق الإيجارات السعودي. من خلال هذه الخدمة، تعزز المملكة مكانتها كمركز إقليمي في تنظيم العلاقة العقارية والمالية، وتقترب أكثر من تحقيق أهدافها التنموية التي تركز على الشفافية، العدالة، والتحول الرقمي الكامل في القطاعات الحيوية.

المراجع:

1. وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان – منصة إيجار الرسمية.

2. الهيئة العامة للعقار – السعودية، تقارير السوق العقاري 2024.