حسنات خان: الطبيب البريطاني الذي أسر قلب الأميرة ديانا وأبهر العالم بمهنيته
يُعد الدكتور حسنات خان واحداً من أبرز الأطباء في مجال جراحة القلب والصدر في بريطانيا، ليس فقط لمهاراته الطبية وإنجازاته المهنية، بل أيضاً لما ارتبط به من تفاصيل شخصية جعلته محط أنظار الإعلام العالمي، لاسيما بسبب علاقته الشهيرة بالأميرة ديانا. تميزت مسيرة حسنات خان بالمثابرة والتفاني، حيث جمع بين التميز الطبي والانضباط الأخلاقي في بيئة مهنية صعبة ومعقدة، واحتفظ على الدوام بمكانته كأحد أبرز الجراحين الذين ساهموا في تطوير مهنة الطب في بريطانيا. المقال التالي يتناول سيرة هذا الطبيب بشكل موسع، مسلطاً الضوء على خلفيته، مشواره المهني، تأثيره في المجال الطبي، وعلاقته التي ألقت بظلالها على صفحات الصحف الدولية لعقود.
النشأة والبدايات
ولد الدكتور حسنات أحمد خان في باكستان بتاريخ 1 أبريل 1958، في عائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. نشأ في إقليم البنجاب وتحديداً في مدينة جالندر، ضمن بيئة محافظة ومتدينة، حيث تلقى تربية صارمة تقوم على القيم الإسلامية التقليدية، وكان والده رجل أعمال ناجحاً في مجال الهندسة الصناعية. منذ نعومة أظافره، أظهر حسنات ميولاً نحو العلوم والطب، وهو ما شجعه على متابعة دراسته العليا في هذا المجال.
التحق بكلية الطب في جامعة البنجاب في لاهور، حيث درس الطب العام، ثم سافر إلى المملكة المتحدة لمتابعة دراساته التخصصية العليا، وهو مسار اتخذه العديد من الأطباء الطموحين من شبه القارة الهندية في تلك الحقبة.
المشوار الطبي في بريطانيا
بعد وصوله إلى بريطانيا، انخرط الدكتور خان في برامج التدريب الطبي ضمن النظام الصحي البريطاني (NHS)، وبدأ مشواره المهني في واحدة من أصعب وأدق التخصصات: جراحة القلب والصدر. عمل في مستشفيات عديدة في إنجلترا، ونجح في إثبات قدراته الطبية العالية، وخصوصاً في التعامل مع العمليات المعقدة التي تتطلب دقة بالغة وفهماً عميقاً لتشريح القلب ووظائفه.
أصبح في وقت لاحق استشاري جراحة القلب في مستشفى رويال برومبتون ومستشفى هيرفيلد، وهما من أهم المستشفيات البريطانية المتخصصة في أمراض القلب. وقد حظي باحترام كبير من زملائه ومرضاه على حد سواء بسبب تواضعه وأخلاقياته العالية ومهاراته الجراحية.
من المعروف عنه أنه كان يرفض الظهور الإعلامي بشكل قاطع، ويفضل الانغماس في عمله بعيداً عن الأضواء، وهو ما عزز صورته كرجل علم مخلص لا يهتم بالشهرات الزائفة أو الاستغلال الإعلامي لمكانته.
علاقة حسنات خان بالأميرة ديانا
برز اسم حسنات خان عالمياً بعد أن ارتبط عاطفياً بالأميرة الراحلة ديانا، أميرة ويلز. بدأت علاقتهما في عام 1995 حين كانت ديانا تقوم بزيارة لمريض في مستشفى رويال برومبتون، حيث التقت هناك بالدكتور خان، وبدأت بينهما علاقة امتدت لما يقرب من سنتين.
كانت ديانا في تلك الفترة تبحث عن شخصية بعيدة عن البلاط الملكي، تتميز بالصدق والبساطة، وقد وجدت في حسنات تلك المواصفات. كانت تسميه بـ”Mr. Wonderful” في محادثاتها الخاصة، ووصفت علاقتها به في بعض المراسلات بأنها من أكثر الفترات استقراراً في حياتها. رغم الاختلافات الثقافية والدينية والضغوط التي مارستها وسائل الإعلام، إلا أن العلاقة كانت جدية للغاية، حتى أنها فكرت جدياً في اعتناق الإسلام للزواج به.
لكن العقبات العائلية، والاختلافات الثقافية، إلى جانب طبيعة حياة ديانا العامة التي لم يكن حسنات قادراً على التكيف معها، دفعت بالعلاقة إلى نهايتها. انفصلا نهائياً في يوليو 1997، أي قبل أسابيع فقط من وفاة ديانا في حادث سيارة في باريس في أغسطس من نفس العام.
رفض الدكتور خان على مدى سنوات الإدلاء بأي تصريحات إعلامية مستفيضة حول علاقته بالأميرة، وقد ظل وفياً لذكراها دون أن يستغل القصة لأغراض شخصية، ما عزز من احترام الرأي العام له داخل بريطانيا وخارجها.
مساهماته الطبية وأعماله الإنسانية
رغم الشهرة التي نالها بسبب علاقته بالأميرة ديانا، إلا أن إرث الدكتور حسنات خان الحقيقي يتجلى في إنجازاته الطبية والإنسانية. لقد عمل في أماكن مختلفة حول العالم، وخصوصاً في دول العالم الثالث، مقدماً خدمات طبية مجانية، كما شارك في مبادرات لتدريب الكوادر الطبية في باكستان ودول آسيوية أخرى.
بعد سنوات طويلة من العمل في بريطانيا، عاد خان للعمل في باكستان لفترة، حيث عمل في مستشفى خاص في لاهور، كما تولى مناصب استشارية في مؤسسات طبية مرموقة. وقد تم تعيينه عضواً في مجلس أمناء مؤسسة القلب الباكستانية، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بتقديم العناية القلبية للفقراء.
كما شارك في برامج تعليمية داخل باكستان هدفت إلى رفع كفاءة الأطباء المحليين في جراحة القلب، وهو ما ترك أثراً كبيراً على مستوى الخدمات الطبية في البلاد.
السمات الشخصية والمهنية
يمتاز الدكتور حسنات خان بشخصية صارمة في العمل، متواضعة في الحياة الشخصية، وملتزمة بالمبادئ الأخلاقية التي جعلته واحداً من أكثر الأطباء احتراماً في أوساط زملائه ومرضاه. لم يسعَ يوماً إلى الشهرة أو تسويق ذاته، بل كان يرى أن مهنة الطب يجب أن تظل نقية، خالية من الترويج الإعلامي أو المصالح المادية.
كان معروفاً بعدم حبه للظهور، وقد رفض المشاركة في عدة مشاريع إعلامية وسينمائية تناولت قصة حياته وعلاقته بالأميرة ديانا، ومنها الفيلم الشهير “Diana” (2013) الذي تناول العلاقة بينهما، حيث رفض التعليق عليه أو تقديم أي استشارة فنية له، معلناً تحفظه على تجسيد قصة حياته بطريقة درامية.
الجدول التالي يوضح أبرز المحطات المهنية في حياة الدكتور حسنات خان:
| السنة | الحدث |
|---|---|
| 1958 | وُلد في باكستان |
| 1980s | أكمل دراسة الطب العام في جامعة البنجاب |
| 1980s | سافر إلى بريطانيا للتخصص في جراحة القلب والصدر |
| 1995 | بداية العلاقة مع الأميرة ديانا |
| 1997 | نهاية العلاقة ووفاة ديانا بعد أسابيع |
| 2000s | عمل استشاريًا في مستشفى هيرفيلد |
| 2007 | أدلى بشهادته في التحقيق الرسمي بوفاة ديانا |
| 2010s | عاد إلى باكستان للمساهمة في تطوير الرعاية الصحية |
| 2020s | استمر في تقديم الاستشارات الجراحية والمشاركة في الأعمال الخيرية |
الشهادة في تحقيق وفاة ديانا
في عام 2007، طُلب من الدكتور حسنات خان الإدلاء بشهادته ضمن التحقيق البريطاني الرسمي حول وفاة الأميرة ديانا، المعروف بـ “عملية باجيت”. وقد أدلى بشهادة مفصلة تحت القسم أكد فيها أنه لم تكن هناك أي خطط بينه وبين ديانا للزواج رسمياً في وقت وقوع الحادث، نافياً الشائعات التي تحدثت عن وجود حمل أو اتفاق على الزواج بين ديانا ودودي الفايد، ما ساهم في تبديد بعض نظريات المؤامرة المنتشرة آنذاك.
كانت شهادته تتسم بالاتزان والصدق، وقد أثنت عليها المحكمة، ووصفتها بأنها من بين الشهادات الأكثر مصداقية في سياق التحقيقات، ما عزز من مكانته كرجل صادق وهادئ بعيد عن التهويل الإعلامي.
تأثيره على المجتمع البريطاني والجالية الباكستانية
يُعد الدكتور حسنات خان رمزاً هاماً داخل الجالية الباكستانية في بريطانيا، حيث يعتبر نموذجاً للنجاح المهني والنزاهة الأخلاقية. استطاع أن يبني لنفسه اسماً في مجال حساس ومعقد مثل جراحة القلب، في بيئة تنافسية للغاية. وكان حضوره مدعاة فخر للجالية التي طالما واجهت تحديات الاندماج والتمثيل العادل في المؤسسات البريطانية.
كما ساهم وجوده في رفع وعي المجتمع البريطاني بالتنوع العرقي والديني، وأثبت أن الطبيب المسلم يمكن أن يحقق النجاح والقبول المجتمعي في بيئة علمانية، إذا ما تمسك بالجدية والكفاءة.
الحياة الشخصية بعد ديانا
بعد وفاة ديانا، قرر حسنات خان الانزواء عن الحياة العامة بشكل أكبر، وقلل ظهوره العلني إلى أقصى حد ممكن. في عام 2006، تزوج من هدية سبهر، وهي أخصائية في الطب الباطني تنتمي لعائلة باكستانية محافظة، ولكن الزواج لم يستمر طويلاً، وانفصلا في وقت لاحق.
لا يُعرف الكثير عن حياته الخاصة اليوم، إذ لا يملك حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يُجرِ مقابلات صحفية موسعة. هذا التوجه يعكس شخصيته المتحفظة ورغبته في التركيز على مهنته بدلاً من الأضواء الإعلامية.
الإرث المهني والأخلاقي
ما يميز الدكتور حسنات خان ليس مجرد كونه جراح قلب بارع، بل كونه نموذجاً للطبيب الذي يتمسك بالمهنية والإنسانية معاً. لم يسعَ إلى المناصب أو الجوائز، لكنه ترك أثراً عميقاً في حياة مرضاه، ورفع اسم بلاده الأم عالياً في مجال دقيق.
لقد ساهم في تطوير أداء المؤسسات الصحية، وشارك في تدريب أجيال من الجراحين، وساهم في رفع مستوى الرعاية الصحية في الدول النامية. إن سيرة حسنات خان تظل شاهداً على أن التميز الطبي لا يتطلب ضجيجاً إعلامياً، بل يحتاج إلى التواضع، والعمل الجاد، والالتزام المهني الصارم.
الخاتمة
الدكتور حسنات خان هو تجسيد حي لمبدأ أن الطبيب يجب أن يكون في خدمة الإنسانية، وليس في خدمة الشهرة أو السياسة أو المصالح الشخصية. وبينما ظل اسمه متداولاً في الصحافة بسبب علاقته السابقة بالأميرة ديانا، فإن إنجازاته في الطب، وتفانيه في عمله، والتزامه الصارم بالمهنية، تبقى هي ما يُخلّد ذكراه بحق.
المصادر:
-
Diana: Her True Story – In Her Own Words, Andrew Morton.
-
Operation Paget: Report into the Death of Diana, Princess of Wales.
