حسن الترابي: مسيرة ناقد سياسي سوداني وأثره العميق في تاريخ السودان المعاصر

يُعد حسن عبد الله الترابي من أبرز الشخصيات السياسية السودانية وأكثرها تأثيرًا في الحياة السياسية والفكرية في السودان خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. بفضل دوره المحوري في تأسيس الحركة الإسلامية في السودان، ومسيرته الحافلة بالنضال السياسي والديني، برز الترابي كقائد فكر ومفكر سياسي متميز جمع بين الطموحات الدينية والقومية، مع رؤية استشرافية لتحولات السودان السياسية والاجتماعية.

النشأة والتعليم والمسار الفكري

ولد حسن الترابي في 1 فبراير 1932 في ولاية شمال كردفان في السودان، وسط بيئة زراعية تقليدية. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في السودان، ومن ثم انتقل إلى جامعة القاهرة حيث درس القانون. حصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة القاهرة، ثم حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه في القانون من جامعة لندن، حيث كانت دراساته تتركز على القانون الدستوري والعلاقات الدولية، وهو ما أكسبه قاعدة علمية وفكرية صلبة انعكست على توجهاته السياسية في المستقبل.

تميز الترابي بعمق معرفي واسع، كما كان من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين دراسة الإسلام الحديث والعلوم السياسية والقانونية الغربية، وهو ما مكنه من تطوير فكر سياسي يدمج بين التقاليد الإسلامية الحديثة ومتطلبات العصر.

تأسيس الحركة الإسلامية ودوره في السياسة السودانية

في أواخر الستينيات، برز حسن الترابي كقائد للحركة الإسلامية السودانية، وهي جماعة ذات طابع إسلامي سياسي تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية ضمن إطار الدولة الحديثة. أسس الترابي “الحركة الإسلامية” التي أصبحت لاحقًا جزءًا مهمًا من المشهد السياسي السوداني.

تبنى الترابي رؤية تقوم على ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في السودان عبر الإسلام، ورأى في الإسلام نظامًا متكاملاً للحكم والتنمية، لا مجرد شعائر دينية فقط. ارتبط اسمه بمحاولات الدمج بين الإسلام والديمقراطية والحداثة، حيث سعى لترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والديمقراطية الإسلامية.

الانخراط في النظام السياسي بعد انقلاب 1989

شكل انقلاب 1989 الذي قاده عمر البشير نقطة تحول بارزة في حياة حسن الترابي السياسية، إذ أصبح المستشار القانوني والسياسي للنظام الجديد، وعمل وزيرًا للعدل ورئيسًا للمجلس التشريعي، كما لعب دورًا محوريًا في صياغة دستور 1998 الذي حاول تأسيس دولة إسلامية في السودان.

تمكن الترابي في هذه الفترة من ترسيخ أفكار الإسلام السياسي داخل السلطة، واحتل مكانة مهمة كمهندس سياسي وفكري للنظام، إلا أن علاقته بالبشير شهدت توترات متكررة أدت إلى انشقاقات وصراعات سياسية بين الطرفين.

التغيرات السياسية وانشقاق الحركة الإسلامية

خلال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، شهدت الحركة الإسلامية انشقاقات داخلية حادة، وبرزت خلافات حادة بين الترابي والبشير حول قضايا الحكم والإصلاح والسياسة الخارجية. وأدت هذه الخلافات إلى اعتقال الترابي عدة مرات ونفيه سياسيًا لفترات متقطعة، ما أثر بشكل كبير على تأثيره السياسي.

رغم ذلك، ظل الترابي صوتًا قويًا يدعو إلى التغيير والإصلاح، وعاد إلى المشهد السياسي في مراحل متلاحقة، حيث قاد تحالفات سياسية جديدة في محاولة لإعادة تشكيل المعارضة الإسلامية في السودان.

الدور في السلام وإعادة بناء السودان

لعب حسن الترابي دورًا مهمًا في محاولات تحقيق السلام في السودان، خصوصًا في التفاوض حول القضايا المتعلقة بالحروب الأهلية التي دمرّت السودان لعقود طويلة. كان من الداعمين للحوار الوطني الشامل، وشارك في تحالفات سياسية متعددة بهدف إنهاء النزاعات وإعادة بناء الوطن على أساس التعايش السلمي.

سعى الترابي عبر محاولاته المتعددة إلى تحقيق توافق وطني شامل يرتكز على مبادئ العدالة الاجتماعية والتعددية السياسية والاحترام الديني والثقافي، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية في آن واحد.

الفكر السياسي والاجتماعي

قدم حسن الترابي رؤية فكرية تجمع بين الإسلام والسياسة والديمقراطية، حيث دافع عن فكرة أن الإسلام يمكن أن يكون إطارًا للدولة الحديثة التي تحترم الحريات وحقوق الإنسان، مع ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. وكان يؤمن بأهمية الحوار والتعددية كجزء من التجربة السياسية الإسلامية.

كما تناول الترابي في مؤلفاته وأحاديثه موضوعات مثل العلاقة بين الدين والدولة، دور الإسلام في التشريع الحديث، وحقوق الإنسان من منظور إسلامي، مما جعله شخصية محورية في النقاشات الفكرية الإسلامية في السودان والعالم الإسلامي عمومًا.

الإرث والتأثير

يُعتبر حسن الترابي من الشخصيات التي تركت أثرًا عميقًا في السياسة السودانية، سواء من خلال تأسيسه الحركة الإسلامية التي ما زالت مؤثرة، أو من خلال دوره في تشكيل النظام السياسي الذي استمر لعقود. كما أثرى الفكر السياسي الإسلامي في السودان بكتابات وأفكار جديدة مهدت لفهم معاصر للإسلام والدولة.

وبالرغم من الجدل الكبير حول سياساته وتحالفاته، فإن الترابي يظل شخصية لا يمكن تجاهلها عند دراسة تطورات السودان السياسية والاجتماعية خلال فترة طويلة من الزمن.

الجدول التالي يوضح أهم محطات حياة حسن الترابي:

المصادر والمراجع

1. الموسوعة السودانية – قسم الشخصيات السياسية

2. Mamoun, Mohammed. Islamic Politics and Sudan’s Modern History, 2010.

يمثل حسن الترابي نموذجًا معقدًا لقائد سياسي جمع بين الفكر الإسلامي والتجربة السياسية، وأثرى الحياة السياسية السودانية بأفكاره وآرائه التي لا تزال موضوع دراسة ونقاش في السودان وخارجه.