حساسية اللاكتوز عند الرضع

حساسية اللاكتوز عند الرضع: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

تُعدّ حساسية اللاكتوز عند الرضع من أكثر المشكلات الهضمية شيوعًا التي تواجه الأطفال في مراحلهم المبكرة، حيث يعاني فيها الطفل من صعوبة في هضم سكر اللاكتوز، وهو السكر الأساسي الموجود في حليب الأم والحليب الصناعي ومشتقاتهما. تتطلب هذه الحالة عناية خاصة وتشخيصًا دقيقًا لتجنب المضاعفات المرتبطة بسوء التغذية والجفاف والآثار المترتبة على النمو والتطور. يُعتبر فهم هذه الحالة أمرًا أساسيًا لضمان الصحة المثلى للرضيع خاصة خلال الأشهر الأولى من حياته، التي تعد فترة حرجة لنمو الدماغ وتطور الجهاز المناعي.

تعريف حساسية اللاكتوز عند الرضع

حساسية اللاكتوز (Lactose Intolerance) عند الرضع هي حالة يكون فيها الجهاز الهضمي غير قادر على هضم اللاكتوز بشكل كامل بسبب نقص أو غياب إنزيم اللاكتاز (Lactase)، وهو الإنزيم المسؤول عن تكسير اللاكتوز إلى وحداته الأساسية: الجلوكوز والجلاكتوز، ليتم امتصاصهما في الأمعاء الدقيقة.

عندما لا يتم هضم اللاكتوز، يمر دون تغيير إلى الأمعاء الغليظة، حيث يتخمر بواسطة البكتيريا، مما يؤدي إلى إنتاج الغازات والأحماض التي تسبب الأعراض المزعجة المصاحبة للحالة.

الفرق بين حساسية اللاكتوز وحساسية الحليب

من الضروري التفريق بين حساسية اللاكتوز وحساسية بروتين الحليب:

• حساسية اللاكتوز: تتعلق بعدم القدرة على هضم سكر اللاكتوز، وهي مشكلة هضمية لا تتعلق بجهاز المناعة.

• حساسية بروتين الحليب: هي استجابة مناعية غير طبيعية تجاه بروتينات الحليب، وتعد من أشكال الحساسية الغذائية الشائعة عند الرضع.

كثير من الآباء يخلطون بين الحالتين، مما يؤدي إلى اتباع أنظمة غذائية غير مناسبة قد تضر بصحة الرضيع.

أنواع حساسية اللاكتوز عند الرضع

يمكن تصنيف حساسية اللاكتوز عند الرضع إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

1. الحساسية الأولية (Primary Lactose Intolerance)
   
   وهي نادرة جدًا في الرضع وتحدث عندما يُولد الطفل مع نقص وراثي في إنزيم اللاكتاز. تظهر هذه الحالة بشكل أكثر شيوعًا في المراحل اللاحقة من الطفولة أو البلوغ، ونادرًا ما تُشخّص في الأشهر الأولى من الحياة.

2. الحساسية الثانوية (Secondary Lactose Intolerance)
   
   وهي أكثر الأنواع شيوعًا بين الرضع، وتحدث نتيجة تضرر بطانة الأمعاء الدقيقة بسبب الإصابة بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية أو الالتهاب المزمن، مما يؤدي إلى نقص مؤقت في إنتاج اللاكتاز.

3. الحساسية الخلقية (Congenital Lactase Deficiency)
   
   وهي حالة وراثية نادرة جدًا، يُولد فيها الرضيع دون أي قدرة على إنتاج إنزيم اللاكتاز نهائيًا. وتُعد من الحالات الخطيرة التي تظهر أعراضها فور بدء الرضيع بتناول الحليب.

الأسباب والعوامل المؤثرة

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور حساسية اللاكتوز عند الرضع، منها ما هو خلقي ومنها ما هو مكتسب:

• العوامل الوراثية: تلعب دورًا في الإصابة بالحساسية الخلقية.

• الإصابة بعدوى في الجهاز الهضمي: مثل فيروس الروتا أو الإشريكية القولونية، التي قد تسبب التهاب الأمعاء الدقيقة وتلف الخلايا المنتجة للاكتاز.

• العلاج بالمضادات الحيوية أو العلاج الكيميائي: يمكن أن يؤثر سلبًا على الفلورا المعوية وصحة الغشاء المخاطي للأمعاء.

• سوء التغذية: خاصة عند الأطفال الذين يعانون من نقص في العناصر الأساسية للنمو السليم للخلايا المعوية.

الأعراض الشائعة

تظهر أعراض حساسية اللاكتوز عند الرضع خلال فترة قصيرة بعد تناول الحليب، وتختلف في شدتها حسب درجة نقص إنزيم اللاكتاز:

• الإسهال المزمن أو المائي

• الغازات الزائدة والانتفاخ

• المغص والبكاء المفرط

• التقيؤ أو الارتجاع

• احمرار الجلد حول فتحة الشرج بسبب الإسهال المتكرر

• ضعف في الوزن أو توقف النمو في الحالات المزمنة

هذه الأعراض قد تتشابه مع حالات مرضية أخرى، مما يتطلب تشخيصًا دقيقًا لتحديد السبب الحقيقي.

تشخيص حساسية اللاكتوز

يشمل تشخيص حساسية اللاكتوز عند الرضع عدة خطوات وإجراءات طبية لتأكيد الحالة واستبعاد الأسباب الأخرى:

1. التاريخ الطبي والفحص السريري
   
   يطرح الطبيب أسئلة عن توقيت الأعراض، نوع الحليب المستهلك، وجود أمراض أخرى، ويجري فحصًا بدنيًا عامًا.

2. اختبار تحمل اللاكتوز
   
   يُعطى الرضيع كمية صغيرة من اللاكتوز ويُراقب مستوى السكر في الدم. انخفاض مستوى السكر يشير إلى وجود مشكلة في امتصاص اللاكتوز.

3. اختبار الحموضة في البراز
   
   وجود حمض اللاكتيك يشير إلى تخمر اللاكتوز غير المهضوم في الأمعاء الغليظة.

4. تحليل الهيدروجين في التنفس
   
   يقيس نسبة الهيدروجين في هواء الزفير بعد تناول اللاكتوز. ارتفاع النسبة يدل على سوء امتصاص اللاكتوز.

5. الفحوصات الجينية
   
   تُستخدم لتأكيد الإصابة بالحساسية الخلقية عند وجود تاريخ عائلي للحالة.

جدول يوضح الفرق بين أنواع الحساسية المرتبطة بالحليب

علاج حساسية اللاكتوز عند الرضع

يعتمد العلاج على نوع الحساسية وشدتها، كما يتضمن تدابير غذائية وأحيانًا طبية:

1. الحالات المؤقتة (الحساسية الثانوية)

• التوقف المؤقت عن تناول الحليب الذي يحتوي على اللاكتوز.

• استخدام حليب صناعي خالٍ من اللاكتوز أو منخفض اللاكتوز حتى تعافي الأمعاء.

• العودة التدريجية إلى الحليب العادي بعد الشفاء الكامل من العدوى.

2. الحالات الدائمة (الحساسية الخلقية)

• الاعتماد على حليب صناعي خالٍ من اللاكتوز مدى الحياة.

• مراقبة نمو الطفل وتزويده بالمكملات الغذائية حسب الحاجة لتعويض العناصر التي توجد في الحليب الطبيعي.

3. العلاجات المساندة

• استخدام مكملات إنزيم اللاكتاز المتوفرة على شكل قطرات تضاف إلى الحليب.

• المراقبة المستمرة للأعراض والتحاليل لمتابعة الحالة.

النظام الغذائي للرضيع المصاب

يجب أن يتبع الرضيع المصاب بنقص اللاكتاز نظامًا غذائيًا متوازنًا وخالٍ من اللاكتوز، يتضمن:

• الحليب الصناعي الخالي من اللاكتوز.

• تجنب منتجات الألبان التقليدية.

• قراءة المكونات الغذائية جيدًا لتجنب مصادر خفية للاكتوز.

• في بعض الحالات، يسمح بتناول كميات صغيرة من الحليب مع الإنزيم اللاكتازي.

ويُنصح دائمًا بإشراف الطبيب أو أخصائي تغذية للأطفال لتفادي نقص الكالسيوم وفيتامين د المهمين لنمو العظام.

دور الرضاعة الطبيعية

الرضاعة الطبيعية تظل الخيار الأفضل للرضيع، حتى في حالات حساسية اللاكتوز الثانوية المؤقتة. حليب الأم يحتوي على عوامل مناعية ومركبات تساعد على شفاء الأمعاء وتعزيز نمو البكتيريا النافعة.

لكن في الحالات النادرة للحساسية الخلقية، يجب التوقف عن الرضاعة الطبيعية واللجوء إلى بدائل خالية من اللاكتوز تحت إشراف طبي صارم.

التعايش مع حساسية اللاكتوز عند الرضع

رغم أن الحالة قد تبدو مقلقة في البداية، فإن الكثير من الرضع يتغلبون عليها تمامًا خاصة عند إصابتهم بالنوع الثانوي المؤقت. من خلال التشخيص المبكر، والعلاج المناسب، ونظام غذائي متوازن، يمكن تحقيق نمو طبيعي للرضيع دون عوائق.

في حالات الحساسية الوراثية الدائمة، يمكن للأسرة تعلم كيفية التعايش وتوفير التغذية البديلة دون التأثير على صحة الطفل، مع الحرص على المتابعة الطبية المنتظمة لضمان تعويض أي نقص غذائي محتمل.

المصادر العلمية

1. National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK) – Lactose Intolerance

2. American Academy of Pediatrics (AAP) – Pediatric Nutrition Guidelines for Lactose Intolerance