حرية المرأة في الإسلام

حرية المرأة في الإسلام

يُعدّ الحديث عن حرية المرأة في الإسلام من المواضيع الحيوية التي أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل والنقاش في الأوساط الفكرية والدينية والاجتماعية. ويعود هذا الجدل إلى عوامل متعددة أبرزها التداخل بين الفهم الثقافي والاجتماعي للنصوص الدينية، وبين الأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام بخصوص المرأة، فضلًا عن ما تعرض له هذا الموضوع من تشويه وتضليل متعمد أو ناتج عن الجهل في بعض الأحيان، سواء في المجتمعات المسلمة أو في الأوساط الغربية التي غالبًا ما تنظر إلى المرأة المسلمة من منظور استشراقي نمطي. ومن هذا المنطلق، فإن فهم حرية المرأة في الإسلام يتطلب العودة إلى مصادره الأصلية، أي القرآن الكريم والسنة النبوية، والنظر في التجربة التاريخية للمجتمعات الإسلامية بعيدًا عن التحريفات والتقاليد البالية.

مفهوم الحرية في المنظور الإسلامي

الحرية في الإسلام ليست حالة انفلات أو نفي للقيود، وإنما هي حرية مسؤولة، منضبطة بضوابط شرعية وأخلاقية. وهي تشمل حرية العقيدة، وحرية التفكير، وحرية التعبير، وحرية التملك، وحرية العمل، وغيرها. والإسلام عندما تحدث عن الحرية، لم يميز بين الرجل والمرأة، بل جعل الحرية حقًّا إنسانيًّا أصيلًا لكل فرد. وهذا ما يؤكده قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، فالخطاب هنا شامل للذكر والأنثى، مما يعني أن أصل الكرامة والحرية مكفول للمرأة كما هو للرجل.

المرأة في المجتمعات الجاهلية قبل الإسلام

لفهم قيمة الحرية التي منحها الإسلام للمرأة، يجب أولًا الوقوف على حال المرأة قبل الإسلام. فقد كانت تُعامل في الجاهلية كسلعة تباع وتُشترى، وكان يُحرَم عليها الإرث، ويُعتبر وجودها عارًا يدفع بعض الآباء إلى وأد بناتهم وهن أحياء خشية الفقر أو العار، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9]. وكانت المرأة لا تملك حق اختيار زوجها، ولا حق رفضه، وكانت محرومة من التعليم والمشاركة في الشأن العام.

تحرير المرأة في التشريع الإسلامي

جاء الإسلام بقفزة نوعية وحاسمة في وضع المرأة، وأعاد لها كرامتها التي سُلبت، وكرّس لها حقوقًا لم تكن تتمتع بها في المجتمعات السابقة، بل ولم تتمتع بها النساء في المجتمعات الغربية إلا بعد قرون من النضال.

حق المرأة في التعلم

من أولى صور الحرية التي أقرها الإسلام للمرأة هو حقها في طلب العلم، إذ قال النبي ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، وقد فسره العلماء بأنه يشمل المسلمة كذلك. وكانت النساء يحضرن مجالس النبي، ويسألنه، بل وخصص لهن النبي يومًا يعظهن فيه، وكانت عائشة رضي الله عنها من أبرز رواة الحديث والمفسرات والفقهيات.

حق المرأة في التملك والتصرف المالي

منح الإسلام المرأة حرية كاملة في التملك والتصرف في أموالها، دون وصاية من والد أو زوج. قال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: 7]. وهذا نص قرآني صريح في حق المرأة في الإرث، وهو ما لم تكن تتمتع به قبل الإسلام، بل حتى في أوروبا لم يُعترف للمرأة بحقوقها المالية إلا في أواخر القرن التاسع عشر.

حق المرأة في العمل

الإسلام لم يمنع المرأة من العمل، بل شجعها عليه إذا كان ذلك في إطار الضوابط الشرعية، شريطة أن لا يترتب عليه فتنة أو تفريط في واجباتها الأسرية. وقد عملت الصحابيات في ميادين متنوعة، من الزراعة والتجارة، إلى التعليم والطب والتمريض. ومن أشهر الأمثلة على ذلك، خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت سيدة أعمال ناجحة في زمانها.

حق المرأة في المشاركة السياسية والمجتمعية

شاركت المرأة في الحياة السياسية في صدر الإسلام، وكانت تُؤخذ بيعتها، كما حدث في بيعة العقبة الثانية. وقد شاركت النساء في الشورى والرأي، كما شاركن في الغزوات والمعارك بالتمريض والدعم اللوجستي، بل وفي نقل الأخبار والتحليل السياسي كما في دور الصحابية الشفاء بنت عبد الله.

الحرية الشخصية وحق اختيار الزوج

منح الإسلام المرأة حرية اختيار زوجها، ورفض من لا ترغب فيه، واشترط رضاها لصحة عقد الزواج. قال النبي ﷺ: “لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن” [رواه البخاري]. بل جعل لها حق فسخ الزواج إذا كانت متضررة، كما في حديث امرأة ثابت بن قيس حين طلبت الخلع، ولم يُجبرها النبي ﷺ على البقاء معه.

الحرية الدينية وحرية المعتقد

المرأة، كالرجل، لها الحق في حرية العقيدة، دون إكراه أو إجبار. قال الله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وهو خطاب شامل للناس جميعًا. والقرآن لم يمنع المرأة من الزواج من غير المسلم إذا لم تكن مسلمة، كما في حالة أهل الكتاب قبل نزول الحكم الذي حرم زواج المسلمة من غير المسلم لاحقًا.

الفروقات بين المساواة والتكامل

من المهم التمييز بين مفهوم المساواة ومفهوم العدالة في الإسلام. فالإسلام لا ينادي بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل شيء، بل ينادي بالعدالة القائمة على الفطرة والتكامل بين الجنسين. فلكل منهما خصائصه البيولوجية والنفسية والاجتماعية، ومن ثم تختلف الأدوار والوظائف في بعض المجالات، لا على سبيل التمييز، بل على سبيل التكامل. فكما لا يُطلب من الرجل الحمل والرضاعة، لا يُطلب من المرأة النفقة على الأسرة. وبهذا التوازن تتحقق العدالة لا الظلم.

المرأة بين النص الشرعي والتطبيق الثقافي

كثير من الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة في المجتمعات الإسلامية ليست نابعة من الإسلام ذاته، بل من الموروثات الثقافية والاجتماعية التي تسربت إلى المجتمعات وأُلصقت ظلمًا بالإسلام. فالحجاب، مثلًا، ليس رمزًا للاضطهاد كما يصوره البعض، بل هو مظهر من مظاهر العفة والهوية. وتعدد الزوجات، وإن كان مباحًا في الإسلام، إلا أنه مشروط بعدلٍ صارم، وليس قاعدة عامة كما يُصوَّر. والضرب في بعض النصوص، وإن ورد، إلا أنه مقيد بضوابط دقيقة بل ويُعدّ آخر وسائل الإصلاح بعد استنفاد كل الطرق، وليس كما يُمارس في بعض البيئات من عنف منزلي تحت غطاء ديني زائف.

المرأة في عصر النبوة: نماذج حية للحرية

لإدراك مدى ما بلغته المرأة من حرية في الإسلام، يكفي الرجوع إلى سيرة الصحابيات الجليلات، حيث نجد أسماء بنت أبي بكر، التي كانت مثالًا للمرأة القوية الحكيمة، حملت الطعام للنبي في الهجرة، وعارضت الحجاج بن يوسف في خطبته الشهيرة. ونجد فاطمة الزهراء، التي ناقشت الخليفة في حقها في فدك بكل أدب ووعي. ونجد نسيبة بنت كعب، التي حملت السيف دفاعًا عن النبي في أحد، حتى أصيبت في جسدها بأكثر من جرح.

الحرية الفكرية والأدبية للمرأة

لم تُحرم المرأة في الإسلام من التعبير عن رأيها أو المشاركة في النقاشات العلمية والفكرية. فقد كانت هناك نساء عالمات في التفسير والحديث والفقه والأدب. فكانت فاطمة الفهرية التي أسست أول جامعة في العالم الإسلامي، جامعة القرويين. وكانت عائشة بنت طلحة خطيبة وشاعرة، وكان للمرأة حضور أدبي في العصر الأموي والعباسي بما يفوق ما هو متاح في كثير من المجتمعات الحديثة.

المرأة بين الإسلام والغرب: مقارنة منهجية

بينما نالت المرأة في الإسلام حريتها منذ أربعة عشر قرنًا، لم تتحصل المرأة الغربية على بعض حقوقها الأساسية مثل التعليم والتصويت والميراث إلا بعد نضال طويل استمر حتى القرن العشرين. وفي كثير من الأحيان، لم تأت تلك الحريات إلا بعد أن أُفرغت من قيمها الأخلاقية، فصارت المرأة سلعة إعلامية واستهلاكية. في المقابل، يحفظ الإسلام للمرأة حريتها وكرامتها وإنسانيتها، ويجمع بين التحرر الحقيقي والقيم الأخلاقية.

الجدول التالي يوضح بعض الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة مقارنة بالأنظمة الوضعية الحديثة:

خاتمة منهجية

حرية المرأة في الإسلام ليست مجرد شعار أو ادعاء، بل هي واقع موثّق في النصوص الشرعية والسيرة النبوية، وتجربة حية عاشتها نساء المسلمين منذ بزوغ فجر الرسالة. ومع ذلك، فإن هذه الحرية تظل رهينة الفهم الصحيح للنصوص، والتطبيق العادل لأحكام الشريعة، ومحاربة العادات والتقاليد التي تناقض جوهر الإسلام. ومن هنا فإن تمكين المرأة في المجتمعات المسلمة لا يكون باستيراد نماذج خارجية لا تنسجم مع الهوية، وإنما بإحياء النموذج الإسلامي الأصيل الذي يجمع بين الحرية والكرامة، وبين المسؤولية والعدالة.

المراجع:

1. القرضاوي، يوسف. المرأة في ميزان الإسلام. مكتبة وهبة، القاهرة.

2. محمد عمارة. المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة. دار الشروق.