الحروق عند الأطفال: درجاتها، وإسعافاتها الأولية، وطرائق علاجها

تُعد الحروق من أكثر الإصابات شيوعًا وخطورة لدى الأطفال، حيث تشكل تهديدًا مباشرًا على صحتهم الجسدية والنفسية، خاصة في المراحل العمرية المبكرة التي تقل فيها القدرة على تجنب مصادر الخطر أو التعامل مع الحوادث بطريقة آمنة. تختلف خطورة الحروق حسب درجتها ومكانها ومساحتها، كما تختلف طريقة التدخل العلاجي والإسعاف الأولي باختلاف كل حالة. يتطلب التعامل مع حروق الأطفال معرفة علمية دقيقة، تجمع بين الفهم العميق لتصنيفات الحروق والقدرة على تقديم الإسعاف الفوري الملائم واتخاذ التدابير العلاجية الضرورية لتفادي المضاعفات.

أولاً: التصنيف العلمي لدرجات الحروق

تصنف الحروق اعتمادًا على مدى عمق تأثيرها في أنسجة الجلد. يُعد هذا التصنيف أساسًا في تحديد خطة العلاج وتقدير خطر الإصابة بالتشوهات أو العدوى.

1. الحروق من الدرجة الأولى (First-degree burns)

تُعد الأخف من حيث الخطورة، إذ تصيب الطبقة السطحية من الجلد (البشرة). تظهر أعراضها على هيئة احمرار، ألم خفيف، وجفاف الجلد دون ظهور بثور. من الأمثلة الشائعة على هذا النوع: حروق الشمس الخفيفة.

2. الحروق من الدرجة الثانية (Second-degree burns)

تشمل طبقتين من الجلد: البشرة والأدمة. وتتميز بظهور فقاعات (بثور مملوءة بسائل)، مع ألم شديد واحمرار. قد تتطلب هذه الحروق رعاية طبية، خاصة إذا تجاوزت مساحتها 5٪ من الجسم لدى الطفل.

3. الحروق من الدرجة الثالثة (Third-degree burns)

هي أخطر أنواع الحروق، إذ تدمر جميع طبقات الجلد، وقد تصل إلى الأنسجة الدهنية والعضلات والعظام. يُلاحظ في هذه الحالة فقدان الإحساس بالألم في المنطقة المصابة نتيجة تلف النهايات العصبية، ويكون لون الجلد أبيض أو أسود أو متفحم.

ثانيًا: الأسباب الشائعة لحروق الأطفال

تتنوع مسببات الحروق عند الأطفال، وغالبًا ما ترتبط ببيئة المنزل نتيجة غياب إجراءات السلامة أو الإشراف الكافي.

• السوائل الساخنة: تُعد السبب الأكثر شيوعًا، خاصة انسكاب الماء أو الشاي المغلي.

• اللهب والنار المكشوفة: كحوادث الطهي أو اللعب بالقرب من المدافئ أو الشموع.

• السوائل الكيماوية: مثل المنظفات والمبيضات والمواد الكاوية.

• الحروق الكهربائية: نتيجة ملامسة مقابس الكهرباء أو أسلاك مكشوفة.

• الحروق بالاحتكاك أو الأشعة: مثل الانزلاق على الأسطح الخشنة أو حروق الشمس.

ثالثًا: الإسعافات الأولية لحروق الأطفال

الإسعاف الأولي السليم له دور محوري في الحد من المضاعفات وتعجيل الشفاء. يجب أن يتم بسرعة ودقة فور وقوع الحادث، ويختلف باختلاف نوع الحرق.

1. خطوات إسعاف الحروق الحرارية

• إبعاد الطفل عن مصدر الحرارة فورًا.

• تبريد موضع الحرق عبر وضعه تحت ماء فاتر (وليس باردًا جدًا أو مثلجًا) لمدة 10 إلى 20 دقيقة.

• عدم وضع الثلج أو الزبدة أو المعجون أو أي مواد شعبية قد تزيد الضرر.

• تغطية المنطقة المصابة بضمادة نظيفة ومعقمة أو قماش قطني نظيف.

• رفع الجزء المصاب إن أمكن للتقليل من التورم.

• عدم محاولة ثقب الفقاعات الجلدية لمنع العدوى.

• نقل الطفل إلى أقرب مركز طبي خاصة في حال وجود حروق من الدرجة الثانية أو الثالثة، أو إذا كانت المساحة المصابة كبيرة.

2. إسعاف الحروق الكيميائية

• إزالة الملابس الملوثة على الفور.

• غسل الجلد بكمية وفيرة من الماء الجاري لمدة لا تقل عن 20 دقيقة.

• تجنب لمس المادة الكيميائية مباشرة.

• نقل الطفل للمشفى لتقديم الرعاية المتخصصة.

3. إسعاف الحروق الكهربائية

• فصل مصدر الكهرباء أولًا بطريقة آمنة.

• عدم لمس الطفل مباشرة قبل التأكد من زوال الخطر.

• فحص النبض والتنفس، والقيام بإنعاش قلبي رئوي إن لزم.

• الاتصال بالإسعاف فورًا.

رابعًا: طرائق علاج الحروق عند الأطفال

يُبنى علاج الحروق على نوعها ودرجتها وموقعها، وتشمل الخطة العلاجية المحاور التالية:

1. العلاج المنزلي للحروق البسيطة

• استخدام مراهم الحروق الموضعية مثل التي تحتوي على سلفاديازين الفضة.

• إعطاء مسكنات ألم مناسبة لعمر الطفل مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.

• تغيير الضمادات بشكل دوري مع الحفاظ على نظافة المكان المصاب.

• مراقبة علامات العدوى مثل الاحمرار الزائد، خروج صديد، أو ارتفاع الحرارة.

2. العلاج في الحالات المتوسطة والشديدة

• الرعاية في وحدة متخصصة بالحروق إذا كانت الإصابة شديدة.

• العلاج الوريدي بالسوائل للحفاظ على توازن الجسم.

• إعطاء مضادات حيوية في حال وجود خطر عدوى.

• عمليات تنظيف الجلد أو إزالة الأنسجة الميتة (Debridement).

• الترقيع الجلدي في حالات الحروق العميقة التي لا تلتئم تلقائيًا.

خامسًا: المضاعفات المحتملة لحروق الأطفال

تزداد المضاعفات كلما زادت شدة الحرق أو تأخر التدخل العلاجي. تشمل أبرز المضاعفات ما يلي:

• العدوى البكتيرية، والتي قد تتطور إلى تسمم دموي في حالات نادرة.

• فقدان السوائل والجفاف الحاد.

• الندوب الدائمة وتشوهات الجلد.

• القيود الحركية الناتجة عن تليف الجلد أو فقدان مرونته في المفاصل.

• الصدمات النفسية، خاصة في حالات الحروق المروعة أو المزمنة.

سادسًا: الوقاية من الحروق عند الأطفال

تُعد الوقاية المحور الأساسي في تقليل معدلات الإصابات بالحروق، ويمكن تحقيقها باتباع إرشادات السلامة المنزلية وتوعية الأهل.

في المطبخ:

• إبعاد الأطفال عن مواقد الطبخ.

• وضع الأواني على النار بمقابض متجهة إلى الداخل.

• عدم حمل الطفل أثناء الطهو.

في الحمام:

• فحص حرارة الماء قبل استحمام الطفل.

• تركيب منظمات حرارة للحنفيات.

في الغرف:

• إبعاد المدافئ والأسلاك الكهربائية عن متناول الأطفال.

• تغطية مقابس الكهرباء بأغطية آمنة.

في البيئة العامة:

• تعليم الطفل عدم الاقتراب من النيران أو الألعاب النارية.

• مراقبة الأطفال في الرحلات والنزهات.

سابعًا: الجوانب النفسية والتأهيلية لحروق الأطفال

لا تقتصر تداعيات الحروق على الجانب الجسدي فقط، بل تمتد إلى آثار نفسية طويلة المدى، خاصة إذا خلفت الحروق ندوبًا أو إعاقات.

• الدعم النفسي عنصر أساسي لإعادة دمج الطفل في المجتمع.

• جلسات العلاج النفسي السلوكي مفيدة في التعامل مع الاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة.

• العلاج الطبيعي والتأهيلي يُستخدم لتحسين مرونة المفاصل وتقوية العضلات المصابة.

• الجراحات التجميلية والترقيع تُجرى لاحقًا لتحسين المظهر الوظيفي والشكلي.

ثامنًا: جدول يوضح الفرق بين درجات الحروق وأعراضها وطرق التعامل معها

تاسعًا: أهمية التوعية المجتمعية والتدريب على الإسعافات الأولية

يجب على الأسر والمدارس والمراكز المجتمعية الاستثمار في التوعية المستمرة بمخاطر الحروق وكيفية التعامل معها. تشمل هذه التوعية:

• دورات تدريبية في الإسعافات الأولية.

• نشرات ومواد توعوية في المرافق العامة.

• دمج مفاهيم السلامة المنزلية في مناهج الأطفال.

• إشراك الطفل في فهم المخاطر بطريقة تعليمية غير مخيفة.

عاشرًا: التوصيات النهائية لسلامة الطفل من الحروق

منع الحروق لا يقل أهمية عن علاجها. لا يمكن القضاء على هذه الإصابات نهائيًا، لكن يمكن تقليل نسب حدوثها عبر ترسيخ ثقافة السلامة والانتباه، خاصة أن الأطفال أكثر عرضة بسبب فضولهم وعدم وعيهم الكامل بالمخاطر. إن تأمين بيئة آمنة، وتوفير التوعية المناسبة، والتدخل العلاجي المبكر، يشكل منظومة متكاملة لحماية الطفل من أخطار الحروق.

المراجع:

1. WHO – Burns: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/burns

2. American Burn Association – Burn Prevention Resources: https://ameriburn.org/prevention/