لماذا تحتاج المرأة للنوم أكثر من الرجل؟

تُعد مسألة اختلاف حاجات النوم بين المرأة والرجل من الظواهر التي حظيت باهتمام واسع في الأبحاث العلمية الحديثة، حيث كشفت دراسات عدة عن أن النساء عمومًا يحتجن إلى وقت نوم أطول مقارنة بالرجال. هذا الفارق في حاجة النوم ليس مجرد صدفة أو معتقد شائع، بل يعتمد على أسس بيولوجية ونفسية وعصبية معقدة تتداخل فيها عوامل متعددة تؤثر على نوعية النوم ومدته. في هذا المقال سيتم تناول شرح مفصل لأسباب هذا الاختلاف، بدءًا من الفروق الفسيولوجية في الدماغ ووظائف الجسم، مرورًا بالتغيرات الهرمونية والنفسية، وصولًا إلى العوامل الاجتماعية والبيئية التي تلعب دورًا في تحديد مقدار النوم الذي تحتاجه المرأة.

الفروق الفسيولوجية في الدماغ وأثرها على النوم

تشير الدراسات العصبية إلى وجود اختلافات كبيرة في بنية ووظيفة الدماغ بين الرجل والمرأة تؤثر على الحاجة إلى النوم. أظهرت الأبحاث أن أدمغة النساء تميل إلى أن تكون أكثر تعقيدًا في الشبكات العصبية المرتبطة بالوظائف المعرفية، مثل التفكير المتعدد المهام، والتواصل، والذاكرة العاطفية. هذا التعقيد العصبي يعني أن الدماغ الأنثوي يعمل بمستوى نشاط مرتفع خلال النهار، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف أكبر للموارد العصبية وبالتالي حاجته إلى المزيد من النوم لاستعادة النشاط.

الدماغ خلال النوم يقوم بعملية إصلاح وتنظيف للخلايا العصبية، إذ يُفرز فيه ما يسمى بالسائل الدماغي الشوكي الذي ينظف المخ من السموم والفضلات الناتجة عن النشاط اليومي. وبما أن الدماغ الأنثوي يتطلب معالجة معلومات أكثر تنوعًا، فإنه يحتاج إلى فترة نوم أطول لاستكمال هذه العمليات بكفاءة.

التغيرات الهرمونية وتأثيرها على نمط النوم

تتأثر حاجة المرأة للنوم بشدة بالتقلبات الهرمونية التي تمر بها خلال مراحل حياتها المختلفة، بداية من مرحلة البلوغ، مرورًا بفترات الحيض، الحمل، وبعد الولادة، وصولًا إلى سن اليأس.

• الحيض والدورة الشهرية: يؤدي تغير مستويات هرمون البروجسترون والاستروجين إلى تأثير مباشر على نوعية النوم ومدة الحاجة إليه. فمثلاً، في بعض مراحل الدورة الشهرية، مثل فترة ما قبل الحيض، تشعر المرأة بتعب وإرهاق أكبر، ما يجعل حاجتها إلى النوم أكثر من المعتاد. هرمون البروجسترون يمتلك تأثيرًا مهدئًا على الجهاز العصبي المركزي، مما قد يسبب النعاس والرغبة في النوم لفترات أطول.

• الحمل: خلال الحمل، تخضع النساء لتغيرات هرمونية شديدة مع زيادة في هرمونات مثل البروجسترون والاستروجين التي تؤثر على مركز تنظيم النوم. بالإضافة إلى ذلك، تغيرات جسدية مثل زيادة حجم الرحم والضغط على الحوض، وحركات الجنين، تؤدي إلى صعوبات في النوم والحاجة إلى تعويض ذلك بزيادة في عدد ساعات النوم.

• سن اليأس: مع دخول المرأة مرحلة انقطاع الطمث، تنخفض مستويات هرمونات الأنوثة بشكل كبير، مما يؤدي إلى اضطرابات في النوم مثل الأرق والهبات الساخنة، فيزيد معدل النوم غير المنتظم ويحتاج الدماغ إلى مزيد من الوقت للتعويض.

الاختلافات النفسية والوظائف العقلية

تتميز النساء عن الرجال بميولهن الطبيعية للقيام بمهام متعددة في نفس الوقت، مثل الموازنة بين العمل، الأسرة، والعلاقات الاجتماعية، وهذا يتطلب من الدماغ حالة مستمرة من التنقل بين المهام المتعددة، ما ينتج عنه إجهاد عقلي ونفسي أكبر مقارنة بالرجل. يحتاج هذا الإجهاد المعرفي إلى فترة أطول من الراحة لاستعادة التوازن الذهني والعاطفي، والذي يتحقق غالبًا عن طريق النوم.

أيضًا، النساء أكثر عرضة لحالات القلق والاكتئاب التي تؤثر على جودة النوم. الأبحاث أثبتت أن اضطرابات المزاج ترتبط بتغيرات في أنماط النوم، مما يزيد من حاجة المرأة إلى النوم لتعويض أوقات فقدان النوم أثناء المعاناة من هذه الاضطرابات.

تأثير العوامل الاجتماعية والبيئية

المرأة في أغلب المجتمعات تتحمل أدوارًا متعددة ومعقدة تتطلب منها التنقل بين عدة مهام يوميًا، مثل رعاية الأطفال، المسؤوليات المنزلية، والعمل، وهذا العبء الاجتماعي يضيف مزيدًا من الضغط البدني والعقلي الذي يتطلب تعويضه بزيادة النوم.

إضافة إلى ذلك، دور المرأة في رعاية الأطفال الرضع يؤثر على نمط نومها بشكل خاص، إذ أن نوم الأم يكون متقطعًا بسبب الاستيقاظ المتكرر لإرضاع الطفل أو العناية به، ما يجعل جسمها يحتاج إلى النوم لفترات أطول لتعويض النقص في جودة النوم.

الفروق في دورة النوم بين الرجل والمرأة

توجد فروق واضحة في أنماط النوم بين الجنسين على مستوى المراحل المختلفة للنوم. أظهرت الدراسات أن النساء تميل إلى قضاء وقت أطول في مرحلة النوم العميق (نوم حركة العين غير السريعة) الذي يعتبر مرحلة أساسية لاستعادة النشاط البدني والعقلي، في حين أن الرجال يميلون إلى قضاء وقت أطول في مرحلة النوم الخفيف.

تساعد مرحلة النوم العميق على تعزيز الوظائف المعرفية وتحسين الذاكرة، والنساء بسبب طبيعة دماغهن المتطلبة من الناحية العصبية، يحتجن إلى مزيد من هذه المرحلة لتعزيز صحة الدماغ والوظائف النفسية.

اضطرابات النوم عند النساء وارتباطها بزيادة الحاجة للنوم

تُعاني النساء بشكل أكبر من اضطرابات النوم المختلفة مقارنة بالرجال، مثل الأرق، متلازمة توقف التنفس أثناء النوم، ومتلازمة تململ الساقين. هذه الاضطرابات تؤثر على جودة النوم، وتدفع المرأة إلى الحاجة لنوم أطول لتعويض النقص في الفترات العميقة للنوم.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني بعض النساء من مشاكل في توقيت النوم بسبب اختلاف ساعات العمل أو ضغوط الحياة اليومية، ما يجعل الجسم يطلب تعويضًا عبر ساعات نوم إضافية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين حاجات النوم وعوامل التأثير بين الرجال والنساء:

الخلاصة

تتعدد الأسباب التي تجعل المرأة تحتاج إلى النوم أكثر من الرجل، فهي تشمل الجوانب البيولوجية المتعلقة بتركيب الدماغ والوظائف العصبية، والتغيرات الهرمونية المتكررة خلال مراحل الحياة المختلفة، إلى جانب العوامل النفسية والاجتماعية التي تضيف عبئًا إضافيًا على المرأة. زيادة الحاجة للنوم ليست فقط كمية بل تشمل جودة النوم وعمقه الذي يؤثر بشكل مباشر على صحة الدماغ والجسم. لذا فإن فهم هذه الفروقات يساهم في تقدير أهمية النوم لدى المرأة ويشجع على توفير بيئة صحية تدعم حصولها على نوم كافٍ ومريح يعزز من صحتها النفسية والجسدية.

المصادر والمراجع

• Bank, A., et al. (2020). “Sex differences in sleep: Impact of hormones and implications for women’s health.” Sleep Medicine Reviews, 50, 101243.

• Kline, C.E. (2015). “The bidirectional relationship between exercise and sleep: Implications for exercise adherence and sleep improvement.” American Journal of Lifestyle Medicine, 11(2), 147-156.