جمانة حداد: نفوذ فكر وثقافة

جمانة حداد: هل هي المرأة الأكثر نفوذاً في العالم؟

في زمن يعاد فيه تعريف مفاهيم القوة والنفوذ والتمكين، تبرز أسماء نسائية شكلت حضوراً فارقاً في المشهدين الثقافي والسياسي ليس فقط على مستوى بلادهن، بل على الصعيد العالمي. من بين هذه الشخصيات تتجلى جمانة حداد بوصفها واحدة من أبرز الكاتبات والناشطات اللبنانيات والعربيات المعاصرات، التي استطاعت أن تكسر القوالب الجاهزة، وأن تتجاوز الصيغ التقليدية للمرأة في المجتمع العربي. فهي شاعرة، وكاتبة، ومترجمة، وناشطة سياسية وثقافية، ووجه إعلامي معروف، وتمثل نموذجًا استثنائيًا لامرأة عربية فرضت حضورها في المشهد الثقافي العالمي من خلال فكرها الحر ومواقفها الجريئة.

يتعدى تأثير جمانة حداد حدود الكتابة والإعلام؛ فقد تحوّلت إلى ظاهرة ثقافية وفكرية تتقاطع فيها السياسة، والأدب، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير. وهذا التأثير الواسع يدفع البعض إلى التساؤل إن كانت جمانة حداد بالفعل إحدى النساء الأكثر نفوذًا في العالم المعاصر.

السيرة الذاتية: نشأة ومشوار متصاعد

ولدت جمانة حداد في بيروت عام 1970 في أسرة تنتمي إلى الطائفة المسيحية المارونية، وتربّت في كنف ثقافة متعددة اللغات والهويات، ما ساهم في تشكيل وعيها المبكر تجاه قضايا الإنسان والحريات. تلقت تعليمها باللغتين الفرنسية والإنجليزية إلى جانب اللغة العربية، وأتقنت لاحقًا عدة لغات أخرى، منها الإسبانية والإيطالية، ما أتاح لها الانفتاح على الثقافات الأخرى والانخراط في حوار حضاري متنوع.

بدأت مسيرتها المهنية في الصحافة والثقافة مبكرًا، واشتهرت في تسعينيات القرن العشرين كصوت نسوي متمرّد، وصاحبة قلم جريء لا يخشى نقد التقاليد والأنظمة الاجتماعية والدينية والسياسية القائمة. عملت في جريدة “النهار” اللبنانية، وكانت من أبرز محرري القسم الثقافي، كما أطلقت مجلة “جسد” المثيرة للجدل، والتي كانت من أوائل المنصات التي تناولت الجسد والجنس من منظور ثقافي عربي.

النشاط الأدبي والفكري: جمانة الكاتبة التي تفكك المحرمات

لا يمكن الحديث عن نفوذ جمانة حداد دون التوقف عند إسهاماتها الأدبية والنقدية. فقد أصدرت العديد من الدواوين الشعرية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، وترجمت أعمالها إلى أكثر من 15 لغة، مما جعلها تحظى بحضور عالمي غير مسبوق بين كاتبات جيلها.

من بين أبرز أعمالها:

• “عودة ليليت”: ديوان شعري أعاد تأويل الأسطورة السومرية ليليت بوصفها رمزاً للتمرد الأنثوي.

• “هكذا قتلتُ شهريار”: كتاب جريء يواجه صورة المرأة في الثقافة العربية ويعيد تأويل حكايات “ألف ليلة وليلة”.

• “سوبرمان عربي”: كتاب نقدي يسائل الذكورية في المجتمعات العربية من منظور ساخر وعميق.

• “أنا الحاملة مفاتيح الجحيم”: ديوان يتناول المرأة بوصفها كائناً شعريًا يتحرر من القوالب الجاهزة.

تميز أسلوبها الشعري والنثري بالعمق الفلسفي واللغة الشعرية المكثفة، إلى جانب التصادم الواعي مع الخطوط الحمراء في الخطاب العربي التقليدي، وهو ما أكسبها أعداء وخصوماً، كما منحها في المقابل تقديرًا واحترامًا من جمهور واسع في الداخل والخارج.

النشاط الحقوقي والسياسي: جمانة والتمرد الاجتماعي

ارتبط اسم جمانة حداد ليس فقط بالثقافة والأدب، بل كذلك بالنشاط السياسي والحقوقي. فقد ترشحت للانتخابات النيابية في لبنان عام 2018 عن مقعد الأقليات في بيروت ضمن تحالف “كلنا وطني”، وهي خطوة وُصفت بالثورية في سياق سياسي لبناني طائفي معقد. وعلى الرغم من أنها لم تنجح في الوصول إلى البرلمان نتيجة ما وُصف لاحقًا بالتزوير والتلاعب، فقد أظهرت تجربة ترشحها استعدادها للمواجهة في ميدان السياسة الرسمية بعد سنوات من النضال الفكري والثقافي.

كما لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق المرأة والمثليين واللاجئين، مما جعلها عرضة لهجمات متكررة من أطراف سياسية ودينية محافظة. ورغم ذلك، لم تتراجع عن مواقفها، بل استمرت في الكتابة والظهور العلني والتأثير في الرأي العام المحلي والدولي.

الانتشار العالمي والتكريمات الدولية

قُدّرت جمانة حداد تقديرًا كبيرًا في الأوساط الثقافية العالمية، وتم اختيارها عام 2009 من قبل مجلة Arabian Business ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية. كما تم تكريمها من جهات دولية عدة، مثل:

• اختيارها ضمن أقوى النساء تأثيرًا في الشرق الأوسط من قبل Forbes Middle East.

• تكريم من البرلمان الإيطالي على مجمل أعمالها الثقافية والحقوقية.

• جوائز أدبية دولية عن ترجماتها وإسهاماتها الفكرية، منها جائزة Blue Metropolis في مونتريال.

كما ألقت محاضرات في جامعات مرموقة حول العالم، مثل هارفارد وأوكسفورد، وشاركت في مؤتمرات دولية متعددة متخصصة في حقوق الإنسان والكتابة النسوية والفكر النقدي.

التأثير الرقمي والإعلامي: جمانة في زمن الشبكات

أدركت جمانة مبكرًا أهمية الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي في صناعة التأثير، فأنشأت لها حضورًا رقميًا مميزًا استثمرته لنشر أفكارها والتفاعل المباشر مع جمهور واسع متعدد الخلفيات. وتحوّلت صفحاتها إلى منصات للجدل والنقاشات الفكرية الواسعة، حيث تناولت قضايا حساسة من موقع المثقفة المنخرطة في الحياة العامة.

كما ظهرت في العديد من البرامج الحوارية، والمقابلات الوثائقية، وأدارت ندوات فكرية، وأنتجت محتوى ثقافيًا بصريًا تجاوز الأطر التقليدية، وهو ما ساعد في توسعة نطاق نفوذها خارج الأوساط الأكاديمية والثقافية النخبوية.

الجدل المستمر: الحد الفاصل بين التأثير والاستفزاز

لم تسلم جمانة من الانتقادات والاتهامات، خاصة في الأوساط الدينية والسياسية المحافظة، التي وصفتها بأنها “مستفزة” و”خارج حدود القيم الاجتماعية”، فيما رآها أنصارها “امرأة حرة” تمثل صوتاً للحداثة والتمرد الإيجابي.

وقد أثارت مجلة “جسد”، التي أسستها عام 2008، ضجة كبرى لما تطرحه من موضوعات محرمة اجتماعياً، مما أدى إلى حظرها في عدة دول عربية. لكنها في المقابل، أثبتت أن الثقافة يمكن أن تكون أداة فعل مباشر في تغيير الوعي العام وليس مجرد انعكاس له.

نفوذ جمانة حداد: قراءة في مؤشرات القوة الثقافية

تتجلى قوة جمانة حداد في عدة محاور تجعلها بالفعل من بين النساء الأكثر نفوذًا في العالم وفق مقاييس التأثير الثقافي والسياسي والمعرفي، ويمكن تلخيصها في الجدول الآتي:

خاتمة تحليلية: جمانة وحدود النفوذ في العالم العربي

إذا كان تعريف “النفوذ” لا يقتصر على السلطة السياسية أو الاقتصادية، بل يشمل التأثير في العقول، وطرح الأسئلة الحاسمة، وتفكيك البُنى الفكرية التقليدية، فإن جمانة حداد تستحق أن تُدرج ضمن قائمة النساء الأكثر نفوذًا في العالم العربي، وربما في العالم.

لقد تحدت القيود، ورفضت القوالب، ودفعت الثمن من استقرارها الشخصي والاجتماعي، لكنها في المقابل فتحت الباب لأجيال جديدة من النساء العربيات ليحملن المشعل من بعدها، ويطالبن بأدوار فاعلة في الثقافة والسياسة والمجتمع.

إن جمانة حداد ليست فقط امرأة ذات نفوذ، بل هي حالة رمزية لفكرة المقاومة الثقافية والتحرر الإنساني في زمنٍ يعاد فيه تشكيل موقع المرأة في العالم.

المراجع:

1. Haddad, Joumana. I Killed Scheherazade: Confessions of an Angry Arab Woman. Saqi Books, 2010.

2. Forbes Middle East. “Top 100 Most Powerful Arab Women.” https://www.forbesmiddleeast.com.