في هذا العام، يشارك المخرج محمد سامي والممثل محمد رمضان في تقديم أعمال درامية تندرج ضمن إطار الصعيد المصري، مستكملين بذلك تقليدًا قديمًا في عالم الفن المصري. ورغم أن هؤلاء الفنانين قدموا مسلسلات وأفلامًا سابقة ادعوا فيها أنهم يعكسون حياة الصعيد وتحدياته، إلا أن هذه التمثيلات غالبًا ما تصطف وراء الصور النمطية للصعيد، ما يُضفي جوًا من الملل والتكرار.
فعلى مر السنين، شهدت السينما المصرية والدراما تكرارًا مُحبِطًا للصورة الصعيدية، حيث يُظهر الصعيديون في غالبية الأحيان كأفراد يسعون وراء الثأر الدائم أو يُشاركون في تجارة المخدرات والسلاح. إنها صورة نمطية مملة تختلف كثيرًا عن واقع الصعيد المصري، والذي يُظلم بلاسباب ويعاني من نقص في الخدمات والفرص، وهو أمر يُغيب عن أذهان منتجي الدراما في القاهرة.
في الحقيقة، يعتبر الصعيد واحدًا من أكثر المناطق إهمالًا في مصر، حيث تتراكم مشاكل الفقر والبطالة، ويفتقر سكانه إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. إن هذا الإهمال ليس فقط اقتصاديًا واجتماعيًا، بل يتسلل أيضًا إلى عالم صناعة الدراما، حيث يتم تجاهل وتهميش الفرص لتقديم أعمال فنية تعكس حياة الصعيد بشكل أدق.
لقد بدأت هذه القصة في بدايات السينما المصرية، حيث استمدت المادة الدرامية من قصص شهيرة لأفراد الصعيد، مما أدى إلى تنميطهم وتجسيدهم بطرق نمطية. هل هذا هو كل ما يعرفه صُناع الدراما عن الصعيد؟ وهل هذه هي حقيقة الصعيد؟
الواقع هو أن الصعيد المصري يحمل تاريخًا غنيًا، فهو موطن لثقافة فرعونية عظيمة وأثار تُشكل ثلث الأثر الفرعوني في العالم. إنه المكان الذي أنجب عظماءًا كرفاعة الطهطاوي، المُترجم البارع الذي أدخل الحضارة الغربية إلى لغتنا العربية. كما أثرى الصعيد بشخصيات بارزة مثل بن يوسف أحمد وعائلة ساويرس، التي تعتبر واحدة من أبرز العائلات المؤثرة في مصر والعالم العربي.
إن الحاضرين البارزين في مجالات العلم والثقافة والفن الذين ينتمون إلى الصعيد يتضمنون رفاعة الطهطاوي وأحمد بن يوسف وعائلة ساويرس والدكتور هشام الشريف والشيخ محمد المراغي والقارئ محمد صدِّيق المنشاوي والأديب جمال الغيطاني والشاعر عبد الرحمن الأبنودي وعماد حمدي وعاطف الطيب، إلى جانب غيرهم الكثير. إنهم ليسوا فقط أبطالًا في ميادينهم بل أيضًا نماذج حية تثبت أن الصعيد ليس مجرد مكان للصراعات والجريمة، بل هو مركز للتفوق والإسهام في بناء الأمة.
لذلك، يظل الصعيد المصري يعاني من تشويه الصورة التي يروج لها في الدراما، ويحتاج إلى إلقاء الضوء على الجوانب الإيجابية والإبداعية لثقافته وتاريخه. إنه ذلك الصعيد الذي يستحق الاحترام والاعتراف بإسهاماته في بناء مصر الحديثة.
المزيد من المعلومات
عند التعمق في فهم الصعيد المصري وتنويع تصوّره عبر الزمن، يظهر أن الصعيد ليس مجرد خلفية درامية، بل هو أرض غنية بالتنوع والتاريخ والإبداع. يعتبر الصعيد جزءًا حيويًا من الحقبة الفرعونية المهمة، حيث كان يضم العديد من المدن الرئيسية مثل طيبة وأسيوط، وشهد تواجد العديد من المعابده والأثار التي تعكس حياة الفراعنة.
من بين الشخصيات الهامة التي انبثقت من الصعيد، يمكن الإشارة إلى المفكر والسياسي الرائد جمال عبد الناصر، الذي كان رئيسًا لمصر في الفترة من 1954 إلى 1970. كما أن عبد الناصر، الذي ولد في بني مر بمحافظة المنيا في الصعيد، كان رمزًا للوحدة الوطنية والقومية.
من الناحية الثقافية، يُعتبر الصعيد موطنًا للعديد من الأدباء والشعراء والفنانين البارعين. يمتلك الصعيد تراثًا غنيًا في الموسيقى الشعبية والفنون التقليدية، حيث تتجسد هذه الفنون في العديد من التظاهرات الفنية والمهرجانات التي تجذب الجماهير.
على صعيد الثقافة الشعبية، يتميز الصعيد بتقاليده وعاداته الفريدة، مثل مهرجانات الزفاف والأفراح التي تعكس الهوية الثقافية للمجتمع الصعيدي. يتم التعبير عن هذه التقاليد في الأزياء التقليدية والرقصات الشعبية التي تعكس تنوع وتفرد هذا الإقليم.
علمًا أن هذا التصوّر الشامل للصعيد ليس فقط محاولة لتصحيح الصورة النمطية التي قدمتها بعض الأعمال الفنية، ولكن أيضًا لإبراز الإسهامات الهامة والتأثير الكبير الذي قدمه الصعيديون في مختلف المجالات.
عند تقديم الصعيد في إطار هذا التنوع والثراء، يمكن للفن أن يسهم في نقل قصص تفاصيل الحياة والتحديات والطموحات في هذا الإقليم، وبالتالي، تحقيق توازن بين التسلية والتثقيف، وتقديم صورة أكثر واقعية وعميقة عن الحياة في الصعيد المصري.