متى يتوقف القيء عند الحامل: نظرة طبية شاملة

يُعد الغثيان والقيء أثناء الحمل من أكثر الأعراض الشائعة التي تصيب النساء خلال الثلث الأول من الحمل، وقد يُطلق عليه اسم “غثيان الصباح”، رغم أنه قد يحدث في أي وقت من اليوم. بالنسبة للكثير من النساء، يعتبر القيء أحد المؤشرات الأولى لحدوث الحمل، ويمكن أن يسبب إزعاجاً شديداً قد يؤثر على جودة الحياة اليومية. تتفاوت حدة القيء من حالة إلى أخرى، كما تختلف المدة التي يستمر فيها، وهو ما يدفع العديد من النساء إلى التساؤل حول موعد اختفائه أو توقفه.

متى يبدأ القيء أثناء الحمل؟

عادةً ما يبدأ القيء والغثيان في الأسبوع الرابع من الحمل، وقد يظهر في وقت أبكر في بعض الحالات. يرتبط ظهوره غالباً بزيادة مستويات الهرمونات، خاصة هرمون الحمل (hCG)، الذي يبدأ بالارتفاع بشكل ملحوظ بعد انغراس البويضة المخصبة في الرحم.

متى يتوقف القيء عند الحامل؟

في معظم الحالات، يتوقف القيء بين الأسبوع 12 والأسبوع 16 من الحمل، أي مع نهاية الثلث الأول. يُعتقد أن هذا التوقف ناتج عن استقرار التغيرات الهرمونية وتكيف الجسم مع الحمل. لكن هناك نسبة من النساء يستمر القيء لديهن حتى الأسبوع 20 أو ما بعده، وقد يبقى مرافقاً طوال فترة الحمل لدى نسبة أقل من النساء، خاصة في حالات القيء الحملي المفرط (Hyperemesis Gravidarum).

الفروق الفردية بين النساء

القيء والغثيان يختلفان بشكل كبير بين النساء، بل وأحياناً بين حمل وآخر لنفس المرأة. العوامل التي تؤثر في مدة استمرار القيء تشمل:

• الاستعداد الوراثي: النساء اللواتي عانين من قيء شديد في حمل سابق، أو لديهن قريبات عانين من نفس المشكلة، هن أكثر عرضة لتكرار التجربة.

• الحمل بتوأم أو أكثر: عادةً ما ترتفع مستويات هرمون hCG في حالات الحمل المتعدد، مما يزيد من فرص القيء الشديد والمستمر.

• الاضطرابات المعدية أو الهرمونية السابقة: مثل مشاكل الغدة الدرقية أو التهابات المعدة المزمنة.

الأسباب الفسيولوجية للقيء أثناء الحمل

يرتبط القيء أثناء الحمل بمجموعة من العوامل البيولوجية والهرمونية، منها:

1. ارتفاع هرمون hCG

يرتبط هذا الهرمون بشكل مباشر بحدوث الغثيان والقيء، وتبلغ مستوياته الذروة في الثلث الأول من الحمل، مما يفسر شدة الأعراض خلال هذه الفترة.

2. ارتفاع هرمون الإستروجين

يرتفع هرمون الإستروجين بشكل كبير في بداية الحمل، وهو أيضاً مرتبط بحدوث القيء، على الرغم من أن تأثيره أقل وضوحاً من hCG.

3. زيادة حساسية حاسة الشم

تعاني بعض النساء من حساسية مفرطة تجاه الروائح خلال الحمل، ما يؤدي إلى تحفيز رد فعل الغثيان والقيء.

4. بطء حركة الجهاز الهضمي

بسبب تأثير هرمون البروجستيرون، تتباطأ حركة الأمعاء، مما يؤدي إلى تأخير عملية الهضم وتراكم الطعام، وهذا قد يسهم في زيادة الغثيان.

متى يستدعي القيء القلق الطبي؟

رغم أن القيء غالباً ما يكون عرضاً طبيعياً، إلا أن هناك حالات تستدعي التدخل الطبي:

• القيء المتكرر والشديد الذي يمنع تناول الطعام أو السوائل

• فقدان الوزن أكثر من 5% من وزن الجسم الأصلي

• ظهور علامات الجفاف مثل قلة التبول أو تغير لون البول إلى الأصفر الداكن أو الشعور بالدوخة

• القيء المستمر لما بعد الأسبوع 20 من الحمل دون أي تحسن

• القيء المصحوب بدم أو آلام شديدة في المعدة أو الصدر

في هذه الحالات، قد يُشخص الطبيب الحالة بأنها “قيء حملي مفرط”، وهي حالة تتطلب علاجاً خاصاً، وقد تستدعي أحياناً التنويم في المستشفى للحصول على السوائل والعناصر الغذائية عبر الوريد.

كيف يمكن التخفيف من القيء أثناء الحمل؟

رغم أنه لا يمكن إيقاف القيء بشكل نهائي عند جميع النساء، إلا أن هناك مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تقلل من حدته أو تكراره:

نصائح غذائية:

• تناول وجبات صغيرة ومتكررة: الامتناع عن المعدة الفارغة يساعد على تقليل الغثيان.

• تجنب الأطعمة الدهنية والثقيلة: مثل الأطعمة المقلية والتوابل القوية التي قد تحفز المعدة.

• تناول الأطعمة الجافة والخفيفة عند الاستيقاظ: مثل البسكويت المالح أو التوست.

• الإكثار من السوائل: وخاصة الماء والمشروبات العشبية مثل الزنجبيل والنعناع.

• الابتعاد عن الروائح القوية: العطور، مواد التنظيف، وبعض أنواع الطعام.

العلاجات الطبيعية:

• الزنجبيل: يعتبر الزنجبيل من أكثر العلاجات الطبيعية فعالية ضد الغثيان، ويمكن تناوله على شكل شاي أو كبسولات.

• العلاج بالإبر (Acupressure): بعض النساء يجدن الراحة باستخدام الأساور المخصصة لنقاط الضغط، خاصة في منطقة الرسغ.

• الفيتامين B6: أظهرت بعض الدراسات أن تناول هذا الفيتامين بجرعات محددة يساهم في تخفيف القيء.

الأدوية الطبية:

في بعض الحالات، قد يلجأ الطبيب إلى وصف أدوية مضادة للغثيان والقيء مثل:

• دوكسيلامين مع فيتامين B6

• ميتوكلوبراميد (Metoclopramide)

• أوندانسيترون (Ondansetron)

يتم وصف هذه الأدوية فقط تحت إشراف طبي، حيث يجب تقييم الفائدة مقابل أي تأثيرات جانبية محتملة.

القيء الحملي المفرط (Hyperemesis Gravidarum)

يُعد هذا الشكل من القيء من الحالات النادرة نسبياً، حيث يصيب ما بين 0.5% إلى 2% من الحوامل. في هذه الحالة، يصبح القيء شديداً جداً ويؤدي إلى الجفاف ونقص الوزن ونقص العناصر الغذائية الضرورية.

يحتاج هذا النوع من القيء إلى علاج طبي فوري، وأحياناً إلى دخول المستشفى، حيث تُعطى الحامل محاليل وريدية وقد يتم تغذيتها مؤقتاً عبر أنبوب أنفي معدي إذا استدعى الأمر.

جدول يوضح الفرق بين الغثيان الطبيعي والقيء الحملي المفرط:

متى يعود الجسم إلى طبيعته بعد التوقف عن القيء؟

بمجرد تجاوز المرحلة التي يحدث فيها القيء، تبدأ المرأة بالشعور بتحسن تدريجي في الطاقة والمزاج والشهية. عادةً ما تعود الحياة اليومية إلى وضعها الطبيعي في الثلث الثاني من الحمل، حيث يقل تأثير التغيرات الهرمونية على الجهاز الهضمي ويزداد تحمل الجسم للتغيرات الفسيولوجية.

ومع انتهاء الثلث الأول، تبدأ المشيمة بأداء دورها بشكل كامل، ما يقلل من العبء الهرموني على الجسم، ويُعد هذا من العوامل التي تسهم في اختفاء القيء لدى معظم النساء.

الخلاصة

القيء أثناء الحمل هو ظاهرة شائعة وطبيعية في الغالب، ترتبط بتغيرات هرمونية وفسيولوجية تهدف إلى تهيئة الجسم للحمل. رغم أن الغالبية العظمى من النساء يتخلصن من القيء مع نهاية الثلث الأول، إلا أن هناك فئة قد يستمر لديها هذا العرض لفترة أطول، مما يستدعي أحياناً تدخلاً طبياً. المتابعة الطبية والتغذية السليمة والراحة النفسية يمكن أن تساهم بشكل كبير في التخفيف من حدته وضمان سير الحمل بشكل صحي وسليم.

المراجع:

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). “Morning Sickness: Nausea and Vomiting of Pregnancy.”

2. National Institute for Health and Care Excellence (NICE) – “Nausea and vomiting in pregnancy: clinical guidelines.”