تكرار ارتفاع الحرارة عند الأطفال

تكرار ارتفاع درجة الحرارة عند الأطفال

تكرار ارتفاع درجة حرارة الجسم عند الأطفال يُعد من الظواهر الشائعة التي تُثير قلق الأهل وتدفعهم إلى زيارة الطبيب بشكل متكرر. وعلى الرغم من أن الحمى تُعد في غالب الأحيان عرضًا وليس مرضًا بحد ذاته، فإن تكرارها بشكل دوري قد يشير إلى وجود خلل معين في الجهاز المناعي، أو عدوى مزمنة، أو حتى اضطرابات في الجهاز العصبي أو الغدد الصماء. يعكس هذا الموضوع أهمية متزايدة في الطب الوقائي وطب الأطفال، مما يستوجب تناولًا دقيقًا ومنهجيًا لكل ما يتعلق به من أسباب، وتشخيص، وعلاج، وسبل وقائية طويلة الأمد.

تعريف الحمى وتكرارها عند الأطفال

الحمى هي ارتفاع في درجة حرارة الجسم لتتجاوز 38 درجة مئوية عن طريق الفم أو 38.5 درجة مئوية عن طريق الشرج. أما في حال تكرار هذه الحالة أكثر من مرة خلال فترة زمنية قصيرة، وبدون وجود سبب واضح أو عند زوال السبب الظاهر واستمرار تكرار الحمى، تُصنف الحالة تحت ما يُعرف بـ”الحمى المتكررة”. وغالبًا ما يُستخدم هذا المصطلح عندما يعاني الطفل من ثلاث نوبات أو أكثر من الحمى في فترة ستة أشهر، مع وجود فاصل زمني بين النوبات.

الأسباب الشائعة لتكرار الحمى عند الأطفال

يتعدد الطيف المرضي الذي قد يقف خلف تكرار الحمى عند الأطفال، وفيما يلي تفصيل لأهم الأسباب:

1. العدوى الفيروسية المتكررة

الأطفال، خاصةً في السنوات الأولى من العمر، يتعرضون بشكل كبير للفيروسات التنفسية أو الهضمية بسبب ضعف المناعة النسبية، وخصوصًا عند بدء الالتحاق بالحضانات أو المدارس. هذه العدوى قد تتكرر خلال فترات قصيرة بسبب كثرة الاحتكاك بالأطفال الآخرين.

2. العدوى البكتيرية المزمنة أو المتكررة

تشمل التهابات الجهاز التنفسي مثل التهاب اللوزتين المزمن، والتهاب الأذن الوسطى المتكرر، أو التهابات البول. عدم استكمال العلاج المناسب أو وجود مقاومة للمضادات الحيوية يؤدي إلى انتكاسات متكررة مصحوبة بالحمى.

3. الاضطرابات المناعية

قد تشير الحمى المتكررة إلى اضطرابات أولية أو ثانوية في الجهاز المناعي، مثل نقص الغلوبولين المناعي أو بعض أشكال ضعف المناعة الخَلقي أو المكتسب، حيث يكون الجسم غير قادر على مقاومة العدوى بكفاءة.

4. الحمى الدورية (Periodic fever syndromes)

وهي مجموعة من المتلازمات الوراثية أو المناعية التي تتصف بتكرار الحمى على فترات منتظمة، أشهرها متلازمة PFAPA (الحمى الدورية مع التهاب الفم والبلعوم والعقد اللمفاوية) التي تُصيب الأطفال دون سن الخمس سنوات.

5. أمراض الدم والأورام

قد تكون الحمى المتكررة علامة تحذيرية مبكرة لأمراض الدم مثل اللوكيميا أو اضطرابات نخاع العظم، حيث يحدث اضطراب في إنتاج كريات الدم البيضاء.

6. الحمى الناتجة عن اضطرابات التهابية مزمنة

مثل التهاب المفاصل الشبابي مجهول السبب (Juvenile Idiopathic Arthritis)، أو أمراض الأمعاء الالتهابية (مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي).

آلية تكرار الحمى في الجسم

عند دخول كائنات ممرضة إلى الجسم، يقوم الجهاز المناعي بإفراز مركبات تُعرف بالسيتوكينات، وهي المسؤولة عن تحفيز منطقة ما تحت المهاد (Hypothalamus) في الدماغ لرفع درجة حرارة الجسم، مما يُشكل بيئة غير مناسبة للفيروسات والبكتيريا. ولكن في بعض الحالات، تستمر هذه الآلية في العمل حتى بعد انتهاء العدوى أو تتكرر بشكل غير طبيعي نتيجة خلل في التنظيم المناعي، مما يؤدي إلى تكرار الحمى حتى في غياب سبب عضوي واضح.

العوامل المساعدة على تكرار الحمى

التشخيص الطبي لتكرار الحمى

تكرار الحمى يستدعي تقييمًا سريريًا ومخبريًا دقيقًا يشمل عدة خطوات:

1. الفحص السريري التفصيلي

يشمل مراجعة القصة المرضية والوراثية، نمط تكرار الحمى، الأعراض المصاحبة مثل الطفح الجلدي أو تورم المفاصل، والتأكد من عدم وجود تركيز واضح للعدوى.

2. الفحوصات المخبرية

• العد الدموي الكامل CBC

• سرعة الترسيب ESR

• بروتين C التفاعلي CRP

• مزرعة البول والدم

• اختبارات المناعة (IgG, IgA, IgM)

• اختبارات متلازمات الحمى الدورية (مثل MEFV gene)

3. الفحوصات الشعاعية والتصويرية

حسب موقع الأعراض المرافقة مثل تصوير الصدر، البطن، أو الموجات فوق الصوتية للكشف عن الخراجات أو الالتهابات العميقة.

مضاعفات تكرار الحمى

عند إهمال الحمى المتكررة أو عدم الوصول إلى السبب الأساسي وعلاجه، قد تنشأ مضاعفات على المدى الطويل مثل:

• ضعف النمو الجسدي والعقلي للطفل بسبب تكرار الالتهابات والضعف العام

• مضاعفات عصبية مثل التشنجات الحرارية أو اعتلال الدماغ

• إصابات في الكلى بسبب التهابات المسالك البولية المتكررة

• اضطرابات مزمنة في المفاصل أو الجلد

العلاج وإدارة الحالة

يعتمد علاج تكرار الحمى على تحديد السبب الأساسي. ولا يُنصح بإعطاء خافضات الحرارة بشكل متكرر دون تشخيص دقيق. يتم العلاج وفق الآتي:

1. علاج السبب العضوي

• العدوى البكتيرية: بمضادات حيوية مناسبة بناءً على نتائج الزراعة.

• الأمراض المناعية: باستخدام الستيرويدات أو الأدوية المعدلة للمناعة.

• الحمى الدورية: يتم استخدام الكورتيزون أحيانًا في حالات PFAPA، أو الكولشيسين في حالات حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية.

2. الدعم الغذائي والمناعي

• تحسين تغذية الطفل لتقوية المناعة.

• في حالات نقص المناعة، يمكن إعطاء الغلوبولينات المناعية الوريدية.

3. الرعاية المنزلية والمتابعة

• متابعة درجة الحرارة باستمرار

• التبريد الفيزيائي عند اللزوم

• عدم التسرع باستخدام المضادات الحيوية دون وصفة طبية

الوقاية وتقليل فرص تكرار الحمى

تشمل الإجراءات الوقائية ما يلي:

• التحصين الكامل: الالتزام بجداول التطعيمات يقي من عدد كبير من الأمراض المعدية.

• تجنب التعرض المفرط للعدوى: خاصةً في البيئات المدرسية والمزدحمة.

• النظافة الشخصية: غسيل اليدين المنتظم واستخدام المطهرات المناسبة.

• التغذية السليمة: الغنية بالفيتامينات والمعادن الأساسية مثل الزنك وفيتامين D وC.

• الفحص الدوري الطبي: للكشف المبكر عن الأمراض المناعية أو الوراثية.

حالات خاصة يجب الانتباه لها

• الرضع دون الثلاثة أشهر: يُعتبر أي ارتفاع في درجة الحرارة لديهم حالة طارئة تستوجب التقييم العاجل.

• وجود أعراض غير اعتيادية: مثل الطفح الجلدي المستمر، تورم المفاصل، أو مشاكل في البول.

• تأخر في النمو أو التطور الحركي: يجب الربط بين الحمى المتكررة والتطور النمائي للطفل.

خلاصة

تكرار ارتفاع درجة الحرارة عند الأطفال حالة يجب التعامل معها بجدية، كونها قد تكون مؤشرًا على وجود اضطرابات عضوية أو مناعية مستبطنة، وليس مجرد عرض بسيط. تتطلب هذه الحالة تدخلًا طبيًا شاملًا يعتمد على التشخيص الدقيق ومعالجة السبب، وليس فقط تسكين الأعراض بخافضات الحرارة. كما أن الرعاية المنزلية الجيدة، التغذية الصحية، والوقاية بالتطعيمات تعد من الركائز الأساسية لحماية الطفل من الانتكاسات المتكررة. الفهم المتكامل لهذه الظاهرة يضمن تعزيز صحة الطفل العامة ويقلل من المضاعفات المحتملة على المدى الطويل.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. “Fever in Children: When to Worry.” HealthyChildren.org

2. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 21st Edition – McGraw-Hill Education