تقنية الـ “فار” في كرة القدم
في العقد الأخير، شهدت كرة القدم تطوراً ملحوظاً على صعيد استخدام التكنولوجيا لتحسين دقة القرارات التحكيمية وتقليل الأخطاء البشرية. إحدى أبرز هذه الابتكارات هي تقنية الـ “فار” (VAR)، والتي تعني “نظام المساعدة بالفيديو” (Video Assistant Referee). تم إدخال هذه التقنية للمرة الأولى في البطولات الكبرى بهدف مساعدة الحكام في اتخاذ قرارات دقيقة، خاصةً في المواقف التي قد تكون محورية في مجريات المباريات.
نشأة تقنية الفار وتاريخها
ظهرت فكرة استخدام التكنولوجيا في التحكيم الرياضي منذ فترة طويلة، إلا أن كرة القدم كانت من أخر الرياضات التي اعتمدت هذه التكنولوجيا. كانت الدوافع وراء ذلك تتمثل في رغبة الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في تحسين دقة القرارات وتقليل الجدل الناتج عن الأخطاء التحكيمية.
بدأت الفكرة في التطور بشكل جدي في عام 2012 في هولندا، حيث قامت الاتحاد الهولندي لكرة القدم بإجراء تجارب على تقنية الفيديو في مباريات الدوري المحلي. بعد عدة تجارب ناجحة، بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) بالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (IFAB) في دراسة إمكانية تطبيق هذه التقنية في المسابقات الدولية.
في عام 2016، تم اختبار تقنية الفار لأول مرة في مباريات كأس العالم للأندية التي أقيمت في اليابان، وبعد نجاح هذه التجارب، تم الإعلان عن تطبيق الـ “فار” في البطولات الكبرى بدءًا من عام 2018، حيث كان كأس العالم في روسيا هو أول بطولة كبرى تستخدم هذه التقنية بشكل رسمي.
آلية عمل تقنية الـ “فار”
تعتمد تقنية الـ “فار” على مجموعة من الكاميرات المنتشرة في أنحاء الملعب لالتقاط الأحداث والتفاعلات بشكل دقيق. يتم مراقبة المباراة بواسطة مجموعة من الحكام المساعدين في غرفة خاصة مجهزة بتقنيات الفيديو الحديثة. عندما يلاحظ هؤلاء الحكام حدوث خطأ قد يؤثر على مجريات المباراة، يتم إبلاغ حكم المباراة الرئيسي عبر جهاز الاتصال بأن هناك حاجة لإعادة النظر في قرار ما.
يتراوح استخدام الـ “فار” في كرة القدم بين الحالات التالية:
-
الأهداف: إذا كان هناك شك في صحة الهدف، مثل التسلل أو خطأ من أحد اللاعبين أثناء التحضير للهدف.
-
الركلات الجزائية: يمكن للحكم العودة لمراجعة احتساب ركلة جزاء أو عدم احتسابها.
-
الإنذارات والطرد: في الحالات التي يتعرض فيها لاعب لبطاقة حمراء أو صفراء بسبب تدخل عنيف أو سلوك غير رياضي.
-
الأخطاء الواضحة: يمكن للحكم المساعد في غرفة الفار أن يطلب من الحكم العودة للفيديو إذا كان هناك شك في وقوع خطأ جسيم.
العمليات والإجراءات خلال المباراة
عند الحاجة لاستخدام الـ “فار”، يقوم الحكم المساعد في غرفة الفيديو بإرسال إشارة لحكم المباراة ليقوم بمراجعة اللقطة المثيرة للجدل. يتيح النظام لحكم المباراة رؤية اللقطات من زوايا متعددة، حيث يستطيع مراجعة الحادثة بشكل دقيق. بعد المراجعة، يكون للحكم الخيار إما بتأكيد قراره الأصلي أو تعديل القرار بناءً على ما تم مشاهدته في الفيديو.
يتم عادةً عرض المراجعات للقطات بشكل عام في الملاعب الكبيرة عبر الشاشات، ما يسمح للجمهور بمواكبة العملية وفهم سبب اتخاذ الحكم لقراره النهائي.
تأثير الفار على كرة القدم
أثر اعتماد تقنية الـ “فار” بشكل كبير على كرة القدم سواء في مستوى الأندية أو المنتخبات. إليك بعض التأثيرات الرئيسية:
-
دقة القرارات: أبرز تأثير لتقنية الفار هو تحسين دقة القرارات التحكيمية. فقد تمكن الحكام من تصحيح الأخطاء البشرية التي كانت تحدث في حالات التسلل أو احتساب الأهداف. هذه التقنية تضمن عدم حدوث إجحاف بحق الفرق بسبب قرارات تحكيمية غير دقيقة.
-
تقليل الجدل: كانت كرة القدم دائماً مليئة بالجدل بسبب قرارات التحكيم. ومع تطبيق الفار، تم تقليص هذا الجدل بشكل كبير، حيث أصبح من الممكن التحقق من القرارات في الوقت الفعلي. يمكن للمشجعين واللاعبين أن يشعروا بالاطمئنان بأن القرارات ستكون أكثر نزاهة ودقة.
-
إيقاع المباراة: من ناحية سلبية، فإن استخدام تقنية الفار قد يؤدي أحياناً إلى إيقاف اللعب لفترات طويلة أثناء عملية المراجعة. هذا قد يؤدي إلى إبطاء إيقاع المباراة ويزيد من التوتر لدى اللاعبين والجماهير.
-
التكنولوجيا تثير التحدي: رغم الفوائد التي يقدمها الـ “فار”، إلا أن هناك بعض الانتقادات حول الطريقة التي يتم بها استخدام هذه التقنية. فبعض الخبراء يرون أن عملية مراجعة الحالات قد تكون معقدة للغاية وقد تؤدي أحياناً إلى تأخير كبير في المباراة، ما يؤثر على تجربة المشجعين.
-
تعزيز العدالة في المباريات: أهم ما يميز تقنية الفار هو دورها في ضمان العدالة. في الماضي، كان يمكن أن يكون هناك تفاوت في تطبيق القرارات التحكيمية، حيث كان يتم التأثير على الفرق الكبيرة بقرارات تحكيمية أكثر دقة. الآن، مع الفار، يتم توفير مستوى أعلى من العدالة لجميع الفرق، بغض النظر عن حجمها أو شهرتها.
استخدام الفار في البطولات الكبرى
تستخدم تقنية الـ “فار” الآن في العديد من البطولات الكبرى مثل كأس العالم، دوري أبطال أوروبا، الدوري الإنجليزي الممتاز، الدوري الإسباني، والدوري الإيطالي، كما أن بعض الدوريات المحلية في مختلف أنحاء العالم قد اعتمدت على هذه التقنية في مسابقاتها.
كأس العالم 2018 كان أول بطولة كأس عالم يتم فيها استخدام الـ “فار” بشكل رسمي، وأثبتت التجربة نجاح التقنية في تحسين دقة التحكيم. عقب هذه التجربة، بدأ العديد من الاتحادات الكروية في تبني النظام في بطولاتهم المحلية والقارية.
دوري أبطال أوروبا شهد أيضاً تطبيق الفار في الموسم 2019-2020، حيث أثار تطبيق التقنية في المسابقة القارية العديد من المناقشات والانتقادات في البداية، إلا أن معظم الفرق والجماهير اعتادت عليها بعد فترة من الزمن.
التحديات والمستقبل
رغم الفوائد التي جلبتها تقنية الفار لكرة القدم، إلا أن هناك بعض التحديات التي ما تزال قائمة في استخدام هذه التكنولوجيا. إحدى أهم هذه التحديات هي قدرة التقنية على تحديد الحالات بدقة كاملة في جميع الأحيان، إذ أن بعض الحالات تكون معقدة للغاية ولا يمكن تحديدها بشكل قاطع حتى مع وجود الفيديو.
أيضاً، هناك جدل مستمر حول استخدام الـ “فار” في الحالات المثيرة للشك. على سبيل المثال، في بعض الحالات التي تتعلق باحتساب التسلل، قد تكون الحدود بين التسلل أو عدمه ضبابية للغاية. وقد تثير هذه الحالات جدلاً إضافياً بين المشجعين، حتى مع استخدام الفيديو.
من المتوقع أن تستمر تقنية الـ “فار” في التطور بشكل مستمر. هناك محاولات لتقليل التأخير الزمني في عملية المراجعة، مما سيتيح للفرق والجماهير الاستمتاع بمباريات أكثر سلاسة دون التأثير على دقة القرارات التحكيمية.
في المستقبل، قد يتم دمج تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة التحكيم. هذا قد يساعد في تقليل الوقت المستغرق في المراجعات وتوفير المزيد من التحليلات الدقيقة.
الخلاصة
أثبتت تقنية الـ “فار” أنها خطوة هامة في تطوير كرة القدم وجعلها أكثر عدلاً ودقة. رغم أنها ليست خالية من التحديات والنقد، إلا أن لها دوراً مهماً في تقليل الأخطاء التحكيمية، وبالتالي تحسين تجربة المتابعين واللاعبين على حد سواء. من المؤكد أن التقنية ستستمر في التأثير بشكل إيجابي على كرة القدم في المستقبل، في الوقت الذي يتم فيه معالجة بعض القيود الحالية وتطويرها لمواكبة احتياجات اللعبة المتزايدة.
