تعتبر بيانات تجربة الموظفين (Employee Experience – EX) من أهم الأدوات التي تستخدمها الشركات لفهم وتحسين بيئة العمل داخل المنظمة. في الآونة الأخيرة، بدأت العديد من الشركات في التركيز بشكل متزايد على بيانات تجربة الموظفين كأداة رئيسية لتحسين الأداء العام وتحقيق أهداف الأعمال. على الرغم من أن بيانات الموظفين التشغيلية (Operational Employee Data) لا تزال تلعب دورًا مهمًا في إدارة الموارد البشرية، فإن بيانات تجربة الموظفين أصبحت تتفوق عليها في العديد من الجوانب. في هذا المقال، سنناقش لماذا تتفوق بيانات تجربة الموظفين على بيانات الموظفين التشغيلية، بالإضافة إلى الأسباب التي تجعل الشركات تفضلها في تحديد وتحقيق استراتيجيات النجاح المؤسسي.
ما هي بيانات تجربة الموظفين (EX)؟
تُعرّف بيانات تجربة الموظفين بأنها المعلومات التي يتم جمعها من مختلف نقاط التفاعل التي يخوضها الموظف داخل المؤسسة، بدءًا من عملية التوظيف وصولاً إلى مغادرته للشركة. تشمل هذه البيانات مشاعر الموظفين، مستوى رضاهم، التفاعل مع زملائهم، ثقافة العمل، وتجاربهم اليومية داخل بيئة العمل. يتم جمع هذه البيانات من خلال استبيانات، مقابلات، استطلاعات الرأي، ووسائل أخرى تهدف إلى قياس المكونات المختلفة لتجربة الموظف.
من خلال دراسة بيانات تجربة الموظفين، يمكن للمؤسسات فهم ما الذي يجعل الموظف يشعر بالرضا أو الاستياء، وما هي العوامل التي تؤثر على تفاعله مع العمل. كما تساعد هذه البيانات في تحسين بيئة العمل، وتقديم الحلول الفعالة لمشاكل الموظفين التي قد تؤثر على الإنتاجية والأداء العام.
ما هي بيانات الموظفين التشغيلية؟
من ناحية أخرى، تُعرف بيانات الموظفين التشغيلية بأنها المعلومات المتعلقة بالجوانب الأساسية والروتينية لإدارة الموارد البشرية. تشمل هذه البيانات معلومات مثل الحضور، عدد ساعات العمل، الرواتب، العلاوات، التقييمات الوظيفية، الأداء بناءً على مؤشرات معينة، بيانات التوظيف، والإجازات. تُستخدم هذه البيانات في اتخاذ قرارات إدارية تتعلق بالموارد البشرية مثل تحديد الأجور، توزيع المهام، وعملية الترقية.
يتم جمع هذه البيانات بشكل منهجي على مدار فترات زمنية معينة، وهي تمثل صورة واقعية عن العمل اليومي في الشركة. لكن على الرغم من أهمية هذه البيانات في تعزيز فعالية العمليات التشغيلية، فإنها لا تعكس الجوانب الإنسانية والتفاعلية التي تشكل جزءًا أساسيًا من تجربة الموظف.
لماذا تتفوق بيانات تجربة الموظفين على بيانات الموظفين التشغيلية؟
1. التركيز على الجوانب الإنسانية والمشاعر
بينما تركز بيانات الموظفين التشغيلية بشكل أساسي على الجوانب العملية والكمية مثل الحضور والأداء، تقدم بيانات تجربة الموظفين أبعادًا أكثر تعقيدًا وعاطفية. إنها تتيح للمؤسسات قياس مستوى رضى الموظفين ومشاعرهم حول بيئة العمل، وبالتالي تساهم في فهم أفضل للسلوكيات والعوامل التي تؤثر على إنتاجيتهم وولائهم. البيانات التشغيلية قد تفتقر إلى هذه الرؤية الشاملة التي تشمل أبعادًا عاطفية مثل الحوافز غير المالية، وهو ما يعد حاسمًا في عصرنا الحالي الذي يشهد اهتمامًا متزايدًا برفاهية الموظف.
2. القدرة على تحسين الاحتفاظ بالموظفين
أظهرت الدراسات أن أحد الأسباب الرئيسية وراء مغادرة الموظفين هو ضعف تجربتهم في العمل، سواء كان ذلك بسبب بيئة العمل، الثقافة التنظيمية، أو العوامل الاجتماعية. من خلال الاعتماد على بيانات تجربة الموظفين، يمكن للشركات اتخاذ خطوات استباقية لتحسين بيئة العمل. يمكن تحليل المشاعر التي يحملها الموظفون حول أماكن عملهم، ومعالجة القضايا المتعلقة بالثقافة التنظيمية، أو معالجة القضايا التي تؤدي إلى انخفاض مستوى الرضا الوظيفي. هذا يؤدي إلى تقليل معدلات مغادرة الموظفين وتعزيز الولاء، وهو أمر يصعب تحقيقه من خلال البيانات التشغيلية وحدها.
3. المرونة في التحليل والتوقعات المستقبلية
تعتبر بيانات تجربة الموظفين أكثر مرونة عند التحليل، إذ يمكن استخدامها لتحديد الاتجاهات المستقبلية والتنبؤ بمشاكل محتملة قد تواجه الموظفين في المستقبل. على سبيل المثال، يمكن من خلال استطلاعات الرأي أن يتم اكتشاف المشاعر السلبية لدى مجموعة معينة من الموظفين قبل أن تتحول إلى مشاكل كبيرة، مثل معدلات عالية من الاستقالات أو انخفاض في الإنتاجية. في المقابل، تميل بيانات الموظفين التشغيلية إلى أن تكون أكثر ثابتة وأقل مرونة، مما يجعلها أداة أقل فاعلية في التنبؤ بالتحديات المستقبلية التي قد تواجه المؤسسة.
4. التركيز على التحسين المستمر والتطوير الشخصي
تتجاوز بيانات تجربة الموظفين مجرد جمع المعلومات الروتينية لتشمل تقييمات وتوجيهات بشأن كيفية تحسين بيئة العمل بشكل مستمر. الموظفون الذين يشعرون بالتقدير والإحساس بالانتماء داخل المؤسسة هم أكثر قدرة على تطوير مهاراتهم وتعزيز أدائهم، مما يؤدي إلى رفع الكفاءة العامة للشركة. كما أن الشركات التي تركز على تحسين تجربة الموظفين تقدم بيئة مواتية للابتكار والنمو، حيث يشعر الموظفون بأنهم جزء من رؤية أوسع وأكثر شمولاً.
5. تعزيز ثقافة العمل الشاملة
تساهم بيانات تجربة الموظفين في بناء ثقافة عمل تقوم على الشمولية والمشاركة. على عكس البيانات التشغيلية التي تركز على الجوانب الفردية مثل الأداء والتقييم، تعمل بيانات تجربة الموظفين على دمج آراء الموظفين حول العوامل التي تؤثر على بيئة العمل الجماعية. هذا يشمل التفاعل بين الفرق، استراتيجيات القيادة، وضمان بيئة عمل عادلة ومتوازنة. من خلال تبني ثقافة شاملة مدعومة بتحليل تجارب الموظفين، يمكن للشركة أن تخلق بيئة عمل قادرة على استقطاب أفضل الكفاءات والاحتفاظ بها.
6. التركيز على الرفاهية الشخصية والمهنية
يُظهر التوجه الحالي في إدارة الموارد البشرية أن رفاهية الموظف أصبحت واحدة من أهم الأولويات. بيانات تجربة الموظفين تقدم رؤى حول الحالة النفسية والصحية للموظفين، مما يسمح بتصميم برامج رفاهية تهدف إلى تحسين جودة حياة الموظف بشكل شامل. قد تتضمن هذه البرامج تقديم دعم في الصحة النفسية، تقديم فرص للتطوير الشخصي، أو تعديل بيئة العمل لتكون أكثر مرونة. على النقيض، تقتصر البيانات التشغيلية على الجوانب العملية ولا يمكنها قياس تأثير هذه العوامل على الأداء أو الرفاهية العامة.
7. تعزيز استراتيجيات التوظيف والتفاعل مع المرشحين
تعتبر بيانات تجربة الموظفين مفيدة أيضًا في استراتيجيات التوظيف. من خلال معرفة ما الذي يجعل الموظف الجديد يشعر بالارتياح داخل الشركة، يمكن للمؤسسات تصميم عمليات توظيف تركز على الجوانب الإنسانية والنفسية بالإضافة إلى الجوانب التقنية. في المقابل، تركز البيانات التشغيلية على الحضور والكفاءة دون النظر إلى كيفية تكامل الموظف الجديد داخل الثقافة التنظيمية أو كيف يشعر حيال بيئة العمل، وهو ما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات توظيف غير ملائمة.
8. تحقيق التوازن بين الأداء والرفاهية
بينما تركز بيانات الموظفين التشغيلية بشكل رئيسي على أداء الموظف، فإن بيانات تجربة الموظفين تركز على التوازن بين الأداء الجيد والرفاهية الشخصية. في عالم الأعمال الحالي، حيث تُعتبر رفاهية الموظف عنصرًا أساسيًا في استدامة الأداء، تزداد أهمية بيانات تجربة الموظفين في تصميم برامج عمل تدعم التوازن بين العمل والحياة الشخصية. ذلك أن الموظف السعيد والمستقر عاطفيًا هو الأكثر قدرة على تقديم أفضل ما لديه في العمل.
الخلاصة
تعتبر بيانات تجربة الموظفين أداة متقدمة وشاملة تسمح للشركات بفهم احتياجات موظفيها على مستوى أعمق وأكثر إنسانية. من خلال التركيز على المشاعر، التفاعلات الاجتماعية، ورفاهية الموظفين، يمكن للمؤسسات تحسين بيئة العمل، تعزيز الولاء، وزيادة الإنتاجية. على الرغم من أن بيانات الموظفين التشغيلية تظل مهمة في تحسين العمليات اليومية، إلا أن بيانات تجربة الموظفين تقدم أداة أكثر قدرة على التنبؤ بالتحديات المستقبلية وتعزيز استراتيجيات النمو المستدامة. في النهاية، يمكن القول إن دمج بيانات تجربة الموظفين مع البيانات التشغيلية سيؤدي إلى تحقيق توازن مثالي يدعم الأداء العالي ويعزز ثقافة العمل الفعالة.
