تفسير سورة قريش
سورة قريش هي السورة رقم 106 في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي واحدة من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة. هذه السورة من السور القصيرة، وتتكون من أربع آيات فقط، لكنها تحمل في طياتها معانٍ عظيمة، ودروسًا مفيدة، تشير إلى فضل الله على قريش، وتحث على التوحيد والاعتماد على الله في كل الأوقات.
الآيات:
-
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ
-
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
-
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
-
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
تفسير الآيات
الآية الأولى: “لِإِيلافِ قُرَيْشٍ”
كلمة “إيلاف” تعني التعود أو التهيئة. و”إيلاف قريش” تعني العيش في سعة ورغد بفضل ما كان يجده أهل قريش من راحة وأمان بفضل ما هيأ الله لهم من أسباب النجاح والازدهار. وقد اعتاد أهل قريش على التجارة والسفر في رحلة الشتاء والصيف، التي كانت تجمع لهم الأرباح الوفيرة. هذه الرحلات كانت تأخذهم من مكة إلى الشام في الصيف، ومن مكة إلى اليمن في الشتاء، مما يعكس حالة الاستقرار والرخاء التي كانوا يعيشون فيها.
الآية الثانية: “إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ”
تشير هذه الآية إلى الرحلتين السنويتين اللتين كانتا مصدر رزق قريش. في الشتاء، كانوا يسافرون إلى اليمن، حيث الجو الدافئ والأسواق التجارية المربحة، وفي الصيف كانوا يتجهون إلى الشام، حيث كانت التجارة أكثر ربحًا بفضل منتجاتهم التي كانت تجذب التجار والمستهلكين في تلك المناطق. هذه الرحلات كانت تمثل ضمانًا اقتصاديًا لقريش، حيث كان السفر ينطوي على التجارة واكتساب الأموال التي تضمن لهم الرفاهية.
الآية الثالثة: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ”
تأمر الآية أهل قريش بأن يعبدوا الله الذي اختار مكة ليكون فيها “البيت الحرام”، و”البيت” هنا يشير إلى الكعبة المشرفة، التي كانت تعتبر مركزًا دينيًا وتجاريًا في نفس الوقت. كان أهل قريش يعظمون الكعبة ويزورونها لأداء الطواف، وكان لديهم ارتباط قوي بها بسبب موقعها الاستراتيجي وأهميتها التجارية والدينية. لكن الآية هنا تدعوهم إلى العبادة الحقة لله، والاعتراف بأنه هو الذي منّ عليهم بالخير والراحة، وأنه يجب عليهم أن يلتزموا بتوحيده.
الآية الرابعة: “الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”
تذكر هذه الآية نعم الله التي أنعم بها على قريش. فقد كانوا يعيشون في مكة في حالة من الأمن والاستقرار، على الرغم من الصعوبات التي قد تواجههم من الخارج، بفضل حماية الله لهم. وكانوا يعانون من قلة الغذاء في بعض الأحيان بسبب الرحلات الطويلة التي كانوا يقومون بها في الشتاء والصيف، لكن الله كان يرزقهم ويمنحهم الأمان في رحلاتهم. هذه الآية تعد تذكيرًا واضحًا بأن النعم التي تمتع بها قريش كانت بفضل الله، الذي رزقهم الطعام والأمان.
الدروس والعبر المستفادة من السورة
-
توحيد الله وعبادته: السورة تدعو أهل قريش إلى التوحيد وعبادة الله، الذي منحهم النعم والفضل. كان من الواجب عليهم أن يعترفوا بأن هذا الفضل لا يأتي إلا من الله تعالى، لذلك يجب عليهم أن يعبدوه ويشكروا نعمته.
-
الشكر على النعم: تذكر السورة قريشًا بنعمة الطعام والأمان التي كانت لديهم. في هذا تذكير للمسلمين بضرورة شكر الله على نعمه، والاعتراف بأن كل ما لدينا من خير هو من فضل الله وحده.
-
التأكيد على الاستقرار والرخاء: السورة تبرز حالة الاستقرار التي كانت تعيشها قريش بفضل هذه الرحلات التجارية التي كانت تأتي لها بالأموال. ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار لا ينبغي أن يكون سببًا للغفلة عن عبادة الله، بل يجب أن يُستثمر هذا الرخاء في عبادته وشكره.
-
حماية الله ورعايته: الله سبحانه وتعالى هو الذي كان يحفظ قريشًا من الجوع والخوف، فهذه النعم الكبيرة ليست مجرد مصادفات أو حسن حظ، بل هي منحة من الله لحمايتهم ورعايتهم. علينا أن نكون دائمًا في حالة من الشكر لله على ما يقدمه لنا من أمن وسلامة.
-
تعليم الأمم الأخرى: هذه السورة أيضًا توجه رسالة إلى باقي الأمم بأن الله هو الذي بيده كل شيء، وأنه من خلال توحيده وعبادته، تأتي النعم والأمن.
-
الدعوة إلى الإيمان بالرسالة: بما أن السورة نزلت في مكة، وهي في وقت كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قومه للإيمان، فإن هذه الآيات تذكر قريشًا بأن النعم التي ينعمن بها هي بسبب هذا الدين، ودعوتهم للإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي هي في صميم دعوة التوحيد والشكر لله.
سياق نزول السورة
سورة قريش نزلت في وقت كانت فيه قريش في أفضل حالاتها من الناحية الاقتصادية والتجارية، إلا أنهم كانوا في حالة من الكفر والشرك. وقد استعرضت السورة هذه الحالة لتكون بمثابة دعوة لهم للاعتراف بفضل الله عليهم، وحثهم على التوجه لعبادته وشكره على النعم التي منحهم إياها. كما كان فيها دعوة غير مباشرة للأمم الأخرى للاعتراف بعظمة الله.
الخلاصة
سورة قريش، على الرغم من أنها قصيرة من حيث عدد الآيات، إلا أنها تحمل في طياتها معاني عظيمة تتعلق بفضل الله على قريش من خلال النعم التي أسبغها عليهم، من الأمان والطعام وازدهار التجارة، وتحثهم على توحيد الله وشكره. وفي هذه السورة دعوة للمسلمين في جميع العصور ليتذكروا نعمة الله عليهم، ولعبادته على النحو الذي يرضي الله، مُدركين أن كل ما في هذا العالم من نعم هو من عند الله وحده.
