شرح سورة الطارق: تفسير وتحليل
مقدمة
سورة الطارق هي السورة رقم 86 في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة. تتكون السورة من 17 آية، وهي تتناول مواضيع عدة، أبرزها التذكير بعظمة الله تعالى وبدء خلق الإنسان، مع تحذير للبشر من غفلتهم عن الحساب يوم القيامة. في هذا المقال، سنتناول شرح السورة بتفصيل، ونتناول معاني الكلمات والآيات وما تحمله السورة من عبر ودروس.
معنى كلمة “الطارق”
سورة الطارق بدأت بكلمة “الطارق”، وهذه الكلمة تحمل في طياتها معاني متعددة. في اللغة العربية، “الطارق” يُشير إلى كل شيء يأتي فجأة أو بشكل غير متوقع. وقد ذكر بعض المفسرين أن “الطارق” هو كل شيء يطرق الباب فجأة، ومنه الكوكب الذي يظهر في السماء ليلاً ويُضيء في الظلام. ووفقًا للتفسير، فإن الطارق يُقصد به الكوكب الثاقب، وهو الكوكب الذي يظهر في السماء ويضيء بشدة، وهذه إشارة إلى الكواكب التي تظهر في السماء ليلاً.
الآية 1: “وَالطَّارِقِ”
تبدأ السورة بالقسم بـ “الطارق”، وكما نعلم من علم البلاغة القرآنية، فإن القسم يحمل معاني عظيمة ودلالات على أهمية ما يتم القسم به. فالله تعالى يقسم بهذا الطارق لكي يلفت الانتباه إلى الحدث العظيم الذي سيذكره لاحقًا في السورة. هذا التقديم يوحي بأن ما سيذكر بعده سيكون ذا أهمية خاصة.
الآية 2: “وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ”
في هذه الآية، يأتي أسلوب الاستفهام الذي يتوجه إلى الإنسان لكي يتساءل عن حقيقة “الطارق”. فهذا السؤال في القرآن الكريم ليس للاستفهام عن الحقيقة بل هو أسلوب بلاغي يهدف إلى إبراز العظمة والخطر وراء هذا الطارق. الله تعالى يوضح هنا أن الإنسان لا يعرف الكثير عن هذا الطارق، وبالتالي يتعين عليه الانتباه والتفكر فيما سيأتي.
الآية 3: “النَّجْمُ الثَّاقِبُ”
في هذه الآية، يتضح المعنى المقصود من كلمة “الطارق”، حيث يوضح الله تعالى أنه يقصد بالكلمة “النجم الثاقب”، وهو النجم الذي يضيء في السماء ويظهر بوضوح في الليل. وتظهر صورة النجم في هذه الآية ليكون رمزًا للآية الكبرى التي ستحدث في الكون، كما يظهر النجم فجأة في السماء، كذلك ستحدث آيات الله في المستقبل بشكل مفاجئ للبشر.
الآية 4: “إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ”
بعد أن ذكر الله تعالى الطارق والنجم الثاقب، انتقل إلى بيان حقيقة عظيمة تتعلق بكل نفس بشرية. ففي هذه الآية، يخبر الله تعالى أن كل نفس على وجه الأرض لها حافظ، أي أن هناك من يراقبها ويعتني بها. هذا الحافظ يمكن أن يكون ملكًا من الملائكة المكلفين بحفظ الإنسان، وهذا تذكير بأن كل ما يفعله الإنسان مراقب ومحصي. لذلك، يجب على الإنسان أن يحرص على أفعاله وأن يكون مدركًا لوجود الحافظ الذي يراقب أعماله.
الآية 5-10: “فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ… فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَٰلِقِينَ”
هذه الآيات تعرض حقيقة عظيمة تتعلق بمصدر خلق الإنسان. ففيها يُذكر أن الإنسان خُلق من ماء مهين، وهو السائل المنوي، الذي يتحول في رحم المرأة إلى جنين ثم يولد كطفل. تذكير الله تعالى للإنسان بأصله يهدف إلى ترسيخ فكرة ضعفه وعجزه أمام قدرة الله التي لا حدود لها.
هذه الآيات تمثل دعوة للإنسان للتفكر في نشأته وأصله، وكم هو صغير وعاجز عندما يقارن بقدرة الله الذي خلقه من ماء مهين ثم جعل منه إنسانًا.
الآية 11-12: “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَجْمَعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ”
في هاتين الآيتين، يُطرح السؤال الاستنكاري الذي يثير في النفس الإنسانية التفكر في مصيرها بعد الموت. هل يظن الإنسان أنه لن يُبعث بعد موته؟ هذا السؤال هو دعوة للإنسان لكي يستيقظ من غفلته ويؤمن بالآخرة. الله تعالى يخبر الإنسان أن هناك حياة بعد الموت، حيث يُبعث الجميع ويُحاسبون على أعمالهم.
الآية 13-17: “بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ”
في هذه الآيات، تأتي الإجابة على السؤال الذي تم طرحه في الآية السابقة. الله تعالى يؤكد أنه قادر على إعادة الإنسان إلى الحياة بعد موته، بل ويستطيع أن يعيد حتى أدق تفاصيل جسده كما كان، مثل أصابعه وبنانه. وهذا يظهر قدرة الله تعالى المطلقة في الخلق والبعث.
الدروس والعبر من سورة الطارق
-
عظمة الله وقدرته: السورة تُذّكر المسلمين بعظمة الله تعالى وقدرته على الخلق والبعث، فكما خلق الإنسان من ماء مهين قادر على إعادة خلقه بعد الموت.
-
الاحتكام إلى العقل: تُحث السورة الإنسان على التفكير في خلقه وأصله، وتذكيره بأن كل شيء في الكون هو بتقدير الله وتدبيره.
-
المراقبة الإلهية: تذكر السورة أن الله تعالى يراقب كل ما يفعله الإنسان في الدنيا، وكل نفس لها حافظ.
-
الآخرة والبعث: تعزز السورة إيمان الإنسان بيوم القيامة وبعث الأموات، فلا شيء مستحيل على الله، وكل نفس ستُحاسب على أعمالها.
-
التواضع والاعتراف بعجز الإنسان: من خلال تذكير الإنسان بأصله الضعيف من ماء مهين، تدعو السورة إلى التواضع والاعتراف بعجز الإنسان أمام قدرة الله تعالى.
خاتمة
سورة الطارق هي من السور التي تثير التفكر والتأمل في قدرة الله تعالى، وتُذّكرنا بضعف الإنسان وعجزه أمام عظمة الخالق. وتؤكد السورة على حقيقة البعث والحساب في الآخرة، ما يستدعي من الإنسان أن يستعد لذلك اليوم العظيم عبر الإيمان والعمل الصالح.
