تفسير آية وما ملكت أيمانكم

تفسير آية “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”

الآية الكريمة “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” وردت في العديد من المواضع في القرآن الكريم، ولها معانٍ متشعبة تتعلق بعلاقة الإنسان بالآخرين في سياق حقوق وواجبات معينة في الإسلام. في هذا المقال سنستعرض التفسير الكامل لهذه الآية الكريمة، مع توضيح السياقات التي وردت فيها وتوضيح المفاهيم المرتبطة بها في الشريعة الإسلامية.

1. مفهوم “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”

الآية الكريمة “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” تعني “وَمَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْهُ مِنْ نِسَائِكُمْ أَوْ مِمَّنْ تَمْلِكُونَ مِنْ خَدَمٍ وَفِيْمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ”. هنا، “مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” تشير إلى الأشخاص الذين كان لهم السيطرة عليهم في عهد النبوة، بما في ذلك الإماء والعبيد، الذين كانوا يُعتبرون جزءاً من الملكية الفردية في تلك الفترة. تعتبر هذه الجملة واحدة من الجمل التي تحتاج إلى التفسير بناءً على الزمان والمكان الذي وردت فيه، حيث يعكس القرآن الكريم واقعاً تاريخياً وثقافياً خاصاً.

2. السياق التاريخي للآية

في فترة ما قبل الإسلام وفي بعض العصور بعد ظهور الإسلام، كانت العبودية ظاهرة شائعة، حيث كان يُنظر إلى العبيد والإماء كجزء من ممتلكات الأشخاص. عندما نزل القرآن الكريم، كانت هذه الظاهرة جزءاً من النظام الاجتماعي والاقتصادي. فقد ذكر القرآن “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” في سياقات تشريعية عديدة تتعلق بحقوق العبيد والإماء والواجبات التي يجب على مالكيهم أن يقوموا بها، مع التأكيد على حسن معاملتهم وتوفير الحقوق لهم.

أما في الإسلام، فقد تم تقييد هذا النظام الاجتماعي بشكل تدريجي، وتم وضع قواعد صارمة لتحرير العبيد وحقوقهم. في وقت لاحق، أصبح الإسلام يشجع على تحرير العبيد كعمل صالح، ويحث المسلمين على معاملة الخدم والمملوكين معاملة كريمة وإنسانية.

3. التفسير اللغوي

لفهم معنى “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” بشكل دقيق، يجب أن نحلل اللفظ والتفسير اللغوي للكلمات.

• “ما”: هذه أداة استفهام أو مصدرية في اللغة العربية، تستخدم للإشارة إلى ما يملك الشخص أو يقتنيه.

• “ملكت”: تعني “امتلكت” أو “استحوذت”، وهي صيغة من الفعل “مَلَكَ”، التي تشير إلى التملك أو السيطرة على شيء.

• “أيمانكم”: هذه الكلمة هي جمع “يمين”، وهي تشير إلى اليد اليمنى، حيث كانت تمثل القوة والسيطرة. وعليه، فإن المقصود بـ “ما ملكت أيمانكم” هو ما يمكن للإنسان أن يملكه أو يتحكم فيه، بما في ذلك العبيد والإماء في تلك الحقبة الزمنية.

4. الآية في سياقها القرآني

وردت آية “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وهي تشير إلى فئات مختلفة من الناس الذين كانوا في زمان الوحي تحت سيطرة وملكية الأفراد. من بين هذه المواضع، جاءت الآية في سياق تشريعي يتحدث عن حقوق النساء والإماء:

• في سورة النساء (الآية 3): “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ۚ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”.

وفي هذه الآية، يتم الإشارة إلى النساء المملوكات للأشخاص ويُسمح للرجال في هذه الفترة بالزواج بهن.

5. الحقوق والواجبات المتعلقة بـ “ما ملكت أيمانكم”

توضح الشريعة الإسلامية أنه لا يجوز ظلم هؤلاء الأفراد المملوكين أو إساءة معاملتهم. يجب أن يتم التعامل معهم بحسن، مع توفير الحماية لهم من الاستغلال والإيذاء. في الحديث النبوي الشريف، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم”.

وفي هذا الحديث، يظهر بوضوح الواجبات المترتبة على مالكي العبيد والإماء. يجب عليهم توفير الطعام والملابس المناسبة لهم، وعدم تحميلهم أعمالًا ثقيلة قد تؤذيهم أو تجعلهم يتعرضون لمشقة.

6. تفسير بعض الآيات المتعلقة بـ “ما ملكت أيمانكم”

الآية الكريمة “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” غالبًا ما كانت تأتي في سياقات تتعلق بمعاملة النساء والإماء والعبيد. فقد وردت في سورة النساء وسورة النور وسورة المؤمنون وسور أخرى، وتأتي غالبًا مع تعليمات محددة حول كيفية معاملة هؤلاء الأفراد.

على سبيل المثال، في سورة النساء (الآية 25)، نجد النص: “فَإِذَا فَأْتَمْتُمْ مِّنْهُنَّ مَا فَرَجْتُمْ فَذُوقُوا وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”، وهي تشير إلى حق الرجل في الاستمتاع بما ملكت يمينه من النساء، ولكن في إطار ضوابط شرعية وتنظيمات تفصيلية تحترم حقوق الإنسان.

7. التوجهات القرآنية نحو تحرير العبيد

في الشريعة الإسلامية، تم اتخاذ العديد من الخطوات والآليات لتحديد وضع العبيد والإماء تدريجيًا. فقد نص القرآن الكريم على ضرورة تحرير العبيد كفارة لبعض الذنوب، وكذلك في العديد من الحالات المتعلقة بالمعاملات المالية. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشجع على تحرير العبيد ويعتبر ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله.

8. الآية في العصر الحديث

مع تطور المجتمعات الإسلامية والعالمية، ومع انقضاء نظام العبودية في معظم الدول، يصبح تفسير “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” في العصر الحديث أكثر تجريدًا. ففي العصر الحديث، لا يُنظر إلى العبودية كممارسة مقبولة، بل هي محظورة بموجب القوانين الدولية والشريعة الإسلامية.

ولكن، إذا نظرنا إلى المعنى الرمزي لهذه الآية، يمكننا أن نفهم أنها تتعلق بأي شكل من أشكال السيطرة على الآخرين أو التبعية لهم. اليوم، قد يُنظر إلى “ما ملكت أيمانكم” كإشارة إلى المسؤولية التي تقع على الأفراد الذين يتحكمون في حياة الآخرين، سواء كان ذلك في إطار العمل أو العلاقات الشخصية.

9. الخلاصة

آية “وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” تعد جزءًا من السياق التشريعي الذي يوضح العلاقة بين الأفراد في النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سائدًا في العصر الجاهلي والإسلامي المبكر. في هذه الآية، تتجسد ملامح حقوق وواجبات من كانت لهم سيطرة على العبيد والإماء، مع التأكيد على ضرورة معاملتهم معاملة حسنة ومتوازنة.

على الرغم من أن هذه الآية تتعلق بنظام اجتماعي قد اختفى اليوم، فإنها تقدم لنا دروسًا عظيمة في كيف يمكن التعامل مع الآخرين من منطلق العدل والرحمة، والابتعاد عن الاستغلال في أي شكل من أشكال الحياة البشرية.