تعليم السنن المهجورة للأطفال

عنوان المقال: السنن المهجورة للأطفال

المقدمة

إنّ التربية الإسلامية لا تكتمل دون غرس حبّ السنّة النبويّة في نفوس الأطفال منذ نعومة أظفارهم، فالسنة هي المنهج التطبيقي للقرآن الكريم، وهي السبيل لفهم الإسلام فهمًا سليمًا، ومن خلالها يُصاغ سلوك الطفل وتتشكل هويته الإسلامية. غير أن كثيرًا من السنن النبوية قد اندثرت أو ضعُف العمل بها، إمّا لضعف الوعي بها، أو لانشغال المسلمين بالمظاهر عن الجوهر، أو لهيمنة أنماط الحياة الحديثة التي جعلت كثيرًا من الشعائر تبدو غريبة وسط زحمة الحياة المعاصرة.

إن تعليم السنن المهجورة للأطفال ليس مجرد تعليم لعادات أو طقوس دينية، بل هو تأسيسٌ لجيل يعيش الإسلام بروحه ومقاصده، ويُعيد إحياء السيرة النبوية في واقع المسلمين. ويُعتبر غرس هذه السنن وسيلة فعّالة لتقوية الصلة بالنبي ﷺ، وتعزيز روح الاتّباع، وزرع الحب والإجلال في قلب الطفل للقدوة الأعظم في التاريخ.

مفهوم السنن المهجورة

السنن المهجورة هي الأفعال أو الأقوال أو العبادات التي ثبتت عن النبي ﷺ ولكن قلّ العمل بها أو نُسيت بين الناس، رغم أنها تحمل في طياتها كنوزًا تربوية وروحية عظيمة. وهي لا تشمل السنن الرواتب والعبادات الكبرى فحسب، بل تشمل أيضًا المواقف اليومية، من آداب الطعام والشراب، إلى أسلوب النوم، والاستئذان، والتحية، واللباس، والدعاء، والتعامل مع الآخرين.

أهمية تعليم السنن المهجورة للأطفال

تعليم السنن المهجورة للأطفال له فوائد عظيمة، من أهمها:

1. تحقيق الاقتداء الكامل بالنبي ﷺ: فالاقتداء لا يقتصر على الفرائض، بل يشمل دقائق السلوك وأسلوب الحياة.

2. غرس الهوية الإسلامية الأصيلة: الطفل الذي ينشأ على السنن النبوية يتشرب نمط حياة إسلاميًا متكاملًا.

3. تعزيز الروابط الروحية بالنبي ﷺ: حين يتعلم الطفل أن هذه الأفعال سنة نبوية، يشعر بالقرب من رسول الله ﷺ.

4. المساهمة في إحياء السنة في المجتمع: الأطفال يصبحون سفراء للسنّة في أسرهم ومدارسهم وبيئتهم.

5. وقاية من السلوكيات الدخيلة: السنن المهجورة تحمل في طياتها ضوابط نفسية وسلوكية تحمي الطفل من التبعية والانحراف.

أبرز السنن المهجورة المناسبة للأطفال

فيما يلي مجموعة من السنن المهجورة التي يمكن تعليمها للأطفال بطريقة مبسطة وتربوية:

1. دعاء دخول البيت والخروج منه

السنة أن يقول المسلم عند دخول البيت: “بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا”، ويُعلَّم الطفل أيضًا قول: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” إذا لم يجد أحدًا في البيت.

2. السواك

السواك من السنن التي هُجرت، وخاصةً عند الأطفال. يمكن تعويد الطفل عليه يوميًا بعد الاستيقاظ من النوم أو قبل الصلاة.

3. لبس النعل باليمين وخلعه باليسار

هي سُنّة بسيطة لكنها تُهمل، وهي مدخل لغرس قيمة احترام التفاصيل في حياة المسلم.

4. دعاء لبس الثياب

أن يقول الطفل عند ارتداء الثياب: “الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة”.

5. قول: “بسم الله” قبل الطعام

ورفع الصوت بها أحيانًا لغرض التعليم الجماعي. ومراعاة تعليم الطفل أن من نسي في أول الطعام أن يقول: “بسم الله أوله وآخره”.

6. النوم على الشق الأيمن

يُعزز لدى الطفل من خلال وضع وسادة صغيرة على جانبه الأيمن أو تذكيره بلطف قبل النوم.

7. دعاء دخول الخلاء والخروج منه

يُحفظ الطفل الأدعية بطريقة تربوية، ويمكن تعليقهما في مكان ظاهر في البيت.

8. التبسم في وجه الآخرين

السنة أن التبسم صدقة، وهي من الأخلاق النبوية التي يمكن أن ترسّخ مع اللعب والمرح.

9. عيادة المريض وزيارة الأقارب

حتى وإن كان الطفل صغيرًا، فإن إشراكه في زيارة المرضى يعلمه سنة عظيمة من سنن التراحم.

10. صيام الأيام البيض

من الأفضل أن يبدأ تعليمه من سن العاشرة على سبيل التدرج في التطبيق.

الأساليب التربوية في تعليم السنن المهجورة للأطفال

تعليم السنن المهجورة للأطفال يحتاج إلى أساليب مرنة وفعالة تتماشى مع مراحلهم العمرية وتراعي طبيعتهم النفسية. وفيما يلي مجموعة من الأساليب التربوية المجربة:

أولًا: القدوة الحسنة

الأطفال يتعلمون بالمحاكاة أكثر من الأوامر، فإذا رأى الطفل والديه يطبّقون السنن بانتظام، سيكتسبها تلقائيًا.

ثانيًا: القصص النبوية التربوية

سرد قصص نبوية حقيقية عن حياة الرسول ﷺ اليومية يُعزز ارتباط الطفل بالسنّة، ويحببها إلى قلبه.

ثالثًا: اللعب التربوي

استخدام الألعاب التعليمية والتفاعلية التي تعلّم الطفل السنن بطريقة مرحة ومحببة.

رابعًا: اللوحات والجداول

عمل جدول أسبوعي للسنن وتوزيعها حسب الأيام، مع مكافآت رمزية عند الالتزام، يعزز من استمرارية الطفل في العمل بها.

خامسًا: المكافآت التحفيزية

استخدام نظام المكافآت المعنوية والمادية لإثابة الطفل عند التزامه بالسنن.

سادسًا: الدمج مع الأنشطة اليومية

ربط السنة بموقف يومي يسهل على الطفل تذكره، مثل تعليمه أن يبدأ الطعام بـ”بسم الله” كلما جلس للأكل.

مراحل تعليم السنن المهجورة بحسب عمر الطفل

التربية الإسلامية تعتمد على التدرج بحسب النمو العقلي والنفسي للطفل، ويمكن تقسيم مراحل تعليم السنن كالتالي:

من 3 إلى 6 سنوات

• التركيز على السنن البسيطة الظاهرة كدعاء الطعام، السلام، التبسم، بسم الله عند الدخول.

• استخدام الألعاب والرسوم التوضيحية.

• التكرار المحبب بدون إلحاح أو عقاب.

من 7 إلى 10 سنوات

• بداية إلزام الطفل تدريجيًا ببعض السنن المرتبطة بالصلاة والطهارة.

• تعليم الأدعية اليومية بالتدرج.

• تحفيزه على تطبيق السنن في بيئة المدرسة.

من 11 إلى 14 سنة

• إشراكه في برامج تعليمية ومسابقات أسرية في السنن.

• تدريبه على نقل السنن لإخوته الأصغر منه.

• تعليمه فضل إحياء السنن ودورها في محبة النبي ﷺ.

معوقات تعليم السنن المهجورة للأطفال

رغم أهمية هذه التربية، إلا أن هناك العديد من التحديات والمعوقات التي تواجه الآباء والمربين، منها:

• قلة الوعي بأهمية السنن المهجورة لدى الوالدين.

• انشغال الأطفال بالتكنولوجيا ووسائل الترفيه الحديثة مما يقلل من التركيز على الجوانب الدينية.

• ضعف البرامج التعليمية المخصصة للسنن في المناهج الدراسية.

• غياب البيئة المساندة في كثير من الأسر والمدارس.

• اعتبار البعض أن السنن ليست ضرورية، مما يُضعف الدافع لتعليمها.

دور المؤسسات في تعليم السنن المهجورة

ينبغي أن لا يقتصر تعليم السنن على جهود فردية من الآباء، بل يجب أن يكون هناك دور فعّال للمؤسسات التعليمية والدعوية:

• المدارس الإسلامية: تضمين مناهج خاصة بالسنن المهجورة.

• الروضة القرآنية: تأسيس مناهج مخصصة لتعليم السنن البسيطة للأطفال دون سن المدرسة.

• المساجد: تنظيم حلقات أسبوعية بعنوان “سنّة هذا الأسبوع”.

• البرامج التلفزيونية والمنصات الرقمية: إعداد محتوى مرئي تعليمي للأطفال عن السنن.

• الجمعيات التربوية: إصدار مطويات وكتيبات مخصصة للأطفال عن السنن المهجورة.

الأثر المستقبلي لتعليم السنن المهجورة للأطفال

حين يتم تربية الطفل على حب السنة والعمل بها، فإن ذلك لا ينتهي عند حدود طفولته، بل يمتد أثره إلى ما هو أوسع، فهو ينشأ ليصبح شابًا يُجسد الإسلام سلوكًا وأخلاقًا، ويُسهم في إحياء السنن وسط المجتمع. كما أن هذا التكوين المبكر يضمن بناء شخصية متزنة، وواعية، ومحبة للرسول ﷺ، تسعى للارتقاء بسلوكها اليومي وفق النموذج النبوي الخالد.

الخاتمة

تعليم السنن المهجورة للأطفال هو مسؤولية عظيمة وأمانة تربوية تقع على عاتق الآباء والمربين، إذ به تُصاغ عقول الصغار وسلوكهم على منهج النبوة. إنّ إعادة إحياء السنن في نفوس الجيل الصاعد هو امتدادٌ لرسالة الإسلام، وتجسيد حيّ لسيرة رسول الله ﷺ، ووسيلة فعالة لصناعة جيلٍ محصّن بالقيم، مسلّح بالإيمان، وواعٍ لهويته الإسلامية في عالم متغير.

المراجع:

1. ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد

2. الإمام النووي، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين