كيف تشعر بالمزيد من الحماسة تجاه عملك؟

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتداخل فيه المهام والضغوط المهنية، يجد كثير من الموظفين والعاملين أنفسهم في حالة من الإرهاق وفقدان الشغف، وقد يتسلل الملل إلى أيامهم ليحوّل ساعات العمل إلى عبء ثقيل. الشعور بالحماسة تجاه العمل ليس رفاهية، بل عنصر جوهري لتحفيز الأداء وتحقيق التقدم المهني والرضا الشخصي. وعليه، فإن فهم الأساليب والاستراتيجيات التي تعزز هذا الشعور يعد ضرورة لكل من يسعى إلى تطوير علاقته بمهنته وتحقيق التوازن النفسي في حياته العملية.

في هذا المقال الموسع، سيتم تناول العوامل النفسية والعملية التي تسهم في استعادة الحماسة للعمل، مدعومة بأحدث الدراسات العلمية والممارسات الناجحة، إضافة إلى تقديم حلول عميقة تساعد في خلق بيئة مهنية أكثر تحفيزاً.

أولاً: فهم مفهوم الحماسة المهنية

الحماسة تجاه العمل أو ما يُعرف بالـ Work Engagement ليست مجرد شعور مؤقت بالحماس، بل هي حالة من التورط الإيجابي مع المهام المهنية، تتميز بالنشاط، والالتزام، والاندماج في العمل. الشخص المتحمّس لا يؤدي عمله من أجل الراتب فقط، بل يجد فيه معنى وقيمة شخصية ومجتمعية.

حسب تقرير مؤسسة Gallup العالمي لعام 2023، فإن حوالي 85% من الموظفين حول العالم لا يشعرون بالاندماج الحقيقي في عملهم. وهذه النسبة تعكس أزمة عالمية تتطلب مواجهة متعددة الأبعاد.

ثانياً: الأسباب الشائعة لفقدان الحماسة تجاه العمل

• الروتين القاتل: تكرار نفس المهام يومياً دون تنوع يسبب الجمود الذهني وفقدان الشغف.

• عدم وضوح الأهداف: عندما لا يكون هناك تصور واضح لأهداف العمل أو جدوى المهام، يفقد الموظف شعوره بالإنجاز.

• ضعف التقدير: غياب الاعتراف بالمجهودات يقتل الدافع الداخلي.

• تضارب القيم: العمل في بيئة لا تتماشى مع المبادئ الشخصية قد يخلق صراعاً داخلياً.

• قلة فرص التطور: الشعور بالجمود المهني يصيب الفرد بالإحباط.

ثالثاً: استراتيجيات فعّالة لاستعادة الحماسة تجاه العمل

1. إعادة تعريف معنى العمل

يُنصح بإعادة التفكير في معنى العمل ومكانته في الحياة. عندما يُنظر إلى الوظيفة كوسيلة لتحقيق أهداف شخصية أو للمساهمة في هدف أسمى، تتحول من عبء إلى رسالة. يمكن تبنّي أسلوب Job Crafting، وهو نهج نفسي يعتمد على إعادة تصميم الوظيفة بحسب نقاط القوة والقيم الفردية.

2. وضع أهداف قصيرة وطويلة المدى

وجود أهداف محددة يساعد على تتبع التقدم ويمنح شعوراً بالإنجاز. يُفضّل استخدام أسلوب SMART في تحديد الأهداف، أي أن تكون:

3. كسر الروتين بإدخال التنوع في المهام

التنويع في المهام أو طرق إنجازها يحفّز الدماغ ويزيد من الانتباه. على سبيل المثال، يمكن طلب الانخراط في مشاريع جديدة، أو تغيير طريقة أداء المهام، أو حتى تعديل الجدول اليومي ليشمل فترات للراحة الذهنية.

4. تطوير المهارات باستمرار

التعلم المستمر يُعزز الثقة بالنفس، ويزيد من قيمة الموظف في بيئته المهنية. يمكن الالتحاق بدورات في المهارات التقنية، أو مهارات التواصل، أو حتى مجالات جديدة تُفتح آفاق الإبداع.

5. تقوية الروابط الاجتماعية في مكان العمل

الانخراط في علاقات صحية مع الزملاء يخفف من الضغط النفسي ويعزز الشعور بالانتماء. وجود شبكة دعم اجتماعي يُعد عاملاً محورياً في تعزيز الحماسة المهنية.

6. الاعتناء بالصحة النفسية والجسدية

العقل المتعب والجسد المنهك لا يمكنهما توليد الحماسة. ممارسة التمارين الرياضية، النوم المنتظم، والتغذية الصحية لها تأثير مباشر على كيمياء الدماغ والمزاج العام. كما أن تقنيات مثل التأمل أو تمارين التنفس العميق تساعد على استعادة التوازن العقلي.

7. الابتعاد عن البيئة السامة

في بعض الحالات، يكون مصدر فقدان الحماسة بيئة عمل سامة تعتمد على التسلط أو التمييز أو عدم الشفافية. في مثل هذه البيئات، من الصعب جداً استعادة الحماسة، ويكون الخيار الأنسب هو التفكير الجاد في الانتقال إلى بيئة أكثر دعمًا وتقديرًا.

رابعاً: دور القادة في تعزيز الحماسة لدى الموظفين

الحماسة في بيئة العمل ليست مسؤولية فردية فحسب، بل تتطلب تضافر الجهود بين الموظف والإدارة. القادة الناجحون يعرفون أن الموظف المتحمّس هو موظف أكثر إنتاجية وإبداعاً وولاءً. لذلك فإن استراتيجيات الإدارة يجب أن تتضمن:

• تقدير الإنجازات: من خلال الكلمات أو المكافآت أو الترقية.

• فتح قنوات الحوار: منح الموظفين صوتاً في اتخاذ القرار يعزز من شعورهم بالقيمة.

• توفير فرص النمو: من خلال التدريب أو التحديات الجديدة.

• المرونة: في أوقات العمل أو أساليب الأداء، ما يراعي الظروف الشخصية ويزيد من الرضا الوظيفي.

خامساً: القوة النفسية وتأثير العقلية الإيجابية

الحماسة لا تنبع فقط من البيئة الخارجية، بل أيضاً من العقلية التي يختارها الفرد. العقلية الإيجابية، التي ترى في كل تحدّ فرصة، تساعد على التعامل بمرونة مع صعوبات العمل. دراسات علم النفس الإيجابي تشير إلى أن الأفراد الذين يتدربون على الامتنان اليومي أو ممارسة التأمل الذهني يمتلكون قدرة أعلى على الحفاظ على الدافع حتى في الظروف الصعبة.

سادساً: تنظيم الوقت والمهام

الإجهاد الناتج عن سوء تنظيم الوقت يضعف الحماسة ويؤدي إلى الاحتراق المهني. إدارة الوقت بفعالية، مثل استخدام تقنيات تقسيم المهام (Time Blocking) أو تقنية بومودورو، يساعد على تقليل الضغط وزيادة التحكم في سير العمل. الشخص الذي يشعر بأنه يتحكم بمهامه يشعر بمزيد من الثقة والحماسة.

سابعاً: تخصيص وقت للراحة والانفصال المؤقت عن العمل

العمل المستمر دون فترات راحة يؤدي إلى استنزاف الذهن، ما يؤثر على الحماسة بشكل مباشر. يُوصى بتخصيص فترات يومية للراحة، وأيام أسبوعية للاسترخاء، وإجازات سنوية لاستعادة النشاط. كما أن الفصل بين الحياة العملية والشخصية أمر حيوي للحفاظ على الصحة النفسية والتوازن.

ثامناً: الإنخراط في أنشطة خارج العمل تدعم الهدف الشخصي

عندما يكون للفرد أنشطة جانبية تتماشى مع شغفه أو تطلعاته، مثل العمل التطوعي، الفن، الرياضة، أو حتى مشاريع شخصية، فإنها تنعكس إيجابياً على حالته النفسية وتغذي شعوره بالمعنى، ما ينعكس بدوره على حماسته في العمل الرسمي.

تاسعاً: التذكير المستمر بالإنجازات والنجاحات السابقة

الذاكرة البشرية غالباً ما تميل إلى التركيز على السلبيات. لذلك، فإن تذكير النفس باستمرار بما تم تحقيقه من نجاحات صغيرة أو كبيرة، يعيد إحياء الشعور بالكفاءة الذاتية، ويجدد الطاقة الداخلية. يمكن تخصيص دفتر أو ملف رقمي لتسجيل الإنجازات، والرجوع إليه وقت الشعور بالإحباط.

عاشراً: تقنيات التحفيز الذاتي

تشمل هذه التقنيات استخدام التأكيدات الإيجابية، أو الاستماع لمحتوى تحفيزي، أو حتى محادثة ذاتية مشجعة. الدراسات الحديثة في علم الأعصاب تؤكد أن الطريقة التي نتحدث بها إلى أنفسنا تؤثر على نشاط الدماغ وتفعيل مراكز الدافعية فيه.

خلاصة تطبيقية عبر جدول استراتيجي

المراجع:

1. Gallup (2023). State of the Global Workplace Report.

2. Wrzesniewski, A., & Dutton, J. E. (2001). Crafting a Job: Revisioning Employees as Active Crafters of Their Work. Academy of Management Review.