تعريف الحركة الكشفية
مقدمة
الحركة الكشفية هي حركة تربوية تطوعية غير سياسية موجهة للشباب، تهدف إلى المساهمة في تنمية قدراتهم العقلية والبدنية والروحية والاجتماعية، من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة التي تقوم على مبادئ أخلاقية وتربوية راسخة. نشأت الحركة الكشفية في مطلع القرن العشرين، وتوسعت لتشمل معظم بلدان العالم، حيث أصبحت من أهم المنظمات الشبابية ذات التأثير الإيجابي الكبير في المجتمع.
نشأة الحركة الكشفية وتطورها التاريخي
تأسست الحركة الكشفية على يد اللورد البريطاني “روبرت بادن باول” في عام 1907، وذلك بعد أن لاحظ خلال خدمته العسكرية حاجة الشباب إلى التدريب العملي على المهارات الحياتية والقيم الأخلاقية. وكان أول نشاط كشفي منظم عبارة عن معسكر تجريبي أقيم في جزيرة براونسي في إنجلترا، شارك فيه مجموعة من الفتيان الذين تم تدريبهم على عدد من المهارات مثل التخييم، الطهي في الطبيعة، عقد الاجتماعات، وتعلم مبادئ النظام والتعاون والانضباط.
نجح المعسكر في تحقيق أهدافه، مما شجع بادن باول على تأليف كتابه الشهير “الكشفية للفتيان” (Scouting for Boys) الذي صدر عام 1908، وأصبح المرجع الأساسي للحركة الكشفية. وانتشرت الحركة سريعاً في أوروبا، ثم إلى باقي أنحاء العالم، إذ تبنتها الدول كوسيلة لتربية النشء وتنمية حس المواطنة والانتماء لديهم.
في عام 1920، تم تنظيم أول مؤتمر كشفي عالمي في لندن، وأعقبه أول “جمبوري” كشفي عالمي جمع الكشافة من دول متعددة. وتأسست بعد ذلك المنظمة الكشفية العالمية لتكون مظلة تنسيقية تجمع مختلف الجمعيات الكشفية الوطنية وتوحد المبادئ والأهداف والبرامج العامة.
تعريف الحركة الكشفية من حيث المفهوم التربوي
الحركة الكشفية هي حركة تربوية شبابية عالمية، تقوم على التطوع والانضباط الذاتي، وتستهدف تربية الفرد تربية متكاملة من خلال برامج وأنشطة تعليمية لا صفية، تركّز على التعلم من خلال الممارسة والتجربة. وهي لا تقتصر على فئة عمرية واحدة، بل تشمل مراحل متعددة تبدأ من الأشبال وتنتهي بالجوالة والقادة.
تعتمد الكشفية على منهج تربوي خاص بها، يتضمن مجموعة من العناصر المترابطة تشمل: الوعد والقانون، نظام الطلائع، التعلم بالممارسة، التقدم الفردي، الحياة في الطبيعة، العمل الجماعي، والتفاعل مع المجتمع. وهذه العناصر تشكّل الأساس في تشكيل شخصية الكشاف وتنمية مهاراته وقدراته.
أهداف الحركة الكشفية
الحركة الكشفية لا تسعى فقط إلى تسلية الأطفال والشباب أو شغل أوقات فراغهم، بل تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف التربوية والاجتماعية والإنسانية، يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
-
بناء شخصية متكاملة: تعمل الحركة على تطوير الجوانب المختلفة في شخصية الفرد من خلال تعليمه الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية، والقيادة، والانضباط.
-
تعزيز القيم الأخلاقية: يتعلم الكشاف مجموعة من القيم مثل الأمانة، الصدق، الإخلاص، التعاون، احترام الآخرين، والمحافظة على البيئة.
-
تنمية المهارات الحياتية: تُكسب الحركة أعضاءها مهارات متعددة تشمل الطهي، التخييم، الإسعافات الأولية، الحرف اليدوية، المراقبة، والتخطيط.
-
الاندماج الاجتماعي: تُشجّع الكشفية على العمل الجماعي والتفاعل مع فئات المجتمع المختلفة، مما يعزز الانتماء ويقوي الحس الوطني.
-
خدمة المجتمع: من المبادئ الأساسية في الحركة الكشفية خدمة المجتمع، حيث يقوم الكشافون بالمشاركة في أعمال تطوعية وإنسانية متنوعة مثل حملات النظافة، التشجير، التوعية الصحية، ومساعدة المحتاجين.
مبادئ الحركة الكشفية
ترتكز الحركة الكشفية على ثلاث مبادئ رئيسية، تشكّل الدعائم الفكرية والأخلاقية للحركة، وهي:
1. الواجب نحو الله
ويقصد به تعزيز الإيمان بالله والسعي للعيش حسب تعاليم الدين، وهو عنصر جوهري في بناء الجانب الروحي للفرد.
2. الواجب نحو الآخرين
ويتمثل في الواجب نحو الوطن والمجتمع، وذلك من خلال تعزيز المواطنة الصالحة، وخدمة المجتمع، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين.
3. الواجب نحو الذات
ويشمل العمل على تنمية الذات جسديًا وعقليًا وأخلاقيًا، بما يمكن الفرد من تحسين نفسه باستمرار والسعي للتميز في حياته الخاصة والعامة.
المراحل العمرية في الحركة الكشفية
تنقسم الحركة الكشفية إلى مراحل عمرية مختلفة، بحيث يتناسب البرنامج الكشفي مع احتياجات ومتطلبات كل فئة عمرية:
| المرحلة | الفئة العمرية | الاسم |
|---|---|---|
| المرحلة الأولى | من 6 إلى 11 سنة | الأشبال |
| المرحلة الثانية | من 12 إلى 14 سنة | الكشافة |
| المرحلة الثالثة | من 15 إلى 17 سنة | الكشافة المتقدمون |
| المرحلة الرابعة | من 18 إلى 22 سنة | الجوالة |
| المرحلة الخامسة | أكثر من 22 سنة | القادة |
تُعد هذه المراحل فرصة لتقديم برامج متدرجة ومتكاملة تساهم في التطور الطبيعي للفرد، وتراعي خصائصه النفسية والجسدية والاجتماعية.
البرامج والأنشطة الكشفية
تتنوع الأنشطة الكشفية بين الأنشطة العملية، والثقافية، والبيئية، والاجتماعية، والرياضية، ويتميّز البرنامج الكشفي بمرونته وتكيّفه مع البيئة المحلية والاحتياجات المجتمعية. ومن أبرز هذه الأنشطة:
-
التخييم: يعتبر أحد أهم الأنشطة التي تنمّي روح التعاون، والاعتماد على النفس، والتفاعل مع الطبيعة.
-
المسابقات الكشفية: مثل سباقات العقد، الملاحة، والطهي الكشفي، وهي تنمي التنافس الشريف بين الفتية.
-
الأعمال التطوعية: مثل حملات النظافة، وترميم المدارس، وزيارة دور الأيتام والمسنين.
-
الأنشطة البيئية: مثل حملات التشجير، وحماية الحياة البرية، والتوعية البيئية.
-
الأنشطة الثقافية والفنية: وتشمل المسرح، الإنشاد، والرسم، والمعارض الفنية، مما يتيح للكشافين التعبير عن مواهبهم.
نظام الطلائع
يُعد “نظام الطلائع” من الأسس التربوية في الحركة الكشفية، حيث يتم تقسيم الفتية إلى مجموعات صغيرة تسمى “طلائع”، تتكون كل طليعة من 6 إلى 8 أفراد، يقودهم كشاف يُعرف بـ”عريف الطليعة”، ويعمل تحت إشراف قائد الوحدة الكشفية.
هذا النظام يهدف إلى:
-
تعزيز القيادة وتحمل المسؤولية.
-
تنمية روح التعاون والانتماء للجماعة.
-
تيسير التفاعل الإيجابي بين أفراد الطليعة.
-
تدريب الفتية على تنظيم الوقت وتنفيذ المهام المشتركة.
الوعد والقانون الكشفي
يشكل الوعد الكشفي والقانون الكشفي أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها البناء الأخلاقي في الحركة الكشفية. ويقدّم الكشاف وعده بأن يؤدي واجباته نحو الله والوطن، وأن يساعد الآخرين في جميع الظروف، وأن يلتزم بالقانون الكشفي.
أما القانون الكشفي، فهو مجموعة من القواعد الأخلاقية التي تحكم سلوك الكشاف، ويشمل بنودًا مثل:
-
الكشاف صادق.
-
الكشاف نافع ويساعد الآخرين.
-
الكشاف يحب الطبيعة ويحافظ عليها.
-
الكشاف منظم ودقيق.
-
الكشاف شجاع ومتفائل.
أهمية الكشفية في بناء المجتمعات
تُعد الحركة الكشفية أداة فعالة في تنمية الموارد البشرية، لما لها من دور في تشكيل شخصية الشباب على أسس إيجابية، وقد أثبتت فعاليتها في تكوين جيل واعٍ ومؤهل قادر على تحمل المسؤولية والمساهمة في خدمة المجتمع.
من خلال الكشفية، يتعلم الشباب كيفية حل المشكلات، وتقديم الدعم، وتحمّل الصعوبات، والتخطيط للمستقبل، وهي مهارات يحتاجها أي مجتمع يتطلع للنهوض والتطور. كما أن الكشفية تلعب دورًا في تعزيز السلم المجتمعي من خلال غرس مفاهيم التسامح، والاحترام، والتعددية الثقافية.
دور المرأة في الحركة الكشفية
لم تقتصر الحركة الكشفية على الذكور فقط، بل تأسست منذ بداياتها حركة مرادفة للفتيات تُعرف بـ”المرشدات”، أطلقتها أوليف بادن باول، زوجة مؤسس الحركة، في عام 1910. وتهدف إلى تحقيق نفس الأهداف ولكن ببرامج تتناسب مع احتياجات الفتيات، وتسهم في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها المجتمعية.
أثبتت المرأة حضورها في العمل الكشفي، سواء كمرشدة، أو قائدة، أو منظمة، وشاركت في برامج وطنية ودولية، وأسهمت في إنجاح المبادرات الشبابية في مجالات الصحة، والتعليم، وحقوق الطفل، وتمكين الفتيات.
الخاتمة
الحركة الكشفية تمثّل أكثر من مجرد نشاط شبابي، فهي فلسفة تربوية متكاملة تستهدف بناء الإنسان ليكون صالحًا لنفسه ولمجتمعه. إنها مدرسة للحياة، تصقل القيم، وتفتح آفاق الإبداع، وتزرع الانضباط والقيادة والمسؤولية في نفوس المشاركين. لقد أثبتت قدرتها على التأثير في الأفراد والمجتمعات، ورسّخت حضورها كحركة عالمية ذات أهداف سامية وإنسانية نبيلة.
المصادر
-
B.P. Scouting for Boys. Robert Baden-Powell, 1908.
-
المنظمة الكشفية العالمية: https://www.scout.org
