الشخصية المستسلمة: تعريفها، صفاتها، أسبابها، وطرق معالجتها
تعريف الشخصية المستسلمة
تعد الشخصية المستسلمة من أبرز أنواع الشخصيات التي قد يواجهها الأفراد في حياتهم اليومية. تتميز هذه الشخصية بتقبلها للأحداث والظروف دون محاولة تغييرها أو التأثير عليها. يطلق على الأشخاص الذين يمتلكون هذه الشخصية أنهم غالبًا ما يفضلون الخضوع أو الاستسلام للأمر الواقع، مما يعكس ضعفًا في القدرة على اتخاذ القرارات الفعالة، كما أنهم في الغالب يفتقرون إلى الجرأة على مواجهة التحديات أو الصراعات. الشخصية المستسلمة ترتبط في بعض الأحيان بالقلق المستمر من رفض الآخرين أو الخوف من الصراع، مما يجعل الشخص يبتعد عن التعبير عن رأيه أو تلبية احتياجاته.
تتجسد هذه الشخصية في العديد من المواقف، سواء كانت في الحياة الشخصية أو العملية، حيث يمكن أن يظهر الشخص المستسلم كمن يقبل بالظروف مهما كانت غير مناسبة أو ظالمة، وقد يفتقر إلى القدرة على تحديد حدود صحية مع الآخرين.
صفات الشخصية المستسلمة
الشخصية المستسلمة عادةً ما تظهر مجموعة من الصفات التي تميزها عن غيرها من الشخصيات. يمكن تلخيص هذه الصفات في النقاط التالية:
-
الاعتماد على الآخرين في اتخاذ القرارات: الشخص المستسلم عادة ما يفضل أن يتخذ الآخرون القرارات نيابة عنه. فهو يميل إلى التبعية وعدم اتخاذ موقف شخصي في المواقف التي تتطلب اتخاذ قرار.
-
الخوف من الرفض أو الصراع: الشخص المستسلم يشعر عادةً بالخوف من مواجهة الآخرين أو الدخول في صراعات. فهو يفضل تجنب الخلافات بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحه الشخصية.
-
عدم القدرة على التعبير عن الرغبات: يعاني الأشخاص المستسلمين من صعوبة في التعبير عن احتياجاتهم أو رغباتهم. إذا كان لديهم رغبة في شيء ما، فإنهم في الغالب لا يعبرون عنها بوضوح خوفًا من عدم قبولها من الآخرين.
-
المرونة المفرطة في التعامل مع الآخرين: هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يميلون إلى الرضا بأي شيء يُطلب منهم، حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم أو مصالحهم. قد يظهرون دائمًا بمظهر المتعاون والمطيع، ولكن هذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى استغلالهم.
-
الشعور بالعجز الداخلي: الأشخاص المستسلمون يشعرون أحيانًا بالعجز أو عدم القدرة على التحكم في مجريات حياتهم. هذا الشعور يمكن أن يكون مصحوبًا بشعور من اليأس والإحباط، حيث يعتقد هؤلاء الأشخاص أنهم غير قادرين على تغيير واقعهم أو تحسين ظروفهم.
-
الاعتماد المفرط على الآخرين لإعطاء تقييماتهم الشخصية: يميل الشخص المستسلم إلى أن يكون تقييميًا لذاته بناءً على آراء الآخرين. فهو قد يفتقر إلى الثقة بالنفس ويربط تقديره لذاته بما يقوله الآخرون عنه.
-
الاستعداد للتنازل بسهولة: هؤلاء الأشخاص يميلون إلى التنازل عن حقوقهم أو مواقفهم لتجنب المشاكل أو لتهدئة الآخرين. هذا التنازل قد يظهر في العلاقات الشخصية أو في بيئة العمل.
أسباب الشخصية المستسلمة
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى تكوين شخصية مستسلمة، وقد تختلف من شخص لآخر بناءً على خلفياتهم الشخصية والتجارب التي مروا بها في حياتهم. من أبرز هذه الأسباب:
-
البيئة الأسرية في الطفولة: العديد من الأشخاص الذين يظهرون سمات الشخصية المستسلمة قد نشأوا في بيئة أسرية متسلطة أو مهملة. إذا نشأ الطفل في بيئة لا تمنحه الحرية في التعبير عن رأيه أو اتخاذ قراراته، فإن هذا قد يؤدي إلى تكوين شخصية تميل إلى الخضوع والاعتماد على الآخرين.
-
التجارب السلبية السابقة: التعرض لتجارب سلبية مثل الإهمال العاطفي، أو الاعتداء اللفظي أو الجسدي، يمكن أن يساهم في تكوين شخصية ضعيفة مستسلمة. التجارب الصادمة أو المحبطة يمكن أن تؤدي إلى شعور الشخص بالعجز وعدم القدرة على التصدي لمواقف الحياة.
-
الخوف من الفشل أو الرفض: الأشخاص الذين يعانون من تدني تقدير الذات أو الذين لديهم مخاوف مفرطة من الفشل قد يطورون شخصية مستسلمة. هؤلاء الأشخاص يفضلون تجنب المخاطر أو التحديات خوفًا من الفشل أو من ردود فعل الآخرين السلبية.
-
قلة الثقة بالنفس: الشخصية المستسلمة غالبًا ما تعكس ضعفًا في الثقة بالنفس. إذا كان الشخص لا يعتقد أنه قادر على اتخاذ قرارات صائبة أو أن له القدرة على التأثير في محيطه، فإنه قد يصبح أكثر ميلًا للاستسلام للأوضاع كما هي.
-
الرغبة في تجنب الصراع: بعض الأشخاص يميلون إلى تفادي الصراعات والنزاعات، ولذلك يظهرون سلوكيات مستسلمة لتجنب أي نوع من أنواع المواجهة. قد يكون لديهم اعتقاد خاطئ بأن تجنب الصراع يعني تجنب المشاكل، في حين أن هذا السلوك قد يؤدي إلى إخفاء العديد من القضايا الهامة.
-
تجارب الفشل السابقة: الفشل في محاولات سابقة قد يكون له تأثير كبير على تكوين الشخصية المستسلمة. إذا مر الشخص بتجارب فاشلة متكررة، فإنه قد يعتقد أنه ليس لديه القدرة على النجاح في المستقبل، ما يجعله يفضل الاستسلام على المحاولة.
طرق معالجة الشخصية المستسلمة
على الرغم من أن الشخصية المستسلمة قد تبدو صعبة التغيير، إلا أنه من الممكن العمل على تحسين هذه السمة من خلال مجموعة من الإجراءات النفسية والتدريبية. يمكن معالجة هذه الشخصية عبر العديد من الخطوات:
-
زيادة الوعي الذاتي: يجب أن يبدأ الشخص المستسلم بتطوير الوعي الذاتي حول سلوكياته واعترافه بالمشاكل التي يعاني منها. الوعي بالذات يعتبر الخطوة الأولى في عملية التغيير. من خلال التفكير في مواقف معينة وكيفية التعامل معها، يمكن للمرء أن يبدأ في فهم الأسباب التي تجعله يتبنى سلوكيات مستسلمة.
-
بناء الثقة بالنفس: تحتاج الشخصية المستسلمة إلى العمل على تعزيز الثقة بالنفس. يمكن القيام بذلك من خلال تدريب الشخص على تحديد نقاط قوته وأهدافه الشخصية. علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد ممارسات التأمل أو التمارين النفسية التي تركز على تقدير الذات في تعزيز الثقة بالنفس.
-
تعلم كيفية وضع الحدود: من المهم للشخص المستسلم أن يتعلم كيفية وضع حدود صحية في علاقاته الشخصية والمهنية. يتطلب ذلك تعلم كيفية قول “لا” في المواقف التي تستدعي ذلك، وعدم الشعور بالذنب أو القلق من رد فعل الآخرين.
-
مواجهة المخاوف: يعاني الشخص المستسلم من مخاوف دائمة من الرفض أو الفشل. من الضروري أن يبدأ في مواجهة هذه المخاوف تدريجيًا من خلال وضع نفسه في مواقف قد تكون صعبة في البداية، ولكنها تؤدي في النهاية إلى زيادة الثقة بالنفس وتخفيف الشعور بالعجز.
-
التدريب على اتخاذ القرارات: يمكن للشخص المستسلم أن يبدأ في اتخاذ قرارات صغيرة بشكل تدريجي. يمكن أن تكون هذه القرارات متعلقة بحياته الشخصية أو المهنية، مع التركيز على تعلّم كيفية تحمل المسؤولية عن هذه القرارات.
-
الاستعانة بالعلاج النفسي: في بعض الحالات، قد يكون من الضروري أن يلجأ الشخص المستسلم إلى مساعدة مختص في العلاج النفسي. العلاج السلوكي المعرفي، على سبيل المثال، يمكن أن يكون مفيدًا في مساعدة الأفراد على تعديل أفكارهم وسلوكياتهم السلبية.
-
التشجيع على التعبير عن المشاعر: يجب على الشخص المستسلم أن يتعلم كيف يعبر عن مشاعره وآرائه بوضوح وبشكل غير عدواني. يمكن أن يساعد ذلك في تعزيز قدرته على التواصل مع الآخرين بطريقة صحية ومتوازنة.
-
التمرين على تعزيز الاستقلالية: يجب على الشخص المستسلم أن يتعلم كيفية الاعتماد على نفسه في اتخاذ القرارات وفي التعامل مع تحديات الحياة. من خلال اتخاذ خطوات صغيرة نحو الاستقلالية، يمكنه بناء شعور أقوى بالتحكم في حياته.
الخاتمة
الشخصية المستسلمة ليست سمة ثابتة أو نهائية، بل هي نمط سلوكي يمكن تغييره من خلال الوعي الذاتي، والجهود النفسية المستمرة، واكتساب المهارات المناسبة. رغم أن الشخص المستسلم قد يواجه صعوبة في بداية طريق التغيير، إلا أن العمل المستمر على تعزيز الثقة بالنفس، وتعلم وضع الحدود، وتحقيق الاستقلالية، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حياته الشخصية والمهنية.
