تعريف الحديث القدسي
الحديث القدسي هو نوع خاص من الأحاديث النبوية التي تتسم بخصوصية كبيرة في اللغة الدينية الإسلامية. إذ يُنسب الحديث القدسي إلى الله عزَّ وجلَّ مباشرة من خلال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه يختلف عن القرآن الكريم في أنه لا يُتلى كآيات قرآنية بل يُنقل بصيغة حديث شريف، ويظل محتواه منسوبًا إلى الله تعالى. ولذلك، يحظى الحديث القدسي بمكانة خاصة في فهم الدين الإسلامي، ويعد جزءًا أساسيًا من السنة النبوية التي تشرح وتوضح ما جاء في القرآن الكريم.
الفارق بين الحديث القدسي والحديث النبوي
أول ما يميز الحديث القدسي عن الحديث النبوي هو مصدره. فالحديث النبوي هو كل قول أو فعل أو تقرير أو صفة ثبتت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الحديث القدسي هو الذي يُنسب إلى الله عزَّ وجلَّ مباشرة عبر الرسول، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى»، ثم يذكر النص. بينما في الحديث النبوي، يتم نقل الأقوال أو الأفعال دون نسبة مباشرة إلى الله تعالى.
كما أن الحديث القدسي يحمل بعض الخصائص التي تميزه عن القرآن الكريم، ففي حين أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لم يتغير أو يختلف، فإن الحديث القدسي ليس جزءًا من القرآن ولا يُقرأ في الصلاة كما يُقرأ القرآن. علاوة على ذلك، يُعتبر القرآن معجزًا في لغته وأسلوبه، بينما لا يتمتع الحديث القدسي بهذه المعجزة اللغوية.
مفهوم الحديث القدسي
الحديث القدسي هو حديث منسوب إلى الله سبحانه وتعالى، يحدّث فيه النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بما يُوحى إليه من الله، ويتناول في العادة مواضيع تتعلق بالتوجيهات الإلهية، رحمة الله، فضله، وعظمته. هذا النوع من الحديث لا يُقصد به التفسير أو الشرح المباشر للآيات القرآنية، لكنه يساهم في توضيح معاني معينة في إطار ما جاء في الكتاب الكريم.
على سبيل المثال، نجد في الحديث القدسي إشارات إلى جوانب من صفات الله سبحانه وتعالى، كالرّحمة، والمغفرة، والتوبة، والعدل، ويأتي ليكمل أو يوضح بعض الأحكام أو التشريعات التي وردت في القرآن الكريم. لهذا، يُعد الحديث القدسي مصدرًا هامًا لفهم كيفية تطبيق الشرع وحكم الله في شتى جوانب الحياة.
التمييز بين الحديث القدسي والقرآن الكريم
الحديث القدسي رغم أنه من كلام الله تعالى، إلا أنه يختلف عن القرآن الكريم من نواحٍ عدة. أولًا: القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي جبريل عليه السلام، وتُعتبر آياته معجزات لغوية ودينية في حد ذاتها. أما الحديث القدسي، فيُنقل بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، ويُقال فيه: «قال الله تعالى» وليس «قال الله».
ثانيًا، بينما القرآن الكريم هو النص الذي يتلوه المسلمون في صلواتهم اليومية، فإن الحديث القدسي لا يُتلى في الصلاة. كما أن القرآن يُكتب في المصاحف ويُحفَظ نصًّا كاملاً كما نزل، في حين أن الحديث القدسي يُنقل بواسطة الأحاديث النبوية ويخضع لمختلف شروط التوثيق من حيث السند والرواة.
كيفية نقل الحديث القدسي
ينقل الحديث القدسي من خلال الرواة الذين نقلوا الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الصحابة، ويشترط أن يكون الحديث محفوظًا في كتب الحديث التي تُجمع فيها الأحاديث مثل “صحيح البخاري”، “صحيح مسلم”، “سنن أبي داود”، “سنن الترمذي”، و”مسند أحمد” وغيرها من كتب الحديث المعتمدة. ونظرًا لأن الحديث القدسي يُنسب إلى الله تعالى، فإنه لا يتسم بعلاقة مباشرة بالوحي القرآني، ولكن له نفس أهمية الوحي فيما يتعلق بالشرع الإسلامي.
وفي المقابل، هناك نوع من الأحاديث الموقوفة، وهي تلك التي تُنسب إلى الصحابة أو التابعين، والتي لا تُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عزَّ وجلَّ.
موضوعات الحديث القدسي
الحديث القدسي يقتصر على ما يتعلق بتوضيح مشيئة الله تعالى في العالم، ويعالج العديد من الموضوعات المهمة التي تشمل عقيدة الإسلام، مثل الإيمان بالله، وكيفية التعامل مع الآخرين، وتفسير الحلال والحرام، والتأكيد على الرحمة والمغفرة، والتأكيد على قيمة التوبة والاعتراف بالخطايا. ومن أبرز هذه الموضوعات:
-
التوحيد وإثبات الصفات الإلهية: العديد من الأحاديث القدسية تتحدث عن تأكيد توحيد الله عزَّ وجلَّ، وصفاته مثل رحمته، وعدله، ومغفرته.
-
الرحمة والمغفرة: نجد في الحديث القدسي العديد من الأحاديث التي تبيّن رحمة الله الواسعة، مثل حديث قدسي قال فيه الله تعالى: «يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم».
-
التوبة وطلب المغفرة: الحديث القدسي يحث المسلمين على التوبة من الذنوب والرجوع إلى الله، ويُبيّن أن الله سبحانه وتعالى يحب التائبين ويغفر لهم.
-
التشجيع على العمل الصالح: يتضمن الحديث القدسي كثيرًا من الأحاديث التي تحث على الإحسان في العمل، والقيام بالأعمال الصالحة بنية خالصة لوجه الله.
أمثلة على الأحاديث القدسية
من أشهر الأحاديث القدسية التي وردت في الكتب المعتمدة:
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
-
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي».
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا».
مكانة الحديث القدسي في التشريع الإسلامي
الحديث القدسي له أهمية كبرى في فهم التشريع الإسلامي، وذلك لأنه يتناول تفصيلات قد لا تكون موجودة في القرآن الكريم. فهو يساهم في شرح آيات القرآن وتقديم تفاصيل إضافية تسهم في تطبيق تعاليم الإسلام في الحياة اليومية. ويعتمد الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية من الحديث القدسي مثلما يعتمدون على القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث يتناغم الحديث القدسي مع القرآن في توجيه السلوك والأخلاق.
الخلاصة
الحديث القدسي هو ذلك الحديث الذي يُنسب إلى الله تعالى ويُروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويتميز بأنه يحمل معاني عظيمة في التوجيهات الربانية والإلهية، ويُعد مصدرًا مهمًا لفهم العديد من المسائل العقائدية والتشريعية في الإسلام. وتكمن أهميته في كونه يكمل رسالة القرآن الكريم ويُبين تفاصيل دقيقة في القضايا التي يتناولها.
