تعريف الإعلام: المفهوم، الوظائف، الأنواع، والتأثيرات

يمثل الإعلام أحد الأعمدة الأساسية في بنية المجتمعات المعاصرة، لما له من دور جوهري في نقل المعرفة، وتشكيل الرأي العام، والتأثير في السياسات، وبناء الوعي الجمعي. فالإعلام ليس مجرد قناة لنقل الأخبار والمعلومات، بل هو منظومة متكاملة تدمج بين الرسالة والوسيلة والجمهور، وتخضع لتفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

ظهر مصطلح “الإعلام” في اللغة العربية حديثاً، كمقابل لكلمة Media بالإنجليزية، وMédias بالفرنسية، ومعناه في الأصل الإبلاغ والإخبار. أما اصطلاحًا، فيرتبط الإعلام بمجموعة الوسائل والأنشطة التي تهدف إلى نقل وتبادل المعلومات والمعارف بين الأفراد والجماعات، باستخدام وسائط متعددة تتطور بتطور التكنولوجيا والمجتمع.

أولاً: تعريف الإعلام

يتعدد تعريف الإعلام بحسب المنظور النظري والتطبيق الميداني، إلا أن التعريف العام يمكن صياغته كما يلي:

الإعلام هو عملية تواصل اجتماعي هادفة إلى نقل المعلومات والحقائق والآراء والأفكار من طرف إلى آخر، باستخدام وسيلة معينة، بغرض التأثير أو الإقناع أو الإخبار أو الترفيه.

ويتضح من هذا التعريف أن الإعلام ليس مجرد نقل للمعلومة، بل هو عملية هادفة ذات أبعاد معرفية ونفسية وسوسيولوجية، تهدف إلى التأثير في الأفراد والمجتمعات، سواء بالتحفيز أو الإقناع أو الترفيه أو التوجيه.

ثانياً: عناصر العملية الإعلامية

لكي تتحقق العملية الإعلامية يجب توافر عدة عناصر مترابطة:

هذه العناصر تشكل ما يُعرف بـ”نموذج الاتصال الإعلامي”، وهو النموذج الأساسي الذي يُدرس في علوم الإعلام والاتصال.

ثالثاً: وظائف الإعلام

يلعب الإعلام أدوارًا محورية في المجتمع، ويمكن تصنيف وظائفه على النحو التالي:

1. الوظيفة الإخبارية

وتتمثل في نقل الأخبار والمعلومات والأحداث الجارية محلياً ودولياً، وتحقيق الربط بين المواطن والعالم من حوله، مع التزام الدقة والمصداقية.

2. الوظيفة التربوية

يسهم الإعلام في نشر المعرفة والقيم الأخلاقية والثقافية، ويعدّ شريكًا في منظومة التعليم غير النظامي، من خلال البرامج الوثائقية والثقافية والتوعوية.

3. الوظيفة الترفيهية

من خلال البرامج الترفيهية، والمسلسلات، والألعاب الإعلامية، يخفف الإعلام من التوتر النفسي، ويمنح الناس فسحة من الترفيه ضمن ضوابط اجتماعية وأخلاقية.

4. الوظيفة التوجيهية

يوجه الإعلام الرأي العام نحو قضايا محددة، ويشارك في تكوين القناعات السياسية والدينية والاجتماعية، وهو ما يتطلب مسؤولية عالية من القائمين عليه.

5. الوظيفة الاقتصادية

الإعلام يسهم في الترويج للمنتجات والخدمات، عبر الإعلانات التجارية، وله دور مهم في تسويق الأفكار والسلع والمؤسسات، مما يجعله رافداً اقتصادياً قوياً.

رابعاً: أنواع الإعلام

يتعدد الإعلام بحسب الوسيلة المستخدمة، ونطاق التأثير، وطبيعة الرسالة، ومن أبرز أنواعه:

1. الإعلام التقليدي

وهو الإعلام الذي يعتمد على وسائل تقليدية مثل الصحافة الورقية، والإذاعة، والتلفزيون. ويتميز بوجود طاقم تحرير محترف، وخضوعه لمعايير أخلاقية ومهنية.

2. الإعلام الرقمي

ظهر مع تطور تكنولوجيا المعلومات، ويشمل مواقع الإنترنت، والمنصات الاجتماعية، والمدونات، وقنوات اليوتيوب. يتميز بالسرعة، والتفاعلية، وانخفاض التكلفة، ويعدّ أكثر انتشارًا وتأثيرًا في العصر الحديث.

3. الإعلام المتخصص

يهتم بفئة معينة من الجمهور أو مجال معرفي محدد، مثل الإعلام الطبي، والإعلام الرياضي، والإعلام التعليمي، والإعلام الاقتصادي.

4. الإعلام التنموي

يهدف إلى خدمة التنمية المستدامة في مختلف المجالات مثل الصحة، التعليم، البيئة، والمجتمع المدني، ويركز على التوعية والتثقيف.

5. الإعلام البديل

وهو إعلام غير رسمي ينشأ من خارج المؤسسات الإعلامية التقليدية، ويعتمد غالباً على المواطن الصحفي، والمحتوى الذي ينشره الأفراد عبر المنصات الرقمية.

خامساً: تطور الإعلام عبر العصور

مر الإعلام بمراحل متعددة انعكست على طريقة إنتاجه وتوزيعه وتأثيره، ويمكن تصنيف هذا التطور إلى:

1. المرحلة الشفوية

في المجتمعات القديمة، كان الإعلام يتم عبر المشافهة، والقصص، والخطابة، وكانت وسائل نقله محدودة، وتأثيره محصورًا في البيئة المحلية.

2. المرحلة المكتوبة

مع ظهور الكتابة والطباعة، ظهرت الصحف والمجلات، مما أدى إلى توسيع دائرة التأثير، ونشأة الصحافة كمهنة.

3. مرحلة البث الإذاعي والتلفزيوني

منذ القرن العشرين، دخل الإعلام عصر الإذاعة ثم التلفاز، مما أحدث نقلة نوعية في سرعة وانتشار الرسائل الإعلامية.

4. المرحلة الرقمية

مع ظهور الإنترنت والهواتف الذكية، دخل الإعلام مرحلة جديدة تقوم على التفاعلية، وسرعة الوصول، وتعدد مصادر المعلومات، مما أحدث ثورة في مفهوم الإعلام ذاته.

سادساً: التأثيرات الاجتماعية للإعلام

يلعب الإعلام دوراً فاعلاً في تشكيل الأفراد والمجتمعات، وتتجلى تأثيراته في الجوانب التالية:

1. التأثير في الرأي العام

الإعلام قادر على تشكيل الاتجاهات والمواقف العامة تجاه القضايا السياسية والاجتماعية، من خلال أساليب الإقناع، وتكرار الرسائل، وتوجيه النقاشات.

2. بناء الهوية الثقافية

يسهم الإعلام في تكوين هوية المجتمع الثقافية، إما بتعزيز الانتماء والثقافة الوطنية، أو بفتح الباب أمام التأثر بالثقافات الخارجية.

3. التنشئة الاجتماعية

الإعلام يُعدّ من أهم أدوات التنشئة بعد الأسرة والمدرسة، حيث يتلقى الأطفال والمراهقون قيماً وسلوكيات عبر الإعلام، مما يحتم وضع ضوابط لحماية فئات المجتمع الحساسة.

4. التأثيرات النفسية

قد يسبب الإعلام آثاراً نفسية متفاوتة، من الإدمان الإعلامي، والقلق، إلى تحفيز السلوك العدواني، أو المشاعر السلبية في حال التعرض المتكرر للمحتوى السلبي.

سابعاً: الإعلام والسلطة

العلاقة بين الإعلام والسلطة تتسم بالتعقيد، إذ قد يكون الإعلام وسيلة لمحاسبة السلطات وكشف الفساد، كما في الصحافة الاستقصائية، أو قد يتحول إلى أداة للدعاية والتضليل في النظم غير الديمقراطية.

وتتمثل أخطر مظاهر تسييس الإعلام في “صناعة القبول”، حيث تستخدم السلطات الإعلام لتبرير السياسات وكسب تأييد الجماهير، وإخفاء الحقائق أو تزويرها.

ثامناً: التحديات التي تواجه الإعلام المعاصر

رغم التطورات التكنولوجية، يواجه الإعلام في العصر الحديث مجموعة من التحديات المعقدة، أبرزها:

• الخبر الزائف والمعلومات المضللة (Fake News)

• فقدان الثقة بالمؤسسات الإعلامية

• هيمنة الشركات الكبرى على الإعلام الرقمي

• الرقابة الحكومية على وسائل الإعلام

• ضعف التشريعات الإعلامية في بعض الدول

• الاستقطاب الإعلامي والتحيّز الأيديولوجي

هذه التحديات تفرض ضرورة تعزيز المهنية، وتدريب الكوادر الإعلامية، وتحديث القوانين بما يضمن حرية الإعلام ومسؤوليته في آنٍ واحد.

تاسعاً: الإعلام والمستقبل

إن مستقبل الإعلام مرهون بمدى قدرته على التكيّف مع المتغيرات الرقمية والذكاء الاصطناعي، والاستفادة من التحول التكنولوجي الهائل، دون التفريط بالقيم الصحفية التقليدية كالدقة والموضوعية والاستقلالية.

ومن المتوقع أن يشهد الإعلام في المستقبل:

• تزايد دور الإعلام التفاعلي القائم على الذكاء الاصطناعي.

• ظهور تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي في تغطية الأحداث.

• تخصيص المحتوى الإعلامي تبعاً لتفضيلات الأفراد باستخدام الخوارزميات.

• ازدياد أهمية الصحفي الرقمي والمحتوى الذي يصنعه المستخدم.

المراجع:

1. عبد الله الزريق، الإعلام الجديد: المفهوم والوسائط والتأثيرات، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، 2020.

2. McQuail, Denis. McQuail’s Mass Communication Theory, 6th edition, Sage Publications, 2010.