5 تصرفات خاطئة تبعد الناس عنك

في العلاقات الإنسانية، يتحدد مدى قرب أو بعد الآخرين عنا بناءً على سلوكياتنا وتصرفاتنا اليومية. قد يظن البعض أن حسن النية وحده كافٍ لبناء علاقات قوية، غير أن الواقع يشير إلى أن طريقة تواصلنا مع الآخرين، وطريقة تعاملنا معهم، تحمل في طياتها عوامل قد تقرّبهم منا أو تنفّرهم وتدفعهم بعيدًا. توجد بعض التصرفات الخاطئة التي يرتكبها الناس عن غير قصد أو بجهل منهم، والتي قد تؤدي إلى إضعاف العلاقات أو حتى إنهائها، رغم أنهم قد يعتقدون أنهم يتصرفون بشكل طبيعي أو مقبول اجتماعيًا.

في هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على خمس تصرفات شائعة لكنها مدمّرة للعلاقات الإنسانية، لما لها من تأثيرات سلبية على انطباعات الآخرين، وعلى التفاعل الاجتماعي، وعلى الانسجام النفسي الذي يبحث عنه كل فرد في محيطه الشخصي أو المهني.

أولاً: النقد المستمر وتصيد الأخطاء

من أكثر السلوكيات التي تُنفر الآخرين هي عادة النقد الدائم وتصيد الأخطاء. قد يعتقد الشخص الذي يمارس هذا السلوك أنه يساعد الآخرين على التحسن أو يبيّن لهم الصواب، لكن ما يحصل فعلاً هو عكس ذلك تمامًا. فالنقد المستمر يخلق بيئة سلبية ويبعث برسائل خفية إلى الطرف الآخر بأنه غير كفء، أو أنه لا يحظى بالتقدير أو القبول.

يؤدي هذا النوع من التصرف إلى شعور الطرف المقابل بعدم الأمان في العلاقة، مما يجعله يتجنب الاحتكاك أو التواصل مع الشخص الناقد. كما أن النقد المستمر يفقد الإنسان القدرة على رؤية الإيجابيات، ويُقصي عنصر التشجيع والتقدير، وهما من أهم ركائز العلاقات الاجتماعية الناجحة.

النقد البنّاء مطلوب في بعض الأحيان، خاصة عندما يكون مقترناً باحترام وحرص على مشاعر الطرف الآخر، لكنه يختلف جوهريًا عن النقد السلبي المتكرر الذي يكون مدفوعًا إما بالرغبة في السيطرة أو بإثبات الأفضلية.

ثانياً: التحدث عن الذات بشكل مفرط

الحديث المفرط عن النفس هو أحد التصرفات التي تنفّر الآخرين دون أن يعي المتحدث ذلك. فالشخص الذي يتحدث باستمرار عن إنجازاته، ومشاكله، وتجاربه، دون أن يُفسح المجال للطرف الآخر للتعبير عن نفسه، يعطي انطباعًا بالتعالي أو الأنانية أو عدم الاهتمام بالآخر.

في علم النفس الاجتماعي، يُنظر إلى التواصل الناجح على أنه عملية تبادلية، حيث يشعر كل طرف أنه مسموع ومفهوم. أما عندما يحتكر أحد الأطراف الحديث ولا يُظهر أي اهتمام بتجارب ومشاعر الآخرين، فإنه يبعث برسالة ضمنية مفادها أن الآخرين غير مهمين أو أن مشاعرهم لا تستحق الاستماع.

مثل هذا السلوك يُفقد العلاقة توازنها الطبيعي، ويؤدي إلى ملل الطرف الآخر وشعوره بعدم القيمة، مما يجعله يبحث عن علاقات أخرى يشعر فيها بالقبول والمشاركة والتقدير.

ثالثاً: الغموض وعدم الصراحة

الناس بطبيعتهم يميلون إلى الوضوح والشفافية في العلاقات، سواء في العمل أو الصداقة أو حتى العلاقات العائلية. لذلك فإن الغموض وعدم الصراحة في التعامل يُعد من التصرفات التي تخلق التوتر وتُضعف الثقة بين الأشخاص.

عندما يشعر الآخرون أنك لا تقول الحقيقة كاملة، أو أنك تتجنب الإفصاح عن مشاعرك أو نواياك، فإنهم يبدأون في بناء حواجز داخلية لحماية أنفسهم من المجهول. وتبدأ دائرة الشك تنمو تدريجيًا، مما يسبب اضطرابًا في التواصل وفقدان الثقة، والتي تُعد العمود الفقري لأي علاقة ناجحة.

الغموض هنا لا يقتصر فقط على كتمان المعلومات، بل يشمل أيضًا عدم اتضاح المواقف، وإرسال رسائل غير واضحة، أو التلاعب بالعواطف عن طريق الإيحاءات أو الصمت الغامض، وهي سلوكيات تجعل الناس ينفرون تجنبًا للضغط النفسي والشكوك المستمرة.

رابعاً: السلبية والتشاؤم الدائم

التعامل مع شخص سلبي باستمرار يمكن أن يكون عبئًا نفسيًا هائلًا. السلبية المزمنة، سواء تمثلت في التذمر الدائم أو توقع الأسوأ دائمًا، أو رفض كل الحلول المقترحة، تُشع طاقة محبطة تحاصر المحيطين وتدفعهم تدريجيًا إلى الانسحاب.

في بيئة العمل، على سبيل المثال، الموظف السلبي قد يُضعف الروح المعنوية للفريق، ويُشكّل مصدر توتر دائم. وفي العلاقات الشخصية، تؤدي السلبية إلى استنزاف الطرف الآخر نفسيًا، إذ يجد نفسه دائمًا في موقع “الداعم” أو “المُهدئ”، مما يخلق حالة من عدم التوازن في العلاقة.

التشاؤم لا يُعد بالضرورة واقعية، بل قد يكون إسقاطًا داخليًا لحالة نفسية مضطربة، مثل الاكتئاب أو القلق. لكن عدم معالجته أو وعي الشخص بتأثيره على الآخرين يجعل منه سلوكًا طاردًا يقود إلى العزلة الاجتماعية حتى من أقرب المقربين.

خامساً: الأنانية وغياب التعاطف

الأنانية هي من أكثر السلوكيات التي تُبعد الناس وتُحدث شرخًا عميقًا في العلاقات، خاصة عندما تكون مستمرة وغير مبررة. الإنسان الأناني لا يرى سوى احتياجاته، ولا يُبالي بمشاعر أو ظروف الآخرين. يطالب دائمًا دون أن يُقدّم، ويتوقّع الاهتمام دون أن يُبادر به.

الأنانية قد تتجلى في سلوكيات يومية صغيرة، مثل الاستئثار بالكلام، تجاهل مشاعر الطرف الآخر، الانسحاب عند وقوع المشاكل، أو رفض تقديم المساعدة. كما تتجلى أيضًا في العلاقات العاطفية حين يصبح أحد الطرفين محور العلاقة، ويتحول الآخر إلى تابع عاطفي أو نفسي.

غياب التعاطف، وهو القدرة على الشعور بمعاناة أو فرح الآخرين، يحرم الإنسان من بناء روابط عاطفية حقيقية ومستقرة. فالأشخاص يبحثون عن من يُشاركهم أحاسيسهم بصدق، ومن يقف بجانبهم في أوقات ضعفهم أو فرحهم، لا من يقف متفرجًا أو ناقدًا أو غير مكترث.

الآثار الاجتماعية والنفسية لهذه التصرفات

إن التمادي في هذه التصرفات الخاطئة لا يؤدي فقط إلى العزلة الاجتماعية، بل ينعكس أيضًا على الصحة النفسية لصاحبها. فمع تكرار رفض الآخرين، قد يشعر الشخص بالإحباط وفقدان القيمة الذاتية، مما يؤدي إلى القلق أو الاكتئاب أو حتى الغضب المزمن.

كما أن العلاقات الاجتماعية المتوترة تُضعف من شبكات الدعم الاجتماعي التي يحتاجها الإنسان لمواجهة ضغوط الحياة. فالعلاقات ليست فقط وسيلة للتسلية أو الصحبة، بل هي أيضًا مصدر رئيسي للاستقرار النفسي والعاطفي، خاصة في فترات الأزمات.

الانقطاع العاطفي، وتكرار الفشل في العلاقات، قد يولدان لدى الشخص شعورًا بعدم الكفاءة الاجتماعية أو فقدان الثقة بالنفس، مما يُصعّب عليه تكوين علاقات جديدة في المستقبل، ويؤدي إلى حلقة مفرغة من العزلة والانغلاق.

تصحيح السلوك: مسؤولية شخصية ومجتمعية

الإدراك بأن هذه التصرفات تُبعد الناس هو الخطوة الأولى نحو التغيير الإيجابي. تغيير السلوكيات ليس بالأمر السهل، لكنه ممكن مع الوعي الذاتي والتدريب النفسي والانفتاح على النقد البنّاء. من المفيد في هذا السياق قراءة كتب في الذكاء العاطفي، أو حضور دورات في مهارات التواصل، أو الاستفادة من جلسات العلاج السلوكي المعرفي في حال وجود مشكلات أعمق.

كما أن المجتمع له دور في تعزيز سلوكيات التفاعل الصحي بين أفراده، سواء عبر التربية الأسرية، أو المؤسسات التعليمية، أو الإعلام، أو النماذج المجتمعية المؤثرة. فكلما زاد الوعي الجماعي بأهمية السلوكيات الاجتماعية الصحية، قلّت نسبة التصرفات الطاردة للناس، وزادت فرص بناء مجتمع متماسك ومتفاهم.

جدول: مقارنة بين السلوكيات الطاردة والسلوكيات الجاذبة في العلاقات

الخاتمة

التصرفات الخاطئة التي تُبعد الناس لا تنشأ من فراغ، بل غالبًا ما تكون ناتجة عن تراكمات نفسية أو أنماط شخصية غير صحية. غير أن الخطورة تكمن في استمرار هذه التصرفات دون وعي، مما يؤدي إلى تآكل الروابط الإنسانية وخسارة العلاقات واحدة تلو الأخرى. في المقابل، فإن القدرة على مراجعة الذات وتعديل السلوك هي مفتاح بناء علاقات صحية ومستقرة تُسهم في رفاه الإنسان وجودة حياته.

المراجع