لماذا سميت الأشهر بالقمرية

تُعتبر الأشهر القمرية واحدة من أقدم الطرق التي اعتمدها الإنسان في تقسيم الوقت وتنظيم حياته، حيث ارتبطت هذه الطريقة بدورة القمر حول الأرض. وعليه فإن تسمية الأشهر بالقمرية تعود بالأساس إلى اعتمادها على الظاهرة الطبيعية لدورة القمر التي تُعتبر من أبرز الظواهر السماوية التي يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في حياة الإنسان منذ فجر التاريخ. يتناول هذا المقال بشكل معمق أصل تسمية الأشهر القمرية، تاريخها، طبيعتها الفلكية، وأهميتها الثقافية والدينية والاجتماعية عبر الحضارات المختلفة.

تعريف الأشهر القمرية

الأشهر القمرية هي فترة زمنية تُحسب بناءً على دورة القمر الكاملة حول الأرض، أي من محاق (الاقتران) إلى المحاق التالي. تستغرق الدورة القمرية حوالي 29.53 يومًا، وهو ما يعني أن الشهر القمري يتراوح عادة بين 29 إلى 30 يومًا. وهذا يختلف عن الأشهر الشمسية التي تعتمد على مدار الأرض حول الشمس، والتي تُقدر بحوالي 30 أو 31 يومًا في أغلبها.

الفرق بين الشهر القمري والشهر الشمسي

يتمثل الفرق الأساسي بين الشهر القمري والشهر الشمسي في الأصل الذي يعتمده كل منهما في تحديد مدته. الشهر القمري يقوم على المراقبة الطبيعية للقمر، وهو ذو مدة متغيرة قليلاً حسب مراحل القمر، أما الشهر الشمسي فيعتمد على حركة الأرض حول الشمس، وهو ثابت تقريبًا. ولهذا السبب، لا تتوافق الأشهر القمرية مع التقويم الميلادي الذي يعتمد على الأشهر الشمسية.

أصل تسمية الأشهر القمرية

يرجع سبب تسمية الأشهر بـ”القمرية” إلى ارتباط هذه الأشهر بدورة القمر ومراحله المتنوعة، حيث كانت المراحل القمرية مثل الهلال، البدر، والمحاق نقاطًا مرجعية تساعد الإنسان على تقسيم الوقت. إذ كان الإنسان القديم يعتمد على ملاحظة القمر كأداة رئيسية لقياس الزمن بدقة أكبر مما كانت توفره ملاحظاته فقط من حركة الشمس.

كلمة “قمر” في اللغة العربية تدل على الجسم السماوي الذي يدور حول الأرض، ومن هنا جاءت التسمية “الأشهر القمرية” للدلالة على أن هذه الأشهر تستمد مدتها ومحدداتها من حركة القمر.

أهمية القمر في تقسيم الوقت عبر الحضارات

لقد ارتبط القمر في مختلف الحضارات عبر التاريخ بتحديد مواعيد الطقوس الدينية والزراعية والاجتماعية، حيث كانت دورات القمر تمثل مقياسًا دقيقًا للتقويم الزمني قبل اختراع الساعات والآلات الدقيقة. ومن أشهر هذه الحضارات التي اعتمدت التقويم القمري:

• الحضارة الإسلامية: حيث يعتمد التقويم الهجري كاملاً على الأشهر القمرية، ويُعتبر هذا التقويم الأساس لتحديد مناسبات دينية مهمة مثل شهر رمضان والحج.

• الحضارة الصينية: استخدمت التقويم القمري لتحديد الأعياد التقليدية مثل رأس السنة الصينية.

• الحضارة اليهودية: اعتمدت على تقويم قمري شمسي مختلط، حيث يتم تحديد أشهر السنة بناءً على القمر مع تعديل بعض الأشهر حسب الشمس لضبط السنة.

• حضارات ما بين النهرين: مثل السومريين والبابليين، حيث كان لديهم تقاويم قمرية متقدمة لتوجيه الزراعة والطقوس الدينية.

مراحل القمر وعلاقتها بالأشهر القمرية

تتضمن دورة القمر مراحل متتابعة، لكل منها تأثيرها في تحديد الوقت:

1. المحاق (New Moon): هو بداية الشهر القمري، حيث يكون القمر غير مرئي في السماء.

2. الهلال المتزايد (Waxing Crescent): يظهر فيه هلال رفيع يبدأ بالظهور بعد المحاق.

3. التربيع الأول (First Quarter): حيث يظهر نصف القمر مضاءً.

4. البدر (Full Moon): يظهر القمر كاملاً مضاءً، وهو منتصف الشهر القمري تقريبًا.

5. التربيع الأخير (Last Quarter): يظهر نصف القمر مضاءً مرة أخرى، لكنه على الجانب المعاكس.

6. الهلال المتناقص (Waning Crescent): يبدأ القمر بالتناقص حتى يصل إلى المحاق مرة أخرى.

هذه المراحل هي التي جعلت الإنسان قادراً على تقسيم الوقت بدقة ووضوح، إذ يمكن بسهولة تحديد بداية الشهر ونهايته بواسطة مراقبة بداية ظهور الهلال الجديد.

التقويم القمري الإسلامي ودوره في تسمية الأشهر

الأشهر القمرية في الإسلام هي الأشهر التي بدأ استخدامها منذ الهجرة النبوية، وقد نص القرآن الكريم والسنة النبوية على اعتبارها معيارًا لتحديد أوقات العبادات والمناسبات الشرعية. وتضم هذه الأشهر اثني عشر شهرًا تبدأ بالمحاق وتنتهي قبله، حيث تتحرك السنة القمرية بمعدل أقل من السنة الشمسية بحوالي 11 يومًا.

أسماء الأشهر القمرية

تحمل الأشهر القمرية الإسلامية أسماء خاصة وهي: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، وذو الحجة. وهذه الأسماء لها جذور تاريخية وثقافية تعود إلى ما قبل الإسلام، واستخدمت مع تعديلات طفيفة لتتناسب مع التقويم الإسلامي.

الفوائد العملية لاستخدام الأشهر القمرية

كان استخدام الأشهر القمرية له فوائد عملية عديدة في تنظيم حياة الإنسان القديم والحديث:

• تحديد مواسم الزراعة والحصاد: حيث ارتبطت بعض مراحل القمر بمواسم معينة.

• تنظيم الأعياد والاحتفالات الدينية: حيث يعتمد المسلمون على الأشهر القمرية لتحديد توقيت الصيام، الحج، وغيرهما.

• توحيد مواعيد الاجتماعات والفعاليات الاجتماعية: في المجتمعات التي كانت تتابع حركة القمر.

• سهولة المراقبة: كون القمر يظهر بوضوح في السماء، مما يسهل على الناس متابعة تقويمهم دون الحاجة إلى أدوات متقدمة.

علاقة الشهر القمري بالفلك والعلوم الحديثة

في العلوم الفلكية الحديثة، يُعتبر الشهر القمري معيارًا لقياس الزمن، وله أنواع مختلفة مثل:

• الشهر السائد (Synodic Month): المدة بين محاقين متتاليين (29.53 يومًا).

• الشهر الذاتي (Sidereal Month): المدة التي يحتاجها القمر ليكمل دورة كاملة حول الأرض بالنسبة للنجوم الثابتة (27.32 يومًا).

• الشهر الترويضي (Tropical Month): المدة بين عبور القمر لنقطة الاعتدال الربيعي مرتين متتاليتين (27.32 يومًا).

فهم هذه الأنواع من الشهور القمرية له دور مهم في دراسة الفلك والتقويمات المختلفة حول العالم.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين مدة بعض أنواع الشهور القمرية والفصول:

تحديات التقويم القمري

يواجه التقويم القمري تحديات عدة ناتجة عن اختلاف مدة السنة القمرية عن السنة الشمسية، مما يؤدي إلى تباين في المواسم إذا ما تم الاعتماد عليه بشكل حصري. ولهذا السبب، بعض الثقافات مثل اليهودية والصينية تعتمد تقاويم هجينة (قمرية-شمسية) توازن بين الحركتين لضبط الفصول والمواسم.

كما أن الرصد الفعلي للهلال لا يكون سهلاً في بعض الأحيان بسبب الظروف الجوية، مما يتطلب اعتماد لجان خاصة للتحقق من ظهور الهلال في المجتمعات التي تتبع التقويم القمري بدقة.

خاتمة علمية

إن تسمية الأشهر بالقمرية لم تكن وليدة الصدفة، بل هي تعبير طبيعي وعلمي عن ارتباط الزمن بدورة القمر التي تحكمها قوانين فيزيائية فلكية دقيقة. عبر آلاف السنين، اعتمد الإنسان على القمر كمنارة لتحديد الوقت، وتنظيم حياته الدينية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الكبير في علوم الفلك وتقنيات قياس الزمن، يبقى التقويم القمري جزءًا أساسيًا من التراث الإنساني في عدة ثقافات ومجتمعات، خصوصًا في المجتمعات الإسلامية التي جعلته أساسًا لتحديد أوقات العبادات والاحتفالات الدينية.

المصادر والمراجع

• “التقويم الهجري والتقويم القمري”، مركز الفلك الدولي، 2020.

• القمر وأثره في الثقافات والتقويمات، مجلة العلوم الفلكية، العدد 12، 2018.