تخفيف آلام الظهر للحامل

تخفيف آلام الظهر للحامل

تُعدّ آلام الظهر من أبرز المشكلات الصحية الشائعة التي تواجه المرأة خلال فترة الحمل، حيث تُشير الإحصائيات الطبية إلى أن أكثر من 50% من النساء الحوامل يعانين من درجات متفاوتة من آلام الظهر، خاصة في المرحلة الثانية والثالثة من الحمل. تعود هذه الآلام إلى تغيرات فسيولوجية وهرمونية عميقة تطرأ على جسم المرأة، ما يجعل التعامل معها أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على جودة الحياة والصحة العامة للأم والجنين معًا.

التغيرات الفسيولوجية التي تؤدي إلى آلام الظهر خلال الحمل

يحدث خلال الحمل عدد من التغيرات التي تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العضلي الهيكلي، وتزيد من فرص الإصابة بآلام الظهر. من أهم هذه التغيرات:

1. زيادة الوزن

مع نمو الجنين وتكوّن المشيمة والسائل الأمنيوسي، يزداد وزن المرأة تدريجيًا. هذا الحمل الزائد يُلقي عبئًا على العمود الفقري، وخصوصًا على منطقة أسفل الظهر، ما يؤدي إلى شد عضلي وتقلصات مزمنة.

2. تغير مركز الثقل

بسبب نمو البطن، يتغير مركز ثقل الجسم نحو الأمام، ما يدفع المرأة لا إراديًا إلى الانحناء للخلف للحفاظ على توازنها. هذا التعويض الحركي يضغط بشكل مفرط على عضلات الفقرات القطنية.

3. ارتخاء الأربطة والمفاصل

يفرز جسم الحامل هرمونًا يُدعى “ريلاكسين”، الذي يُرخي الأربطة والمفاصل لتسهيل عملية الولادة. لكن هذا الارتخاء يؤثر أيضًا على استقرار العمود الفقري ويُسبب تخلخلًا في توازن المفاصل الفقرية.

4. التغيرات الهرمونية

إلى جانب الريلاكسين، هناك تغير في مستويات الإستروجين والبروجستيرون، ما يؤدي إلى احتباس السوائل والالتهابات في الأنسجة المحيطة بالعمود الفقري، الأمر الذي يُفاقم من الشعور بالألم.

أنواع آلام الظهر عند الحوامل

تصنّف آلام الظهر عند الحوامل إلى أنواع متعددة تبعًا للموقع والسبب:

طرق تخفيف آلام الظهر للحامل

1. التمارين الرياضية الآمنة

تُعد التمارين المخصصة للحامل من أهم وسائل تخفيف الضغط عن الفقرات وتحسين الدورة الدموية وتقوية العضلات المحيطة بالعمود الفقري. من أهم هذه التمارين:

• تمارين التمدد القطني (Pelvic tilts): تساعد في تقليل التوتر في العضلات القطنية.

• اليوغا الخاصة بالحمل: تُعزز المرونة وتُخفف الضغط عن المفاصل.

• السباحة: تُعتبر من أنسب الأنشطة للحامل نظرًا لدعم الماء للجسم وتخفيف الحمل عن الظهر.

ينبغي على الحامل ممارسة هذه التمارين تحت إشراف مختص مؤهل، مع مراعاة الراحة عند الشعور بالإجهاد أو الدوخة.

2. تعديل وضعية الجسم

من العوامل المهمة في الوقاية والعلاج هو الحرص على وضعيات صحية أثناء الجلوس والوقوف والنوم، مثل:

• عدم الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة دون تحريك الجسم.

• استخدام وسادة دعم أسفل الظهر أثناء الجلوس.

• الحفاظ على استقامة الظهر وتوزيع الوزن بالتساوي عند الوقوف.

• عند النوم، يُنصح بالنوم على الجانب الأيسر مع وضع وسادة بين الركبتين لتقليل الضغط على الحوض.

3. العلاج الفيزيائي

تلجأ الكثير من الحوامل للعلاج الفيزيائي لتخفيف آلام الظهر المزمنة، ويشمل هذا:

• التدليك العلاجي: يُساهم في تحسين تدفق الدم وتقليل الشد العضلي.

• العلاج بالحرارة أو البرودة: الكمادات الساخنة أو الباردة على الظهر تُقلل من الالتهاب وتُخفف الألم.

• التحفيز الكهربائي للعصب عبر الجلد (TENS): آمن لبعض الحوامل ويُستخدم بتوصية من الطبيب المختص.

4. ارتداء مشد الحمل أو حزام دعم البطن

حزام دعم الحمل يُخفف من الضغط الميكانيكي على أسفل الظهر ويساعد على توزيع الوزن بشكل أكثر توازنًا. يُستخدم هذا الحزام في الحالات التي تعاني من ألم شديد أو عند أداء أنشطة يومية مجهدة.

5. اتباع نظام غذائي متوازن

التغذية الجيدة تُسهم في تقوية بنية العضلات والعظام، ومن أهم العناصر الغذائية الضرورية:

• الكالسيوم: يحافظ على صحة العظام ويُقلل من خطر الإصابة بترقق العظام.

• المغنيسيوم: يُقلل من التقلصات العضلية.

• الفيتامين D: يُعزز امتصاص الكالسيوم ويقوي الجهاز العضلي الهيكلي.

• الفيتامين B12 والحديد: يدعمان الجهاز العصبي ويُقللان من حالات الخدر أو التنميل المصاحب لألم الظهر.

ينبغي على الحامل استشارة طبيب التغذية لتحديد الكميات المناسبة والآمنة من المكملات الغذائية.

6. العلاج بالإبر الصينية

العديد من الدراسات أثبتت فعالية العلاج بالإبر الصينية في تخفيف آلام الظهر لدى الحوامل، شريطة أن يُنفذ من قبل مختص معتمد. يعمل هذا العلاج على تحفيز نقاط الطاقة وتحسين توازن الجسم.

نصائح وقائية يومية للحامل لتجنب آلام الظهر

• تجنب حمل الأشياء الثقيلة، وفي حال الضرورة يجب رفعها باستخدام الركبتين وليس الظهر.

• ارتداء أحذية مريحة دون كعب لتقليل الضغط على العمود الفقري.

• استخدام مراتب نوم طبية داعمة للفقرات.

• تنظيم الأنشطة اليومية لتقليل الجهد وتجنب الإجهاد.

• الحفاظ على الترطيب الكافي لتقليل تقلصات العضلات.

متى تستدعي آلام الظهر عند الحامل تدخلًا طبيًا؟

رغم أن معظم حالات آلام الظهر خلال الحمل تكون طبيعية ومؤقتة، إلا أن هناك علامات تتطلب التدخل الطبي العاجل، منها:

• إذا كان الألم شديدًا ويزداد سوءًا مع الوقت.

• عند وجود خدر أو تنميل في الأطراف السفلية.

• إذا كان الألم مصحوبًا بحمى أو إفرازات مهبلية غير طبيعية.

• في حال وجود تاريخ مرضي لمشكلات العمود الفقري أو هشاشة العظام.

الممارسات التي يجب تجنبها أثناء الحمل لتفادي تفاقم ألم الظهر

• تجنب النوم على الظهر خاصة في الثلث الأخير من الحمل.

• الابتعاد عن التمارين الشاقة أو غير المناسبة للحمل.

• الامتناع عن استخدام الأدوية المسكنة دون وصفة طبية، لأن بعض الأدوية قد تُشكل خطرًا على الجنين.

• التقليل من استخدام الحاسوب والهاتف لفترات طويلة دون راحة، خاصة في وضعيات خاطئة.

دور الدعم النفسي والاجتماعي

تلعب الحالة النفسية للحامل دورًا مهمًا في تقليل الشعور بالألم وتحسين القدرة على تحمله. الدعم من الشريك والعائلة والمحيط المهني يُسهم في تقليل الضغط العصبي، مما ينعكس إيجابيًا على الأعراض الجسدية. كما يُنصح الحامل بالانضمام إلى مجموعات دعم أو برامج توعوية موجهة للحوامل للحصول على التوعية والمشورة الصحية اللازمة.

الخاتمة

تُعد آلام الظهر أثناء الحمل من المشكلات الشائعة التي تتطلب إدارة شاملة تجمع بين الوقاية والعلاج، مع مراعاة خصوصية التغيرات الجسدية التي تمر بها المرأة. يعتمد النجاح في التخفيف من هذه الآلام على وعي الحامل بالمسببات واتباعها للإرشادات الطبية والحياتية المناسبة. التزام الحامل بنمط حياة صحي، والحصول على الدعم العلاجي والنفسي في الوقت المناسب، يُعدّان أساسًا في الحفاظ على صحتها وسلامة جنينها حتى موعد الولادة.

المراجع:

1. Stuge, B. et al. (2019). “The efficacy of physical therapy for pregnancy-related low back and pelvic pain”. Journal of Physiotherapy, 65(3), 147-155.

2. Pennick, V., & Liddle, S.D. (2013). “Interventions for preventing and treating pelvic and back pain in pregnancy”. Cochrane Database of Systematic Reviews.