تحيزات معرفية تؤثر في قراراتنا

3 تحيزات معرفية تؤثر في قراراتنا اليومية

إن التحيزات المعرفية هي أنماط من التفكير غير الموضوعي التي تساهم في اتخاذ القرارات اليومية بشكل غير عقلاني أو منطقي. بالرغم من أن هذه التحيزات ليست دائمًا مدروسة أو مقصودة، إلا أنها تؤثر بشكل كبير على كيف نرى العالم ونفهمه، وبالتالي تؤثر في قراراتنا الحياتية سواء كانت في مجال العمل، أو العلاقات الشخصية، أو حتى في اختياراتنا اليومية. في هذا المقال، سنستعرض ثلاث تحيزات معرفية رئيسية تؤثر في قراراتنا اليومية، وكيفية التعرف عليها لتقليل تأثيرها على حياتنا.

1. تحيز التأكيد (Confirmation Bias)

يُعد تحيز التأكيد من أكثر التحيزات المعرفية انتشارًا، وهو يشير إلى الميل الطبيعي لدى الإنسان للبحث عن المعلومات التي تدعم معتقداته أو آرائه السابقة، وتجاهل أو التقليل من شأن المعلومات التي تتعارض معها. هذا التحيز يمكن أن يؤثر على العديد من القرارات اليومية، مثل كيفية اتخاذ قرارات مالية، اختيار العلاجات الصحية، وحتى المواقف السياسية أو الاجتماعية.

تأثير تحيز التأكيد:

• الاختيارات المالية: عندما يقرر الشخص استثمار أمواله في شركة معينة أو منتج معين، قد يبحث فقط عن الأدلة التي تدعم فكرة أن هذا الاستثمار هو الأنسب له، ويتجاهل الدراسات أو التقارير التي تحذر من المخاطر. هذا يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى خسائر مالية.

• القرارات الصحية: عندما يعتنق شخص ما رأيًا معينًا حول نوع من العلاجات أو الأنظمة الغذائية، فإن تحيز التأكيد قد يدفعه للبحث عن تجارب أو دراسات تؤيد هذا الرأي، وتجاهل الأبحاث التي تتناقض مع هذا الاعتقاد، مما يؤدي إلى تبني ممارسات صحية قد تكون غير فعّالة أو حتى ضارة.

• التفاعلات الاجتماعية: عندما يتبنى شخص آراء معينة حول مجموعة معينة من الناس أو قضايا اجتماعية، قد يبحث عن مواقف أو أحداث تدعم هذه الآراء ويشوه الحقائق التي تتعارض معها، مما يعزز من الانقسام الاجتماعي ويعوق التفكير النقدي.

كيفية التخفيف من تأثير تحيز التأكيد:

لتقليل تأثير هذا التحيز على قراراتنا، يمكننا محاولة أن نكون أكثر وعيًا بتلك المعلومات التي نميل إلى تجاهلها أو التقليل من شأنها. من المفيد أن نتبنى موقفًا مفتوحًا حيث نبحث عن الأدلة المتناقضة ونسعى لفهم الآراء المختلفة حول نفس الموضوع.

2. تحيز التوافر (Availability Bias)

تحيز التوافر هو الميل إلى تقدير احتمالية حدوث شيء ما بناءً على مدى سهولة استرجاعه من الذاكرة أو مدى تكرار حدوثه في تجاربنا الشخصية أو ما نشاهده في وسائل الإعلام. على سبيل المثال، إذا كنت قد شاهدت مؤخرًا أخبارًا عن حوادث طيران، فقد تشعر أن السفر بالطائرة أصبح أكثر خطرًا من المعتاد، حتى وإن كانت الإحصائيات تشير إلى عكس ذلك.

تأثير تحيز التوافر:

• تقدير المخاطر: يميل الأشخاص إلى المبالغة في تقدير مخاطر الأحداث النادرة إذا كانت قد تعرضوا لها أو سمعوا عنها مؤخرًا. هذا قد يسبب لهم قلقًا غير مبرر حول أمور مثل الطيران أو السفر إلى مناطق معينة، بينما في الحقيقة، الإحصائيات قد تشير إلى أن هذه المخاطر أقل بكثير من التصور الشخصي.

• القرارات المهنية: عندما نسمع عن شخص آخر فقد وظيفته بسبب خطأ ما في العمل، قد يصبح لدينا خوف مبالغ فيه من اتخاذ قرارات مشابهة في بيئة العمل الخاصة بنا، حتى إذا كانت هذه الحادثة استثنائية ولا تمثل القاعدة.

• القرارات الصحية: قد يتسبب في أن يفرط الشخص في القلق حول نوع من الأمراض أو الحالات الصحية التي تم الحديث عنها بشكل مكثف في وسائل الإعلام، مما يجعله يتجنب أنماط الحياة الصحية أو الفحوصات الطبية بناءً على اعتقاد مبالغ فيه بشأن خطرها.

كيفية التخفيف من تأثير تحيز التوافر:

من الضروري أن نتعلم كيف نصل إلى البيانات الحقيقية والموضوعية بدلاً من الاعتماد على المشاهدات الشخصية أو الأخبار العشوائية. يجب أن نتأكد من البحث عن إحصائيات وأدلة موضوعية لدعم قراراتنا بدلاً من الاستناد إلى المواقف التي كانت بارزة في ذاكرتنا.

3. تحيز الإهمال (Negativity Bias)

تحيز الإهمال هو ميل الناس إلى إعطاء وزن أكبر للأحداث أو المعلومات السلبية مقارنة بتلك الإيجابية. في الكثير من الحالات، يتم تذكر الفشل أو الأخبار السيئة بشكل أكثر وضوحًا من النجاحات أو الأخبار الجيدة. هذا التحيز يجعلنا أكثر عرضة لاتخاذ قرارات تؤثر بشكل غير مناسب بسبب التركيز على المخاوف أو السلبيات فقط.

تأثير تحيز الإهمال:

• العلاقات الشخصية: في العلاقات الإنسانية، سواء كانت علاقات عاطفية أو مهنية، يمكن أن يؤدي تحيز الإهمال إلى تضخيم الأخطاء الصغيرة أو الإساءات البسيطة التي تحدث، مما يؤدي إلى مشاعر من الاستياء أو الانزعاج. التركيز المستمر على هذه السلبيات قد يؤدي إلى تدهور العلاقات مع مرور الوقت.

• القرارات المهنية: عندما يواجه الفرد مشكلة أو خطأ في عمله، قد يبالغ في التركيز على هذه المشكلة، مما يضعه في موقف دفاعي أو متردد، وبالتالي يعوقه عن اتخاذ خطوات إيجابية جديدة نحو النجاح أو التحسين.

• التقييم الذاتي: يميل الأشخاص إلى إعطاء قيمة أكبر للنقد السلبي مقارنة بالتعليقات الإيجابية، مما يؤثر على تقديرهم لذاتهم وقدرتهم على اتخاذ قرارات ثقة. هذا قد يؤدي إلى فقدان الدافع أو الخوف من الفشل.

كيفية التخفيف من تأثير تحيز الإهمال:

للحد من تأثير هذا التحيز، من المهم أن نكون مدركين لكيفية تأثرنا بالمعلومات السلبية وأن نتعلم كيف نعزز التفكير الإيجابي. يمكن تحقيق ذلك عن طريق الاعتراف بالإنجازات الصغيرة والتقدم المستمر بدلاً من التركيز على العثرات التي قد تحدث بين الحين والآخر.

الخاتمة

في حياتنا اليومية، نواجه العديد من القرارات التي تؤثر على جودة حياتنا وصحتنا وعلاقاتنا. التحيزات المعرفية هي جزء من طريقتنا في التفكير، لكن يمكننا تقليل تأثيرها عن طريق الوعي بها ومحاولة التعامل معها بشكل منطقي. من خلال التعرف على تأثيرات تحيز التأكيد، وتحليل تأثير تحيز التوافر، والوعي بتحيز الإهمال، يمكننا تحسين قدرتنا على اتخاذ قرارات مدروسة ومتوازنة.