تحولات الموسيقى المغربية في المشرق العربي

في السنوات الأخيرة، شهدت موسيقى المشرق العربي تحولًا ملحوظًا نحو انفتاح أوسع على الأغاني المغربية، حيث تلاحظ هذا الانفتاح في كلمات الأغاني وتوزيعها، مع تركيز متزايد على استهداف السوق المغربية في الإنتاجات الفنية الأخيرة. يظهر هذا التحول بشكل واضح في أعمال الجيل الجديد من الفنانين المشرقيين، ومن بينهم الفنانة الإماراتية بلقيس فتحي التي ارتبطت اسمها بتجارب غنائية تمزج بين اللغة العربية والمغربية.

لقد كانت فترة الثمانينات هي بداية تفاعل المشرقيين مع الأغاني المغربية، حيث قاد المطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي الطريق بأغنيته الخالدة “مرسول الحب”، التي غناها بكلمات مغربية بلهجة بيضاء سهلة الفهم. وقد ساهم هذا النجاح في فتح أفق جديد للأغاني المغربية في المشرق. كما قام المغني الليبي حميد الشاعري في أواخر الثمانينات بإعادة تقديم الأغنية بتوزيع موسيقي جديد، مما أضفى عليها نفحة جديدة وأسهم في انتشارها.

ومع ذلك، استمرت الأغاني المغربية في تكون محلية الانتشار لسنوات طويلة، وذلك بسبب التحديات التي واجهها هذا النوع من الموسيقى، مثل سوء التسويق الإعلامي وعدم تبني بعض الفنانين المغاربة الأصل للهوية المغربية في أعمالهم الفنية.

مع بداية القرن الواحد والعشرين، شهدنا عودة قوية للاهتمام بالأغاني المغربية في المشرق، وذلك من خلال مجموعة “فناير” التي قدمت موسيقى تجمع بين الراب والتراث المغربي الأصيل. وقد كانت هذه التجربة هي بداية لفكرة إعادة النظر في النهج الفني واللغوي للأغاني المغربية، حيث قامت الفنانة المغربية الكبيرة سميرة سعيد بتجسيد هذا الانفتاح عندما قررت إنتاج أغنية مغربية بالتعاون مع مجموعة “فناير”، والتي أطلقت عليها اسم “مازال”، وكانت هذه التجربة ناجحة وفاقت التوقعات، حيث أضفت مزيدًا من الجاذبية للأغاني المغربية في المشرق العربي.

نجاح أغنية “لمعلم” للفنان سعد لمجرد في عام 2015 كانت منعطفًا هامًا، حيث استطاعت هذه الأغنية أن تتخطى الحدود المحلية وتحقق نجاحًا كبيرًا في المشرق العربي، بفضل كلماتها الجديدة وسهولة فهمها بفضل لهجته البيضاء. ومع هذا النجاح، بدأ الفنانون المغاربة في المشرق يستلهمون من تجاربهم الوطنية ويعودون إلى أصولهم الثقافية.

مثال على ذلك هو الفنانة أسماء لمنور التي اختارت أغنية “عندو الزين” لتكون تعبيرًا عن هويتها المغربية. قدمت لمنور هذه الأغنية بتوزيع موسيقي جديد يجمع بين التراث المغربي والعصري، وقام المخرج أمير الرواني بتجسيد جمال الثقافة المغربية في كليب الأغنية، حيث تمحورت القصة حول حفل الزفاف المغربي.

ومن ثم، استمر هذا الانفتاح وتعاظمت رؤية الفنانين المغاربة في المشرق. المخرج الشاب عبد الرفيع العبديوي، عبر أعماله الفنية، يبني جسورًا بين الموسيقى المغربية والهوية المحلية. كانت أغنية “صابرة”، التي تجسدت في منطقة أوكايمدن بديكور بسيط، مثالًا على التكامل الفني بين الكلمات والكليب، حيث تم تقديم قصة حقيقية تروي قصة حب في إطار جبال المغرب.

وتعد هذه التجارب الفنية والإبداعية تحولًا هامًا في تأثير الأغاني المغربية في المشرق العربي، حيث يسهم الجيل الجديد من الفنانين والمخرجين في تعزيز التفاعل الثقافي بين المنطقتين، وفتح أفق جديد للاستماع والتفاعل مع الفنون الموسيقية المغربية.