في كتابه الموسوم بـ “الثابت والمتحول في النظام الفدرالي”، يستعرض الكاتب قاسم العبودي بإتقان وعمق نحو 25 دولة فدرالية في العالم، متناولًا جوانب متعددة ترتبط بطبيعة هذه الأنظمة الحكومية المعقدة. يستمد الكتاب قوته من تحليل عميق لكيفية استجابة هذه الأنظمة للاختلافات الاثنية والدينية بين سكانها، وذلك من خلال إعادة توزيع السلطة والصلاحيات بهدف ضمان استمرارية الروابط الوحدوية وتحقيق درجة من المساواة في إدارة شؤون الدولة.
من خلال رحلة تاريخية متأملة، يقدم العبودي رؤيته لكيفية تطور مفهوم الديمقراطية في هذه الدول الفدرالية، حيث انتقلت تدريجياً من مفهوم حكم الأغلبية إلى مفهوم الديمقراطية التوافقية. ورغم أن هذا التحول قد لم يكن هدفًا ذاتيًا لهذه الأنظمة، إلا أنه كان رد فعل طبيعي على التحديات العقائدية والعرقية والدينية والطائفية. يظهر الكاتب كيف أن هذا التصدي للتنازعات والاختلافات أدى إلى تشكيل نموذج فريد من الديمقراطية، حيث يسعى إلى تحقيق التوافق والاستقرار وتوفير شعور بالمساواة بين سكان الدولة.
وفي محاولة للإجابة على تساؤل هام، يتساءل العبودي في الكتاب: هل النظام الفدرالي هو نظام استقرار أم تحول؟ هل وُجدت الفدرالية لتكون حلاً لمشكلة المجتمعات المنقسمة إثنياً ودينياً وطائفياً؟ أم هي مرحلة تاريخية تمر بها الدول لتلافي حالات الانقسام والتنازع، قبل أن تعود إلى شكل الدولة البسيطة بعد أن تؤدي دورة في تحقيق الأمن والاستقرار والمساواة؟
باستعراض النماذج المتنوعة للدول الفدرالية المذكورة في الكتاب، يُفتح أمام القارئ آفاقاً واسعة لفهم طبيعة هذه الأنظمة وتأثيرها على مستويات الحياة في هذه الدول. يقوم الكتاب بتقديم رؤى عميقة تضيء على التوازن الحساس بين الاحترام للتنوع وتحقيق الوحدة الوطنية في سياق النظام الفدرالي.
ومع تقديمه للعديد من النماذج والتجارب، يظهر الكتاب أن الفدرالية قد تكون جوابا فعّالا لمشاكل المجتمعات المتنوعة، وفي الوقت نفسه، قد تكون مرحلة متحولة تعكس حالات التنازع والتقاء في تاريخ الدول. يعتبر هذا العمل الكتابي إسهامًا قيمًا في تفكيك تعقيدات الفدرالية وفهم دورها الحيوي في تطوير أنظمة الحكم العالمية.