تحليل تحديات التعليم العالي في مصر: من الثورة إلى المستقبل

ثورة 23 يوليو 1952، التي اندلعت في مصر، شكلت نقطة تحول تاريخية في المسار السياسي والاقتصادي للبلاد. تتجلى أهداف هذه الثورة في محاولة تحقيق عدة مبادئ رئيسية، تنوعت بين التخلص من الفوارق الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. من أبرز الوسائل التي تم استخدامها لتحقيق هذه الأهداف، قوانين الاصلاح الزراعي التي استهدفت إلغاء الفروق في توزيع الأراضي الزراعية، وزيادة الأجور، وتوفير التعيينات الحكومية الالزامية للمواطنين.

تأتي بين هذه الأهداف أيضاً تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال ضمان التعليم الجامعي والقبل الجامعي مجاناً. ورغم التطور الطويل الذي شهده هذا المبدأ على مدى الخمسين سنة الماضية، إلا أن الطلاب اليوم يجدون أنفسهم مضطرين للمشاركة بنسب مهمة في تغطية تكاليف الدراسة، حيث تتحمل أسرهم أعباءً مالية تتعلق بالمصروفات الجامعية.

تتفاقم هذه المعاناة مع مرور الوقت، حيث يزدادت قيمة المصروفات المطلوبة، مما يثقل كاهل أولياء الأمور ويتسبب في تقليل الانفاق على الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية. إذا نظرنا إلى جدوى هذه المصروفات في تحسين جودة التعليم، نجد أنها غالباً لا تسهم بشكل كبير في تحقيق هذا الهدف، بل تثير غضب الطلاب وأولياء الأمور نتيجة للمبالغ الكبيرة التي يتوجب عليهم دفعها.

إن المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي لا تقتصر على مستوى المصروفات فقط، بل تتجاوز إلى مجال التعليم العالي والبحث العلمي. يلاحظ أن الاهتمام بالبحث العلمي غالباً محصور في بعض المجالات مثل العلوم الطبية، دون توجيه الجهود الكافية لخدمة مجتمع الدولة وتطوير قطاعات أخرى.

أما فيما يتعلق بالتعليم العالي، فإن الجامعات الحكومية تواجه مجموعة من التحديات. ينقسم النظام الجامعي إلى عدة شعب، منها الشعبة العربية والشعبة الإنجليزية. وتعاني الشعبة العربية من مشاكل تتمثل في غياب الكتب الجامعية وتأخر أستاذ المادة، بينما يزيد الأمر سوءاً في الشعبة الإنجليزية حيث يضطر الطلاب لدفع مصروفات باهظة دون جدوى تذكر.

تعود جذور معاناة القطاع التعليمي إلى عدة أسباب، منها غياب الرقابة الفعالة على الأساتذة وإدارة الجامعات، وعدم توجيه الانفاق بطريقة فعالة وشفافة. يتسبب ارتفاع نسبة الانفاق على أجور ومرتبات العاملين في القطاع في نقص التمويل اللازم لتحسين البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، مما يستدعي زيادة المصروفات المفروضة على الطلاب.

لضمان مستقبل أفضل للتعليم العالي في مصر، يجب على وزارة التعليم العالي التركيز على تعزيز البحث العلمي واستخدامه في خدمة المجتمع. كما ينبغي فرض رقابة فعّالة على إدارة الجامعات وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد. إلغاء الشعبة الإنجليزية والفرنسية يعد خطوة ضرورية لتخفيف العبء المالي عن أولياء الأمور، وتحسين جودة التعليم للطلاب. يجب أيضاً على الجامعات إعادة هيكلة نفقاتها وتحسين استخدام الموارد بما يخدم مصلحة الطلاب ويضمن جودة التعليم في المستقبل.