في كتاب “ثنائية الخراب والخلاص في الرواية العبرية الحديثة” الذي كتبته الباحثة أميرة عمارة، تستعرض الكاتبة ببراعة وعمق فائق، تأثير رؤى الديستوبيا الكابوسية داخل الأدب العبري الحديث. يظهر أن هذه الرؤى لم تكن مجرد تأثير من الأدب العالمي، بل تمتاز بأبعاد خاصة داخل الأدب الإسرائيلي. فهو أدب يستمد مفاهيمه ورؤاه من جذور عقدية أساسية، ترتبط بوجود اليهود واستمراريتهم، وبنية الدولة الإسرائيلية التي نشأت على أرض فلسطين المسلوبة.
تحققت طموحات الحركة الصهيونية في عام 1948 بإعلان قيام دولة إسرائيل، ورغم تحقيق هذا الهدف الوطني الكبير، بقيت مشاعر الخوف تراود قلوب الإسرائيليين، ولم توفر الدولة الجديدة الشعور بالأمان المستدام. يسلط الكتاب الضوء على أربع روايات إسرائيلية معاصرة، وهي “الحلم الرابع” لدافيد ملاميد، و”دلالة الحائرين” لجلعاد عتسمون، و”يوم القيامة” لعميحاي شابيرا، و”2023″ ليجئال سرنا. تقدم هذه الأعمال تصويرًا لإسرائيل في حالة من الخراب والانهيار، حيث تتلاشى الدولة ويتشرد مواطنوها، سواء كانوا لاجئين في أنحاء العالم أو عائدين إلى أرض آبائهم.
يستند الكتاب إلى تحليل عميق للأسباب التي أدت إلى هذا الخراب المتخيل، حيث استمدت هذه الروايات السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذين يمثلون جزءًا من الواقع الإسرائيلي المعاصر. يندرج كل ذلك ضمن إطار قراءة حذرة للواقع، محاولة جاهدة لتفادي الكوارث المحتملة والحيلولة دون وقوعها.
وفي سياق هذه الرؤى الكابوسية للأدب الإسرائيلي، يبرز الكتاب بأن الخراب لا بد أن يأتي مرفقًا بفرصة للخلاص. إن هذه الثنائية، التي صاحبت تاريخ وعقيدة اليهود، تظهر بأن الشعب اليهودي، عبر تاريخه الطويل، تعرض للابتلاءات الشديدة، لكنه يتغلب عليها وينهض من جديد ليعيد بناء حياته. وبالتالي، تعتبر إسرائيل الحالية جزءًا من هذه الثنائية، حيث يتلازم الزوال والتجدد في رؤية أدبية كابوسية.