تحليل فيلم Kara no Kyoukai 2: Satsujin Kousatsu (Zen)

يُعد فيلم Kara no Kyoukai 2: Satsujin Kousatsu (Zen) أحد أبرز الأعمال التي تجمع بين الغموض الفلسفي والعنف الجمالي، وهو الجزء الثاني في سلسلة “Kara no Kyoukai” التي صدرت عن استوديو Ufotable، المعروف بإنتاجاته عالية الجودة من حيث التحريك والسينماتوغرافيا. الفيلم الذي أُصدر في ديسمبر عام 2007 لا يواصل سرد الأحداث بشكل زمني تقليدي، بل يعيد المشاهد إلى الماضي لفهم الجذور النفسية والشخصية لشخصياته الرئيسية، وفي مقدمتها شخصية شِيكِي ريوغي (Shiki Ryougi).

سياق السلسلة والبناء السردي

تمتاز سلسلة Kara no Kyoukai عمومًا بأسلوبها غير الخطي في السرد، حيث تتبع ترتيبًا غير زمني للأحداث، ما يجعل من كل جزء فيها كيانًا مستقلًا من حيث الشكل، لكنه متصل وظيفيًا بالسياق العام. الفيلم الثاني “Satsujin Kousatsu (Zen)”، والذي يُترجم إلى “تأمل في القتل – القسم الأول”، يشكل المدخل العاطفي والفلسفي لفهم ماضي الشخصيات ومسوغاتهم النفسية، مما يمنح الأعمال التالية عمقًا مضاعفًا.

الحبكة والبناء الدرامي

تبدأ القصة في 冬 1995، عندما يصادف ميكيا كوكوتو (Mikiya Kokutou) فتاة غامضة ترتدي كيمونو أبيض خلال تجوله الليلي وسط الثلوج، تنظر إليه بابتسامة هادئة غير مألوفة. هذه الفتاة هي شيكي ريوغي، التي سرعان ما تتقاطع طرقهما مجددًا في مراسم افتتاح المدرسة الثانوية. ومع تكرار اللقاءات، يبدأ ميكيا في التقرّب منها واكتشاف خيوط من ماضيها الفريد.

تدور القصة بالتوازي مع سلسلة من جرائم القتل الوحشية التي تهز مدينة ميفوني، حيث تبدأ التحقيقات في البحث عن القاتل، بينما تثير تصرفات شيكي غير المألوفة شكوك ميكيا، لا سيما بعد أن يتاح له الاطلاع على تفاصيل التحقيقات من خلال قريبه الذي يعمل في الشرطة. تنمو الشكوك أكثر، إلى أن تنقلب معرفة ميكيا بالعالم رأسًا على عقب، حين يكتشف أن شيكي ليست كما تبدو.

تحليل الشخصية: شيكي ريوغي

تمثل شخصية شيكي ريوغي أحد أعقد التكوينات النفسية في أنمي القرن الحادي والعشرين. فهي ليست فقط فتاة غامضة بل تعيش ضمن بنية نفسية مركبة تعتمد على تعدد الشخصيات، وهو ما يُعرف بـ”شخصيتين متضادتين”، حيث تمتلك شخصية ذكورية تُدعى SHIKI وأخرى أنثوية تُدعى Shiki، مع وجود تعارض دائم بين هاتين الشخصيتين. يجسد هذا الانقسام الباطني صراع الهوية والمعنى، كما يعكس الخلفية الفلسفية التي ينطلق منها كينوكو ناسو، كاتب النصوص، حول فكرة الذات المزدوجة والطبيعة الإنسانية الملتبسة بين الخير والشر.

تظهر شيكي في الفيلم كجسد يتحرك بهدوء، باردة الملامح، قليلة الكلام، وغامضة النوايا، ولكن وراء هذا القناع الانفعالي توجد شخصية مصابة بنوع من الانفصال العقلي، وتعيش على حافة القدرة على القتل دون أن تُظهر مشاعر تردد أو ندم. هذا الوضع يجعلها في موضع الشبهة المباشر خلال سلسلة جرائم القتل، لكن الأحداث تأخذ منعطفًا مختلفًا يكشف المزيد عن هذا التعقيد النفسي الوجودي الذي تعانيه.

التصوير السينمائي والإخراج

يتألق استوديو Ufotable كعادته في تقديم تحريك بالغ الواقعية مصحوب بلقطات سينمائية مميزة وذات دقة لونية متقنة. تسود أجواء الفيلم ظلال باردة تعكس الشتاء النفسي الذي تعيشه الشخصيات، ويعززها الاستخدام الذكي للكاميرا الثابتة في لحظات التوتر، إلى جانب الحركات البطيئة التي تبرز أهمية كل تفصيلة في اللقطة.

الإضاءة تلعب دورًا مركزيًا، حيث تتناقض الأضواء الخافتة والظلال القاتمة مع الألوان الساطعة لكيمونو شيكي الأبيض، ما يعكس ازدواجية الطهارة والخطر. وقد اختار المخرج أيتسوكي تومونوري أن يعتمد على الإيحاء البصري أكثر من الإيضاح المباشر، مما يجعل المتفرج جزءًا من عملية التحليل والاكتشاف.

الموسيقى والتصميم الصوتي

قامت الملحنة يوكي كاجيورا بإبداع مقطوعات موسيقية ذات طابع غامض ومأساوي يتماشى تمامًا مع الجو النفسي الثقيل للفيلم. تتداخل الإيقاعات الإلكترونية مع عناصر الأوركسترا الكلاسيكية، لتنتج توليفة صوتية تحاكي التعقيد النفسي والانفعالي الذي تعانيه الشخصيات، وخصوصًا شيكي. كما تساهم المؤثرات الصوتية في تعميق الإحساس بالمكان والعزلة والفراغ النفسي الذي يكتنف أغلب المشاهد.

البعد الفلسفي والرمزي

من أبرز ما يميز Kara no Kyoukai عمومًا، وهذا الفيلم بشكل خاص، هو عمقه الفلسفي. يدور الفيلم حول سؤال أساسي: هل الإنسان قادر على القتل دون دافع واضح؟ وهل يمكن وجود الشر كصفة داخلية وليست ناتجًا عن ظرف اجتماعي أو نفسي؟ يتناول الفيلم هذه الأسئلة من خلال شخصية شيكي، التي تُصوَّر أحيانًا كرمز للغريزة الحيوانية الخالصة التي لا تخضع لقيم المجتمع أو الأخلاق التقليدية.

كذلك يُوظف الفيلم رمزية الكيمونو الأبيض الذي ترتديه شيكي، والذي يُعد عادة رمزًا للنقاء في الثقافة اليابانية، لكن في هذا السياق ينقلب معناه إلى دلالة على الخطر الصامت. إنها مفارقة مرئية تقف في قلب فلسفة الفيلم عن تناقضات الذات الإنسانية.

البناء السردي المتدرج والتشويق

رغم قصر مدته النسبي، ينجح الفيلم في بناء حالة من التوتر التدريجي، حيث يُصعّد الغموض تدريجيًا حتى يصل إلى نقطة الكشف الأساسية في النهاية. يعتمد السرد على إشارات خفية وتلميحات ذكية تُجبر المتلقي على الانتباه وتحليل كل مشهد، وهو ما يعزز التجربة الجمالية ويمنح العمل طابعًا يتجاوز التسلية إلى الفهم النقدي العميق.

الجدول التالي يلخص أبرز محاور الفيلم:

التقييم الفني والنقدي

من حيث المستوى الفني، يُعتبر الفيلم تحفة بصرية وصوتية. لم يُترك أي تفصيل دون عناية، من تحريك الشعر في الرياح إلى تعابير الوجه الدقيقة، بينما تتناغم الموسيقى الخلفية بشكل عضوي مع كل مشهد. على مستوى المحتوى، يقدم الفيلم مادة دسمة للتحليل من زوايا متعددة: نفسية، فلسفية، اجتماعية وحتى جمالية. لا يعتمد الفيلم على مشاهد الحركة أو الرعب الصريح بقدر ما يراهن على التوتر الداخلي والقلق المتصاعد.

الخاتمة: عمل متكامل بطابع وجودي

يُجسّد Kara no Kyoukai 2: Satsujin Kousatsu (Zen) مزيجًا نادرًا بين السرد البوليسي والتحليل النفسي العميق، مدعومًا بأسلوب فني عالٍ يجعل من هذا الفيلم تجربة سينمائية متفردة. لا يقتصر دوره على كونه حلقة في سلسلة أنمي، بل يتجاوز ذلك ليصبح مدخلًا فكريًا إلى قضايا أعمق تتعلق بالهوية، والجنون، والحرية، والجريمة. إنه فيلم يدعو للتأمل، ويُظهر كيف يمكن للأنمي أن يكون وسيطًا فلسفيًا راقيًا، لا مجرد أداة ترفيهية.

المصادر

• Kinoko Nasu, Kara no Kyoukai novel series (Type-Moon)

• MyAnimeList: https://myanimelist.net/anime/2593/Kara_no_Kyoukai_2__Satsujin_Kousatsu_Zen