تحضير نفسك ومنزلك للعمل عن بعد

كيف تستعد وتهيئ نفسك ومنزلك للعمل أو الدراسة عن بعد

في عصر التكنولوجيا الرقمية والاتصالات السريعة، أصبح العمل والدراسة عن بعد من أهم الاتجاهات الحديثة التي تعتمد عليها المؤسسات والأفراد على حد سواء. يسمح هذا النمط من العمل والدراسة بتحقيق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والمهنية، وتوفير الوقت والجهد، وزيادة الإنتاجية في كثير من الأحيان. لكن الانتقال إلى بيئة العمل أو الدراسة عن بعد يتطلب استعداداً خاصاً وتهيئة ملائمة لنفسك وللمكان الذي ستقوم فيه بذلك. المقال التالي يستعرض بشكل مفصل الخطوات والإجراءات التي يجب اتباعها لتحقيق بيئة مثالية للعمل أو الدراسة عن بعد، مع التركيز على الجوانب النفسية والتنظيمية والتقنية.

1. إعداد النفس الذهني والنفسي للعمل أو الدراسة عن بعد

الخطوة الأولى والأساسية هي إعداد النفس نفسياً وذهنياً لهذا النمط الجديد. فالشعور بالارتياح والجاهزية الذهنية يؤثر بشكل مباشر على أداء الفرد.

• تحديد الأهداف بوضوح: قبل البدء، يجب تحديد الأهداف اليومية والأسبوعية بدقة. وجود رؤية واضحة يساعد في توجيه الجهود بشكل منظم.

• تقبل فكرة العمل أو الدراسة من المنزل: بعض الأشخاص قد يواجهون صعوبة في الفصل بين الحياة المنزلية والعملية، لذلك من الضروري تكوين عقلية تقبل أن المنزل سيكون مكاناً للإنجاز والإنتاج.

• وضع جدول زمني منتظم: الالتزام بجدول زمني محدد للعمل أو الدراسة يخلق نوعاً من الانضباط الذاتي، ويقلل من التسويف والتشتت.

• تعزيز الدافعية الذاتية: يمكن تنمية الدافعية من خلال تحفيز النفس عبر مكافآت صغيرة عند تحقيق الأهداف أو إنهاء المهام، أو التفكير في الفوائد طويلة المدى للعمل أو الدراسة عن بعد.

2. تهيئة المكان المناسب في المنزل

إن اختيار مكان مناسب للعمل أو الدراسة هو من أهم عوامل النجاح في العمل عن بعد. مكان العمل المثالي يساهم في زيادة التركيز وتقليل المشتتات.

• اختيار غرفة هادئة ومستقلة: يفضل أن تكون الغرفة مخصصة للعمل أو الدراسة فقط، بعيداً عن مناطق الضجيج أو الحركة المنزلية الكثيرة.

• الإضاءة المناسبة: الإضاءة الجيدة، وخصوصاً الطبيعية منها، تساهم في تقليل الإجهاد البصري وتحسين المزاج. يجب الحرص على وجود نافذة أو استخدام مصابيح إضاءة بيضاء مريحة.

• الجلوس المريح: استخدام كرسي مكتب مريح وذو دعم للظهر يقي من مشاكل العظام والعمود الفقري. يفضل أن يكون المكتب بمستوى مريح للذراعين والعينين.

• تنظيم المكان وترتيبه: مكتب مرتب وبيئة نظيفة تساعد على تنظيم الأفكار وزيادة الإنتاجية. من المهم التخلص من الفوضى والتخلص من أي أشياء غير ضرورية.

3. الأدوات التقنية والبرمجيات الضرورية

العمل أو الدراسة عن بعد يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، لذا يجب التأكد من توفر الأدوات والبرمجيات الملائمة.

• الاتصال بالإنترنت سريع ومستقر: وجود اتصال إنترنت عالي السرعة وموثوق به هو الأساس للعمل والدراسة عن بعد. يفضل استخدام اتصال سلكي (Ethernet) بدلاً من الواي فاي في حالة إمكانية ذلك، لضمان استقرار أكبر.

• الحاسوب أو اللابتوب المناسب: يجب أن يكون الجهاز ملائماً من حيث الأداء والقدرة على تشغيل التطبيقات والبرامج اللازمة. يجب تحديث النظام بشكل دوري لتجنب المشاكل الأمنية.

• سماعات الرأس والميكروفون: للاجتماعات الافتراضية والمحاضرات الإلكترونية، سماعات ذات جودة عالية تساعد على تحسين التواصل وتقليل التشويش.

• البرمجيات الضرورية: مثل برامج إدارة الوقت، تطبيقات الاجتماعات مثل Zoom أو Microsoft Teams، برامج تحرير المستندات مثل Microsoft Office أو Google Docs، وبرامج مكافحة الفيروسات.

• الشاحن وملحقات الجهاز: يجب التأكد من وجود شواحن إضافية، وأجهزة تخزين خارجية (USB أو قرص صلب خارجي) للحفاظ على نسخ احتياطية من الملفات المهمة.

4. تنظيم الوقت وتحديد الأولويات

تنظيم الوقت هو عامل حاسم في نجاح تجربة العمل أو الدراسة عن بعد، فهو يمنع التشتت ويضمن إنجاز المهام في الوقت المحدد.

• تقسيم اليوم إلى فترات عمل وفترات استراحة: اتباع تقنية مثل تقنية بومودورو (25 دقيقة عمل ثم 5 دقائق استراحة) يزيد من التركيز والفعالية.

• إنشاء قائمة مهام يومية وأسبوعية: تدوين المهام مع تحديد أولوياتها يساعد على إنجاز المهم قبل السهل.

• تجنب تعدد المهام في نفس الوقت: التركيز على مهمة واحدة في كل مرة يمنع الشعور بالإرهاق ويزيد من جودة العمل.

• تحديد أوقات غير متاحة: وضع حدود زمنية للرد على الرسائل والبريد الإلكتروني يساعد في تقليل التشتت.

5. التعامل مع المشتتات والبيئة الاجتماعية

العمل أو الدراسة من المنزل يحمل تحديات مرتبطة بالمشتتات الخارجية والبيئة الاجتماعية.

• إبلاغ الأسرة أو من يعيشون معك بأوقات العمل أو الدراسة: هذا يخلق وعيًا بينهم بضرورة احترام الوقت والمكان المخصص.

• تحديد مكان منفصل أو زاوية خاصة: منع دخول أفراد العائلة في أوقات العمل يقلل من المقاطعات.

• استخدام أدوات منع التشتيت: مثل إغلاق تطبيقات التواصل الاجتماعي أثناء فترات العمل، أو استخدام تطبيقات حظر المواقع المشتتة.

• الابتعاد عن التلفاز والراديو أثناء العمل: حيث تشتت الانتباه وقد تؤدي إلى فقدان التركيز.

6. الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية

العمل والدراسة عن بعد قد يؤديان إلى نمط حياة أكثر انطوائية وقلة حركة، مما يستدعي عناية خاصة بالجوانب الصحية.

• ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: تمارين التمدد والمشي القصير خلال فترات الاستراحة تقي من مشاكل العضلات وتساعد على تنشيط الدورة الدموية.

• الحفاظ على وضعية جسم صحيحة أثناء الجلوس: تجنب الانحناء أو الجلوس بوضعيات خاطئة للوقاية من آلام الظهر والرقبة.

• تناول وجبات صحية ومتوازنة: تجنب الأطعمة السريعة والمشروبات الغازية، واستبدالها بالخضروات والفواكه والماء.

• الاستراحة النفسية: تخصيص وقت للاسترخاء أو ممارسة التأمل أو التنفس العميق يساعد على تقليل التوتر والقلق.

• النوم الكافي: الحرص على النوم لمدة 7-8 ساعات يومياً للحفاظ على التركيز والطاقة.

7. بناء عادات إيجابية وروتين يومي

النجاح في العمل أو الدراسة عن بعد يتطلب بناء عادات إيجابية تساعد على الاستمرارية وتحقيق الأهداف.

• البدء يومياً بنفس الطقوس: مثل تناول فنجان قهوة، أو ترتيب المكتب، أو قراءة بريد إلكتروني محدد، فهذا يساعد العقل على الاستعداد.

• الاحتفاظ بمفكرة يومية: لتوثيق التقدم والملاحظات التي تساعد على تحسين الأداء.

• تقييم الأداء أسبوعياً: مراجعة الإنجازات والصعوبات لتعديل الخطط وتنظيم الوقت بشكل أفضل.

• التعلم المستمر: استغلال فرص التدريب والدورات عبر الإنترنت لتعزيز المهارات التقنية والتنظيمية.

8. الاستفادة من الأدوات المساعدة في العمل والدراسة

تتوافر العديد من الأدوات الرقمية التي تسهل تنظيم العمل والدراسة عن بعد، وتزيد من التفاعل بين الأشخاص.

• برامج إدارة المشاريع: مثل Trello و Asana تساعد في تتبع المهام والإنجازات.

• التقويم الرقمي: Google Calendar أو Outlook لتنظيم المواعيد والمهام.

• تطبيقات الملاحظات: Evernote أو OneNote لتسجيل الأفكار والملاحظات المهمة.

• المنتديات ومجموعات النقاش الإلكترونية: تتيح تبادل المعرفة والخبرات مع الزملاء.

• أدوات التواصل الفوري: Slack أو Microsoft Teams لتسهيل التواصل السريع والمباشر.

9. تهيئة بيئة العمل المناسبة للأطفال والطلاب

بالنسبة للعائلات التي يوجد فيها أطفال يدرسون عن بعد، فإن تهيئة البيئة المناسبة لهم لها أهمية بالغة.

• تحديد مكان هادئ وخاص بالدراسة: لتقليل المشتتات وضمان تركيز أفضل.

• توفير الأدوات اللازمة: مثل الحاسوب، الكتب، والمواد الدراسية المنظمة.

• وضع جدول دراسي منسق: يراعي أوقات الدروس والراحة.

• تشجيع الالتزام والانضباط: من خلال المتابعة الدائمة والتحفيز المستمر.

• الاهتمام بالصحة النفسية: بتوفير فرص للعب والراحة بعد الدراسة.

10. نصائح لتجنب الإرهاق والاحتراق النفسي

مع استمرار العمل والدراسة من المنزل لفترات طويلة، قد يظهر الإرهاق والاحتراق النفسي إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

• تحديد حدود واضحة بين وقت العمل ووقت الراحة: منع الخلط بينهما يساعد في تجديد الطاقة.

• الانخراط في أنشطة ترفيهية واجتماعية: حتى ولو عبر الإنترنت، للابتعاد عن الشعور بالعزلة.

• تجنب الإفراط في ساعات العمل: تحديد وقت نهاية يوم العمل بدقة والالتزام به.

• طلب الدعم عند الحاجة: سواء من الأصدقاء أو الأسرة أو المختصين النفسيين.

• تنويع المهام والأنشطة: لتجنب الملل والروتين.

جدول يلخص أهم الخطوات لتهيئة العمل أو الدراسة عن بعد

خلاصة

تهيئة النفس والمنزل للعمل أو الدراسة عن بعد عملية متكاملة تشمل الجوانب النفسية والبيئية والتقنية والتنظيمية. إن نجاح هذا النمط يعتمد على التخطيط المسبق والالتزام المستمر بالروتين وتنظيم الوقت، مع الحرص على الصحة النفسية والجسدية. توفير بيئة عمل مناسبة سواء على المستوى المادي أو الاجتماعي يعزز من فرص الإنتاجية والرضا عن تجربة العمل أو الدراسة عن بعد، ويجعلها خياراً عملياً وفعالاً في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم.

المراجع

1. Allen, T.D., Golden, T.D., & Shockley, K.M. (2015). How Effective Is Telecommuting? Assessing the Status of Our Scientific Findings. Psychological Science in the Public Interest, 16(2), 40-68.

2. Gajendran, R.S., & Harrison, D.A. (2007). The good, the bad, and the unknown about telecommuting: Meta-analysis of psychological mediators and individual consequences. Journal of Applied Psychology, 92(6), 1524–1541.