تجنب المقاطعة في الحوار

لا تحاورهم كي لا يقاطعوك: فن التواصل الفعّال وتجنب المقاطعة أثناء الحديث

يعد الحديث مع الآخرين أحد الأنشطة اليومية التي نمارسها في جميع مجالات الحياة، سواء في العمل، أو في المنزل، أو أثناء اللقاءات الاجتماعية. ومن أهم سمات الحديث الفعّال هو القدرة على التواصل دون مقاطعة، حيث أن العديد من الأشخاص يتعرضون لمواقف يشعرون فيها بأنهم غير قادرين على التعبير عن آرائهم بسبب المقاطعة المستمرة من الآخرين. لكن، لماذا يحدث هذا؟ وكيف يمكن تجنب المقاطعة خلال الحوار؟ وكيف يمكننا الحفاظ على سير الحديث بطريقة سلسة وفعّالة؟

1. فهم آلية المقاطعة وأسبابها

قبل أن نتناول كيفية تجنب المقاطعة أثناء الحوار، من الضروري أن نفهم أسباب حدوثها. المقاطعة هي تلك اللحظة التي يتحدث فيها أحدهم أثناء حديث الآخر، مما يقطع سير الحوار ويفسد تدفقه الطبيعي. قد يكون هذا بسبب عدة عوامل، منها:

• التحمس والتفاعل الزائد: بعض الأشخاص قد يكونون متحمسين للغاية للمشاركة في النقاش، ما يجعلهم يقاطعون المتحدث قبل أن يكمل فكرته.
• الظروف الثقافية والاجتماعية: في بعض المجتمعات، قد يكون التحدث بشكل متواصل أو المقاطعة علامة على الاهتمام أو الحماس، رغم أنها قد تؤدي إلى تدهور جودة النقاش.
• غياب الوعي الاجتماعي: في بعض الحالات، قد يكون الشخص الذي يقاطع غير مدرك تمامًا أن تصرفه يعطل سير الحديث ويسبب الإحراج للطرف الآخر.

2. أهمية عدم المقاطعة في التواصل الفعّال

عند التفكير في أنماط التواصل الفعّال، نجد أن “الاستماع” هو العنصر الأساسي الذي يميز التواصل الناجح. الاستماع الفعّال يعني إعطاء الفرصة للطرف الآخر لكي يعبر عن أفكاره بالكامل، وأن نكون حاضرين ذهنياً وجسدياً أثناء الحديث. عندما نقاطع، نفقد فرصة الفهم الكامل لموضوع النقاش، مما يؤدي إلى تشتت الأفكار وإعاقة القدرة على تقديم ردود مدروسة.

كما أن عدم المقاطعة يعكس احتراماً للطرف الآخر، ويشعره بتقدير قيمة آرائه وأفكاره. وبالتالي، فإن تجنب المقاطعة يسهم في بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والثقة، ويعزز جودة النقاش بين الطرفين.

3. طرق فعّالة لتجنب المقاطعة أثناء الحديث

لكي نتجنب المقاطعة أثناء الحديث، هناك عدة استراتيجيات يمكن اتباعها، سواء كنت المتحدث أو المستمع. دعونا نستعرض بعضاً منها:

أ. تحديد وقت محدد للتحدث

أحد أهم الأسباب التي تدفع البعض للمقاطعة هو عدم تحديد دور كل شخص في الحديث. لذا، من المفيد تحديد وقت محدد للتحدث. في الاجتماعات أو الحوارات الجماعية، يمكن اتباع قواعد معينة مثل: “كل شخص لديه دقيقة للتحدث، وبعدها ننتقل إلى الشخص التالي”. هذا يقلل من التوتر الناتج عن الرغبة في التحدث في وقت مبكر.

ب. التحلي بالصبر والانتظار حتى يكمل الآخرون حديثهم

عندما تشارك في حوار مع شخص آخر، من المهم أن تكون صبوراً وتنتظر حتى ينتهي الآخرون من التعبير عن أفكارهم قبل أن تبادر بالتعليق. في بعض الأحيان، قد يظهر شعور بالضيق من التوقف، لكن من الأفضل أن تسمح للطرف الآخر بالتعبير عن نفسه بالكامل، ومن ثم تقدم ردك أو رأيك.

ج. استخدام إشارات غير لفظية للتفاعل

إذا كنت مستمعًا، يمكنك استخدام إشارات غير لفظية لتوضيح اهتمامك بدون الحاجة للمقاطعة. على سبيل المثال، يمكن استخدام تعابير الوجه مثل الابتسامة أو الإيماء بالرأس لإظهار أنك تتابع ما يقوله المتحدث. كما أن الحفاظ على التواصل البصري يساهم في نقل شعور الاهتمام والاحترام.

د. طرح الأسئلة بعد انتهاء الحديث

بدلاً من مقاطعة المتحدث أثناء حديثه، حاول تأجيل أسئلتك حتى تنتهي فكرته. إذا كان لديك سؤال أو تعليق، يمكنك وضعه في ذهنك أو تدوينه لتعود إليه لاحقاً، مما يتيح لك الحصول على أفضل إجابة ممكنة بعد أن يتاح للآخرين فرصة الحديث بالكامل.

4. كيفية التعامل مع المقاطعين في الحوارات

في بعض الأحيان، قد تواجه أشخاصاً يقاطعونك باستمرار أثناء حديثك. كيف يمكنك التعامل مع هؤلاء الأشخاص بطريقة تحافظ على سير الحديث دون أن تشعر بالإحباط أو الاستياء؟

أ. التعبير عن مشاعرك بهدوء

إذا كنت تواجه شخصاً يقاطعك، قد تحتاج إلى إيقاف الحوار بشكل هادئ ولبق، لتوضيح أنك لم تنتهِ من تقديم فكرتك بعد. يمكنك القول، “أفهم تمامًا أنك متحمس، ولكن أرجو أن تمنحني فرصة للانتهاء من كلامي”. هذا يساعد على إعادة الحوار إلى مساره الطبيعي دون أن تتحول المحادثة إلى صراع.

ب. استخدام النكتة أو الفكاهة

في بعض الأحيان، يمكن تخفيف الموقف باستخدام الفكاهة الخفيفة أو النكتة التي توضح للشخص المقاطع أنك لم تنتهِ بعد، ولكن بدون أن تكون هجومية أو جارحة. على سبيل المثال: “لقد كنت أعتقد أنني كنت في حوار مع نفسي، ولكن يبدو أنني كنت بحاجة إلى استراحة للتفكير!”

ج. إعادة توجيه النقاش بشكل لائق

إذا كان الشخص الذي يقاطعك يعود للمقاطعة بشكل متكرر، يمكنك إعادة توجيه النقاش إلى الموضوع الأساسي بهدوء وبدون إظهار أي انزعاج. استخدم عبارات مثل: “أعتقد أننا بدأنا ننحرف عن الموضوع، دعونا نعود إلى النقطة التي كنت أتحدث عنها”. هذه الطريقة تساعد في الحفاظ على سير الحوار دون اللجوء إلى المواجهة المباشرة.

5. أثر تجنب المقاطعة على العلاقات الشخصية والمهنية

إن تجنب المقاطعة أثناء الحوار لا يقتصر على تحسين جودة النقاش فحسب، بل له أيضًا تأثير كبير على العلاقات بين الأفراد، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية. في العمل، على سبيل المثال، يعزز تجنب المقاطعة من بيئة التعاون ويجعل الفرق أكثر قدرة على العمل بشكل جماعي. كما أن في الحياة الشخصية، يعكس الاستماع الجيد احتراماً عميقاً للرأي الآخر، مما يقوي الروابط بين الأفراد ويزيد من مستويات التفاهم المتبادل.

6. ختامًا

إن تجنب المقاطعة أثناء الحديث ليس مجرد ممارسة اجتماعية، بل هو جزء أساسي من بناء حوار بناء وفعّال. سواء كنت المتحدث أو المستمع، فإن التواصل الفعّال يتطلب من الجميع احترام الأدوار في الحوار ومنح كل طرف الفرصة للتعبير عن نفسه. بالمقابل، فإن تجنب المقاطعة يمكن أن يساعد في تقوية العلاقات وزيادة التفاهم المتبادل، مما ينعكس بشكل إيجابي على الأفراد والجماعات في مختلف السياقات الاجتماعية والمهنية.