من وضع علم النحو؟

علم النحو هو أحد العلوم الأساسية التي تعتمد عليها اللغة العربية، وهو العلم الذي يختص بدراسة قواعد تركيب الجمل والكلمات، وكيفية ارتباطها ببعضها البعض لتكوين معانٍ واضحة ودقيقة في الكلام. وبالرغم من أن النحو يبدو في ظاهره قواعد صارمة وجافة، إلا أنه يمثل القلب النابض للغة العربية، الذي يحفظ تماسكها ويضمن سلامة التعبير بها. يتناول هذا المقال بشكل مطول موضوع من وضع علم النحو، بدايةً من نشأته وتطوره، مرورًا بمن أسس هذا العلم، وكيف تطورت قواعده حتى وصلت إلى شكلها المعاصر الذي نعرفه اليوم.

نشأة علم النحو في اللغة العربية

قبل الحديث عن من وضع علم النحو، لابد من معرفة الظروف التي أدت إلى نشأته. اللغة العربية في صدر الإسلام كانت تُنقل شفهيًا بشكل رئيسي، وكانت العرب في الجاهلية يتكلمون لهجات متعددة، مع وجود لغة عربية فصحى متداولة بين القبائل. مع انتشار الإسلام وازدياد عدد المسلمين غير العرب الذين تعلموا اللغة العربية، برزت الحاجة إلى تنظيم قواعد هذه اللغة، من أجل فهم النصوص الدينية بشكل صحيح، خاصة القرآن الكريم، وكذلك حفظ الشعر والنثر.

القرآن الكريم كان المحفز الأساسي لوضع قواعد النحو، حيث احتاج العلماء إلى تفسير وتوضيح المعاني، والتأكد من سلامة اللغة وعدم اللخبطة أو الالتباس في الفهم. لذلك بدأ ظهور علماء اللغة الذين سعوا إلى وضع قواعد تشرح كيفية بناء الجمل وتركيب الكلمات، ومن هنا انطلق علم النحو.

من وضع علم النحو؟

يُعزى تأسيس علم النحو إلى مجموعة من العلماء الذين عاشوا في الفترة الإسلامية المبكرة، وخاصة في القرنين الأول والثاني الهجريين. ومن أشهر هؤلاء العلماء:

سيبويه (ت 180 هـ)

سيبويه هو الاسم الأبرز في تاريخ علم النحو، وقد يُعتبر المؤسس الحقيقي لهذا العلم. اسمه الكامل هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الأزدي. وُلد في البصرة في العراق، وهو من أتباع المدرسة البصرية التي كانت تهتم بدراسة اللغة العربية وقواعدها.

قدّم سيبويه إسهامًا ضخمًا في علم النحو من خلال كتابه الشهير “الكتاب”، وهو أول مرجع شامل يدرس قواعد النحو بشكل مفصل ومنهجي. يحتوي الكتاب على شرح دقيق لأقسام الكلام، وكيفية تركيب الجمل، وأسباب الإعراب والتنكير والتعريف، والعديد من المواضيع التي شكلت الأساس الصلب لهذا العلم.

كان كتاب سيبويه ثورة في الفكر اللغوي، حيث أنه جمع بين قواعد اللغة ونظرياتها بطريقة علمية موثقة، وأسس منهجًا منهجيًا لتعليم النحو. استمر تأثير هذا الكتاب على علماء اللغة حتى يومنا هذا.

الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ)

الخليل بن أحمد الفراهيدي هو عالم لغوي آخر يُنسب إليه تأسيس علم النحو. ويعتبر الخليل من أبرز علماء اللغة في العصر العباسي، وهو من وضع أول معجم عربي “العين”، كما أسس علم العروض الذي يدرس أوزان الشعر العربي.

أما دوره في النحو، فقد أسس مع أتباعه مدرسة الكوفيين التي تضمنت قواعد نحوية تختلف في بعض التفاصيل عن مدرسة البصرة التي كان ينتمي إليها سيبويه. كان الخليل يركز على ضبط اللغة وتحديد أصول قواعدها، وساعد في تنظيم نظام الإعراب وصياغة قواعد النحو.

الأوائل في النحو

بالإضافة إلى سيبويه والخليل، كان هناك عدد من العلماء الذين ساهموا في وضع قواعد النحو وتطويره، ومنهم:

• يونس بن حبيب: كان من أوائل من كتب في النحو، وأحد علماء مدرسة الكوفة.

• عبد الملك بن قريب: من علماء الكوفة الذين أسهموا في جمع وتحليل قواعد اللغة.

• محمد بن موسى بن جنى: وضع مصنفات عديدة في النحو واللغة.

• أبو الحسن علي بن حمزة الكوفي: له إسهامات في تطوير قواعد النحو.

• ابن جني: من أشهر علماء النحو في القرن الرابع الهجري، قام بتوسيع وتطوير علم النحو وشرح قواعده بطريقة عميقة.

مدارس النحو: البصرة والكوفة

تأسس علم النحو من خلال مدرستين رئيسيتين في العالم الإسلامي القديم، هما مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، ولكل منهما خصوصيات وأسلوب في وضع قواعد النحو:

• مدرسة البصرة: أسسها سيبويه وأتباعه، وكانت تتميز بالدقة في قواعد النحو، والاعتماد على تحليل دقيق للغة العربية الفصحى، مع التمسك بنصوص القرآن والشعر. هذه المدرسة كانت تركز على قواعد الإعراب والاشتقاق والمنطق اللغوي.

• مدرسة الكوفة: كان الخليل بن أحمد من أبرز روادها، وتختلف في بعض القواعد عن مدرسة البصرة. تميزت هذه المدرسة بالتركيز على الاستخدامات اللغوية في اللهجات المختلفة والتفسير اللغوي، وهي أكثر مرونة في بعض قواعدها.

وقد استمرت هذه المدارس في التنافس والتبادل الفكري، مما ساعد على تطور علم النحو بشكل كبير.

مراحل تطور علم النحو

علم النحو لم يتوقف عند عصر سيبويه والخليل، بل شهد تطورات مستمرة عبر العصور، إذ عمل العلماء على توسيع دائرة الدراسة وتبسيط القواعد وتوضيحها.

• في القرون التالية، ظهرت مؤلفات عديدة في النحو مثل كتاب “شرح الآجرومية” و”المغني” و”شرح الفصول” التي كانت تهدف إلى تبسيط قواعد النحو للمتعلمين.

• في العصر العباسي، استمر العلماء في تطوير علم النحو من خلال كتب شاملة ومناهج تعليمية.

• في العصر الحديث، دخلت علوم اللغة في نطاق الدراسات اللغوية الحديثة، لكنها حافظت على قواعد النحو التقليدية مع بعض التعديلات التي تساعد على فهم أفضل وتطبيق أوسع.

أهمية علم النحو ودوره في اللغة العربية

لا يمكن الحديث عن وضع علم النحو دون الإشارة إلى دوره المحوري في الحفاظ على اللغة العربية. فالنحو ينظم العلاقات بين الكلمات داخل الجملة، ويوضح المعاني ويمنع الالتباس. بدون قواعد النحو، ستفقد اللغة العربية تماسكها وسهولة فهمها، وستصبح الجمل غير واضحة أو غير مفهومة.

بفضل النحو استطاع العرب حفظ القرآن الكريم كما هو، وحافظوا على تراثهم الأدبي من الشعر والنثر بأسلوب متقن ومنظم. كما أن النحو يعزز القدرة على التعبير السليم في الخطابة والكتابة، ويعتبر من أساسيات تعلم اللغة لأي متحدث أو دارس.

الجدول التالي يوضح بعض الفروق بين مدرستي البصرة والكوفة في وضع قواعد النحو

المصادر والمراجع

• “الكتاب” لسيبويه، وهو المرجع الأساسي في علم النحو.

• “العين” للخليل بن أحمد الفراهيدي، من أهم المعاجم والدراسات اللغوية القديمة.

في الختام، فإن وضع علم النحو لم يكن عملاً فرديًا بحتًا، بل هو نتاج جهود متراكمة عبر أجيال من العلماء الذين سعوا إلى تنظيم اللغة العربية وتبسيط قواعدها. لقد أسسوا لعلم لا غنى عنه في فهم اللغة والحفاظ عليها عبر الزمن، ولا تزال قواعدهم تشكل حجر الأساس في تعليم اللغة العربية حتى اليوم.