مصر: تاريخ طويل يمتد عبر العصور
مصر، ذلك البلد الذي يضم بين جنباته أعرق الحضارات في تاريخ البشرية، له تاريخ طويل ومعقد يمتد لآلاف السنين، حمل خلالها الكثير من الأحداث التي شكلت هوية هذه الأمة العريقة. من الحضارة الفرعونية العظيمة إلى العصر الإسلامي الحديث، تواصل مصر نموها وتطورها لتصبح مركزًا ثقافيًا وتاريخيًا في العالم. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل تاريخية هامة تسلط الضوء على مسيرة مصر عبر العصور، بدءًا من العصور القديمة وحتى العصر الحديث.
1. الحضارة الفرعونية (3000 قبل الميلاد – 30 قبل الميلاد)
تعتبر الحضارة الفرعونية واحدة من أقدم وأعظم الحضارات في تاريخ البشرية. يمتد تاريخ مصر الفرعونية لما يقارب الثلاثة آلاف سنة، وقد بدأت هذه الحضارة في عصر ما قبل الأسرات مع توحيد مصر العليا والسفلى على يد الملك نارمر (أو مينا) نحو عام 3100 قبل الميلاد.
على الرغم من أن الكثير من آثار مصر القديمة قد تعرضت للاندثار أو التدمير عبر القرون، إلا أن آثار الحضارة الفرعونية التي تم اكتشافها تؤكد عظمة هذه الحضارة. قدم الفراعنة إسهامات كبيرة في مجالات مثل الفن، والعمارة، والدين، والعلوم. فالأهرامات، وعلى رأسها هرم خوفو، تعتبر من عجائب العالم السبع القديمة ولا تزال شاهدة على عبقرية المهندسين المصريين في تلك الحقبة.
عُرفت مصر الفرعونية كذلك بمعتقداتها الدينية المتنوعة، التي كانت تتضمن آلهة مثل “رع” إله الشمس، و”إيزيس” إلهة الأمومة، و”أوزيريس” إله العالم السفلي. في تلك الحقبة، كان للملك أو الفرعون مكانة شبه إلهية، إذ كان يُعتبر الوسيط بين الآلهة والشعب.
كان عصر الدولة القديمة (من 2686 إلى 2181 قبل الميلاد) يشهد على تشييد الأهرامات العظيمة، فيما كان عصر الدولة الحديثة (من 1550 إلى 1070 قبل الميلاد) يتميز بالقوة العسكرية والاقتصادية، حيث توسعت مصر وامتدت حدودها لتشمل أجزاء كبيرة من الشرق الأدنى.
2. الاحتلالات الأجنبية: الفرس، اليونان، والرومان
منذ نهاية الأسرة الفرعونية الأخيرة في عام 30 قبل الميلاد، دخلت مصر في سلسلة من الفتوحات والاحتلالات التي دامت لعدة قرون. كانت بداية هذه الحقبة مع الغزو الفارسي في 525 قبل الميلاد. فقد قام الفرس تحت قيادة الملك قمبيز الثاني بغزو مصر، وأسقطوا الدولة الفرعونية، لتصبح مصر جزءًا من الإمبراطورية الفارسية. لكن سرعان ما تمكن المصريون من استعادة استقلالهم، قبل أن يعود الفرس في 343 قبل الميلاد تحت حكم الملك دارا الثالث.
في عام 332 قبل الميلاد، شهدت مصر غزوًا جديدًا، هذه المرة على يد الإسكندر الأكبر، الذي أسس مدينة الإسكندرية التي أصبحت واحدة من أعظم مدن العالم القديم. بعد وفاة الإسكندر، حكمت مصر أسرة البطالمة اليونانية، وكان أشهر حكامها كليوباترا السابعة، التي حاولت الحفاظ على استقلال مصر في مواجهة توسعات الإمبراطورية الرومانية.
في عام 30 قبل الميلاد، وبعد هزيمة كليوباترا وأنطونيوس أمام الإمبراطور الروماني أوكتافيان (الذي أصبح لاحقًا أغسطس)، أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. خلال هذه الفترة، تحولت مصر إلى مصدر أساسي للحبوب، حيث كانت تعد سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية.
3. العصر الإسلامي (640 ميلادي – 1250 ميلادي)
في القرن السابع الميلادي، وبعد أن انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، جاء الفتح الإسلامي لمصر في عام 640 ميلادي على يد القائد العربي عمرو بن العاص. كان هذا الفتح بداية حقبة جديدة من التاريخ المصري، حيث أصبحت مصر جزءًا من الخلافة الإسلامية.
مرت مصر بمراحل تاريخية كبيرة خلال هذه الحقبة، فقد شهدت عصرًا من الازدهار في مختلف المجالات، بما في ذلك العلوم والفنون، خاصة في فترة حكم الدولة الأموية ثم العباسية. كما أصبحت القاهرة عاصمة الخلافة الفاطمية، وهي أحد أبرز العصور في تاريخ مصر، حيث تم بناء العديد من المعالم الإسلامية التي ما زالت قائمة حتى اليوم.
خلال فترة حكم الدولة الأيوبية (1171-1250)، تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، ازدهرت مصر في مجال الفنون العسكرية، حيث نجحت مصر في مقاومة الحملات الصليبية وصدهم عن أراضيها. كما شهدت مصر نهضة ثقافية وفكرية كبيرة خلال هذه الفترة.
4. الدولة المملوكية (1250 ميلادي – 1517 ميلادي)
بعد سقوط الدولة الأيوبية، نشأت الدولة المملوكية التي حكمت مصر لفترة طويلة امتدت من 1250 إلى 1517. كانت المماليك هم الجنود العبيد الذين قاموا بالاستيلاء على الحكم في مصر بعد انهيار الدولة الأيوبية.
شهدت الفترة المملوكية العديد من الإنجازات المعمارية والثقافية، حيث قام المماليك ببناء العديد من القلاع والمساجد التي تميزت بزخارفها الإسلامية الفاخرة، وأصبحت القاهرة تحت حكمهم واحدة من أكبر وأهم المدن في العالم الإسلامي. كما كان للمماليك دور كبير في التصدي للغزو المغولي والتوسع الصليبي في الشرق الأوسط.
5. الاحتلال العثماني (1517 ميلادي – 1798 ميلادي)
في عام 1517، دخلت مصر تحت حكم الدولة العثمانية بعد هزيمة المماليك على يد السلطان العثماني سليم الأول في معركة الريدانية. ورغم أن مصر ظلت تتمتع ببعض الاستقلالية خلال الفترة العثمانية، فإنها كانت خاضعة للسلطة العثمانية في النهاية. وقد تأثرت مصر بالعديد من التغيرات الثقافية والسياسية خلال هذه الفترة، حيث أصبح المجتمع المصري أكثر تنوعًا نتيجة لتعدد الأعراق والديانات.
6. الاحتلال الفرنسي (1798 ميلادي – 1801 ميلادي)
في عام 1798، غزا نابليون بونابرت مصر، في محاولة لتوسيع نطاق الإمبراطورية الفرنسية. وعلى الرغم من أن الحملة الفرنسية لم تدم طويلاً، فإنها تركت تأثيرًا كبيرًا على مصر. أسس الفرنسيون العديد من المشاريع الثقافية والتعليمية، مثل إنشاء معهد مصر الذي أسهم في دراسة الحضارة المصرية القديمة.
بعد هزيمة الفرنسيين في معركة أبي قير البحرية عام 1801، عاد العثمانيون إلى حكم مصر، ولكن مع تحول مهم كان يتمثل في ظهور محمد علي باشا.
7. عصر محمد علي وما بعده (1805 ميلادي – 1952 ميلادي)
في عام 1805، بدأ محمد علي باشا حكمه لمصر بعد أن عينته الدولة العثمانية واليًا على مصر. قام محمد علي بإصلاحات واسعة في كافة المجالات، بدءًا من الجيش حتى الصناعة والزراعة، وأسس جيشًا قويًا وأحدث تطورًا في البنية التحتية للبلاد. خلال فترة حكمه، تطورت مصر بشكل كبير، وأصبحت قوة إقليمية في الشرق الأوسط.
شهدت مصر أيضًا فترة من الحكم البريطاني غير المباشر بعد الثورة العرابية في 1882، وكان ذلك بسبب احتلال بريطانيا مصر بعد معركة تل الكبير. طوال فترة الاحتلال البريطاني، كان هناك العديد من محاولات الاستقلال والتحرر من الهيمنة الأجنبية، حتى ثورة 1952.
8. ثورة 1952 وعصر الجمهورية
في 23 يوليو 1952، قامت الثورة المصرية بقيادة الضباط الأحرار، وكان أبرزهم جمال عبد الناصر، الذي أسقط الملك فاروق وأعلن الجمهورية. شكلت ثورة 1952 تحولًا كبيرًا في السياسة المصرية، حيث تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية. بدأت الحكومة الجديدة بتطبيق سياسات اشتراكية وإصلاحات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وفي عام 1956، أصبح جمال عبد الناصر رئيسًا لمصر، وبدأ في تنفيذ مشاريع ضخمة مثل بناء السد العالي في أسوان، الذي ساعد في التحكم في الفيضانات وتوليد الطاقة الكهربائية. كما أطلق ناصر العديد من السياسات التي تهدف إلى تحقيق الوحدة العربية والاستقلال عن القوى الغربية.
9. العصر الحديث (1970 – الآن)
بعد وفاة جمال عبد الناصر في 1970، تولى أنور السادات الحكم وأطلق سياسة الانفتاح الاقتصادي وعلاقات مصر مع الغرب. وكان السادات أيضًا بطلًا في توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في عام 1979.
في عام 1981، اغتيل السادات، وتولى الرئيس حسني مبارك الحكم حتى 2011، عندما اندلعت ثورة يناير ضد نظامه.
شهدت مصر في الأعوام الأخيرة العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أدت إلى رحيل مبارك. في 2013، جرت أحداث سياسية كبيرة أدت إلى تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية.
مصر، بتنوع تاريخها الغني وعراقتها، تظل واحدة من أهم القوى السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
