عندما يُقدِّم البروفيسور أ.وولف كتابه “عرض تاريخي للفلسفة والعلم”، فإنه يفتح بوابة الفهم العميق لتطور العقل البشري عبر العصور. يقدم لنا استعراضًا متأنيًا وشاملًا لتاريخ التفكير الإنساني على مدار خمسة عشر قرنًا، أو ربما أكثر. يظهر البروفيسور وولف بشكل واضح وموجز كيف أنَّ التفكير الحاضر يتفاعل ويتشابك بشكل لا ينقطع مع التاريخ الماضي في مجالي الفلسفة والعلم.
وفي هذا الاستعراض الذي يبدو كجوهرة نادرة من التأملات الفكرية، يقدِّم أ.وولف مرآة تعكس تسلسل الأفكار والأحداث التي أدَّت إلى تشكيل المنهج العلمي والفلسفي الذي نعرفه اليوم. فهو يجمع بين قطع اللغز المتنوعة التي شكلت مسار التفكير البشري عبر العصور، ويربطها بحبل واحد من التفكير المتواصل والتطور المتصل.
ويمثل هذا الكتاب، بلا شك، موردًا قيمًا للقارئ الباحث عن فهم أعمق للتراث الفكري للبشرية. فمن خلال تسليط الضوء على العصور القديمة، نجد الإنسان يتحول من الاعتقادات الأسطورية إلى بدايات التفكير الفلسفي والعلمي، سواء بين الإغريق في آسيا الصغرى أو خلال العصور الوسطى النابضة بالحضارة، حيث ازدهرت الفلسفة في الإسلام وعند اليهود وفي دائرة آباء الكنيسة والفلاسفة المدرسيين.
ومع تقدم الزمن ودخولنا العصر الحديث، يرافقنا أ.وولف في رحلة ممتعة تُظهِر كيفية تحرير التفكير من قيود السلطة، وكيف أن العلم والفلسفة أصبحا دعامتين أساسيتين في بناء المعرفة وتقدم الحضارة. وفي ختام الرحلة، نجد المذهب المثالي في الفلسفة والمذهب المادي في العلم يتسلَّحان بقوة في القرن التاسع عشر، لتُثبت الفكرة الأساسية التي يُحاول أ.وولف توصيلها، وهي ارتباط التفكير الحاضر بالماضي، وتأثير الأفكار القديمة على شكل ومضمون الفهم الحديث.
ومع غلافه الورقي الجذاب، يُعتبر هذا الكتاب من القطع النادرة التي تجمع بين الشمولية الفكرية والتميز العلمي، وهو يوفِّر للقارئ الفضولي فرصة للغوص في عمق التاريخ والتفكير البشري بطريقة ملهمة ومثيرة للتأمل.