“They’ve Gotta Have Us”: استكشاف تاريخ السينما السوداء من خلال عيون الفنانين
تُعتبر السينما أداة قوية في تشكيل الواقع الثقافي والاجتماعي، فهي لا تعكس فقط الأحداث التي تدور حولنا، بل تساهم أيضًا في تشكيل فهمنا وتصورنا للعالم. وفي هذا السياق، يأخذنا الوثائقي البريطاني “They’ve Gotta Have Us” في رحلة عبر تاريخ السينما السوداء، موضحًا الكفاح والإنجازات التي حققها الفنانون الأمريكيون من أصل أفريقي في هذا المجال. تم عرض الوثائقي لأول مرة في عام 2018، وهو من إخراج سيمون فريدريك ويستند إلى سرد شخصي من مجموعة من الأسماء اللامعة التي ساهمت في بناء وتطوير هذا النوع من السينما.
تاريخ وثائقي غني
“لقد كان لديهم ما يحتاجون إليه” ليس مجرد عرض لمشاهد من الأفلام الشهيرة أو تذكير باللحظات العظيمة في السينما السوداء، بل هو سرد توثيقي لرحلة الفنانين السود في صناعة السينما. من خلال سردهم الذاتي، يعرض الوثائقي كيف واجه هؤلاء الفنانون التمييز العنصري والصعوبات التي لم تكن مقتصرة فقط على مناحي الحياة اليومية، بل امتدت إلى صناعة السينما نفسها. يعرض العمل كيف كان الفنان السود يُستَبعَد أحيانًا من الأدوار الهامة أو يُجبر على تقديم شخصيات نمطية ذات طابع سلبي في الغالب.
يُقدَّم الوثائقي عبر مجموعة من الشهادات الحية والتجارب الشخصية لشخصيات بارزة مثل ديبي ألين، هاري بلافونتي، جون بوييغا، ديهان كاروول، إرنست ر. ديكيسون، لورانس فيشبورن، نيلسون جورج، وويبي غولدبرغ وغيرهم. هؤلاء الفنانين يشاركوننا ذكرياتهم ورؤاهم الشخصية حول صناعة السينما السوداء، مما يوفر لنا فرصة فريدة لفهم التحديات التي واجهوها في تحقيق النجاح والتأثير في هذا المجال.
الأثر الاجتماعي والثقافي للسينما السوداء
يُعد “They’ve Gotta Have Us” جزءًا من الجهود المستمرة للاحتفال بالإنجازات الثقافية التي حققتها السينما السوداء على مر العقود. ففي وقت كان فيه الفن السابع يُهيمن عليه الفنانون البيض، جاءت السينما السوداء لتعكس الواقع الحي للعديد من المجتمعات الأمريكية التي لم يكن لها حضور في هذا المجال. ساهمت هذه الأعمال في فتح الأفق أمام أجيال جديدة من المخرجين والكتاب والفنانين السود، الذين استطاعوا مع مرور الوقت ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما العالمية.
تتناول الحلقات المختلفة للوثائقي فترة زمنية ممتدة من بدايات السينما السوداء في عشرينيات القرن الماضي، مرورًا بموجة أفلام السبعينيات التي حققت نجاحًا كبيرًا مثل “Shaft”، وصولاً إلى العصر الحديث، حيث أصبح الصوت الأفريقي الأمريكي حاضرًا بقوة في معظم الاستوديوهات العالمية، وفي أفلام تُحصد الجوائز وتُحقق نجاحات عالمية. يتم التطرق إلى التحديات الاجتماعية والسياسية التي ساعدت في تشكيل هذا النوع من السينما، بالإضافة إلى كيفية تمكين هذه الأفلام والمواهب السوداء من تغيير صورة المجتمع الأمريكي في السينما.
المبدعون الذين ساهموا في تاريخ السينما السوداء
يُظهر الوثائقي أهمية العديد من المبدعين السود الذين ساهموا في تغيير وجه السينما الأمريكية، مثل المخرجين روبرت تاونسند وكاسي ليمونز، والمنتجين مثل بارى جيكينز، والممثلين الذين أثبتوا قوتهم في الأدوار التي كانت تمثل تحديًا لهم في ظل القوالب الجاهزة التي كانت مفروضة عليهم. بالإضافة إلى ذلك، نجد أسماء أخرى مثل ديفيد أويلوو، وجيسي ويليامز، الذين لم يتوقفوا عند مجرد التمثيل، بل كانوا جزءًا من الحركة التي سعت لتغيير الصورة النمطية للأفريقيين الأمريكيين في هوليوود.
تُسلط الضوء أيضًا على الحضور البارز للمبدعين مثل كوبا غودينغ جونيور، وليريل هاوري، الذين لعبوا أدوارًا هامة في تمثيل القصص السوداء بطريقة تبتعد عن الصور السلبية التقليدية. وبفضل هؤلاء الفنانين، أصبحت السينما السوداء أكثر تنوعًا وأكثر تأثيرًا، بل وتقديرًا في الساحة الدولية.
التأثير المستمر على الصناعة
إن “They’ve Gotta Have Us” لا يقتصر فقط على كونها شهادة على الماضي، بل هي أيضًا بمثابة مرآة للمستقبل. فحتى اليوم، تظل السينما السوداء جزءًا أساسيًا من المشهد السينمائي العالمي. من أفلام مثل “Black Panther” و”Moonlight” إلى مشاريع أخرى تحمل بصمة قوية من المبدعين السود، يُظهر الوثائقي كيف أن الصناعة تتطور بفضل أصوات جديدة وطموحة تواصل إثراء السينما بقصص جديدة تُعبّر عن تجارب ومشاعر لم يكن لها صوت في السابق.
خاتمة
يُعتبر “They’ve Gotta Have Us” أكثر من مجرد توثيق تاريخي لسينما السود؛ إنه عرض للإنجازات الثقافية والفنية التي حققها العديد من الفنانين السود في هوليوود والعالم. من خلال سرد هذه القصص من خلال تجارب الفنانين أنفسهم، يمكننا أن نفهم عمق المعركة التي خاضوها ضد التمييز والعنصرية في سبيل تقديم ثقافتهم للعالم. كما أن الوثائقي يمثل دعوة للاحتفال بجميع الإنجازات التي حققتها السينما السوداء، وإظهار كيف أن هذه القصص تستمر في تشكيل وتنمية صناعة السينما العالمية.